غدت أيام البيئة وموضوعاتها كثيرة جداً وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على حجم المشاكل التي تواجهها البشرية. لقد مضى قرن من تدمير البيئة بأشكال مختلفة بدأت بالثورة الصناعية وبالاعتقاد الخاطئ بأن التكنولوجيا قادرة على حل مشكلات البيئة مهما عظمت. وما زاد الأمر تعقيداً جشع رأس المال الذي بنى امبراطوريات من الصناعات الزراعية والصناعية التي أتت على حيز كبير من مساحة الأرض والتي عرفت فيما بعد بأنها نظم بيئية يجب حمايتها وتوخي الحذر في التعامل معها. لقد دمر الكثير من النظم البيئية من مصبات للأنهار ومناطق رطبة وساحلية وحتى صحراوية لبناء مدن وإقامة منشآت صناعية وسياحية وتكنولوجية، كما استغلت الغابات بشكل جائر سعيا وراء منتجاتها المادية المباشرة دون النظر إلى فوائدها الأخرى، وما زاد الأمر سوءا بطء الاستجابة لحل كثير من هذه المشكلات على المستوى العالمي أو حتى على مستوى الأفراد، والأمثلة عديدة تبدأ مع مشكلتنا الكبرى التي نتقاذف أسبابها ونتعثر في حلولها وهي التغير المناخي وسبقتها مشكلات عدة كمشكلة تلوث البحار بالزئبق والتصحر وفقدان التنوع البيولوجي، والآن نشكو جميعا من تلوث المحيطات بالبلاستيك الذي مازال يستعمل على نطاق واسع على وجه البسيطة. لقد آن أوان أن ندرك أن كوكب الأرض بما عليه من يابسة ومياه ليس إلا كيانا واحدا وما يؤثر في هذا الكيان في أي جزء منه ستظهر آثاره في أجزاء وأماكن أخرى لأنه ببساطة مكون من مجموعة من النظم البيئية المترابطة والمفتوحة على بعضها البعض. ولا نريد التذكير بفوائد نظم البيئة المباشرة وغير المباشرة والمعدل الذي نخسر به هذه النظم وأهمية استعادتها، لكن الأمر المهم أن نتذكر أن آثار بعض المشكلات العالمية قد بدأت بالظهور؛ فقد قلت الأمطار في أماكن عدة من العالم وزادت وتيرة الجفاف وشدته ولنا في منطقة شرق المتوسط خير مثال على هذا التغير الذي بدأ يهدد إنتاج المحاصيل وينذر بشح في موارد المياه ما قد يفضي إلى مشكلات بين الدول وقلاقل في مجتمعات هذه المنطقة. لا يقتصر الأمر على التغير المناخي؛ فقد تكون تبعات تدهور النظم البيئية وفقدان التنوع البيولوجي أكبر بكثير مما نعتقد. وربما نشهد في العقود القادمة آثار أفعال ترتكب تحت مسميات التنمية تحت وطأة ازدياد عدد السكان وتوفير أمنهم الغذائي والمائي والسعي لتحقيق الرفاه الإنساني. في مناسبة يوم البيئة العالمي، لا يسعنا إلا الدعوة إلى مزيد من الحذر في التعامل مع النظم البيئية سواء أكانت تربة، أم غابة، أم مرعى. فالتربة نظام بيئي حي متوازن يستجيب للمؤثرات بردود أفعال كما الغابة والمرعى، والحذر يوجب اتباع نهج احترازي يلم بأبعاد استعمالات هذه الأراضي والتمعن بآثار استعمالاتها وليكن عنوان عملنا الرفق بموائلنا وأماكن معيشتنا التي تكتنز مقومات وجودنا ورفاهنا. { أستاذ بكلية الدراسات العليا - جامعة الخليج العربي
مشاركة :