ماذا وراء جولة الدبيبة إلى الجزائر وإيطاليا وفرنسا؟

  • 6/8/2021
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة إلى كل من الجزائر وفرنسا وإيطاليا طغى عليها الطابع الاقتصادي أكثر من السياسي، رغم أن المهمة الرئيسية الموكلة له تنظيم الانتخابات قبل نهاية العام. فستة أشهر لا تبدو مدة كافية لأي حكومة لتحقيق إقلاع اقتصادي سريع، خاصة في ظل عدم مصادقة مجلس النواب، برئاسة عقيلة صالح، على موازنة الدولة، ما سيعرقل عملها، رغم مرور نحو شهرين ونصف من تسلم الدبيبة السلطة. لكن رئيس حكومة الوحدة، القادم من بيئة رجال الأعمال، يسعى لوضع القطار الاقتصادي للبلاد على السكة، وهذا ما يتجلى في إعلانه، خلال منتدى الأعمال الليبي الإيطالي بروما، سعي حكومته زيادة إنتاج النفط إلى 4 ملايين برميل يوميا، أي ضعف إنتاج نيجيريا، أكبر مصدر للنفط في إفريقيا. ويقدر إنتاج ليبيا الحالي من النفط نحو 1.1 مليون برميل يوميا، بينما بلغ في 2011 ذروته عند حدود 1.6 مليون برميل يوميا، حيث تعتبر أكبر بلد إفريقي من حيث احتياطي النفط، ناهيك عن احتياطات هامة من الغاز الطبيعي. ويراهن الدبيبة، على إغراء النفط و120 مليار دولار كلفة إعمار البلاد، لاستقطاب دعم دول الجوار والدول الفاعلة في الملف الليبي، ليس لجذب الاستثمارات فقط، بل أيضا من أجل كسب تأييد دولي لتحقيق الاستقرار الداخلي، وتقوية شرعيته في مواجهة الأطراف التي ترفض الاعتراف بسلطته. فمن خلال زيارة الجزائر وفرنسا وإيطاليا واستقباله رئيس الوزراء الإسباني في العاصمة طرابلس، يحاول الدبيبة، إيصال رسالة للعالم أن بلاده بدأت تستعيد استقرارها السياسي والأمني والاقتصادي، وتحتاج لدعم دولي لتعزيز هذا الاستقرار. فالدبيبة، يواجه في هذه المرحلة، عدم اعتراف مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، بحكومته، بل ومنعه من الاجتماع في مدينة بنغازي (شرق)، وعدم تقدم عمل لجنة 5+5 العسكرية المشتركة، لتوحيد الجيش، وإخراج المرتزقة ونزع الألغام وفتح الطريق الساحلي بين الشرق والغرب. ناهيك عن عرقلة أنصار حفتر في مجلس النواب، اعتماد مشروع قانون المالية (الموازنة)، وبطء العملية السياسية، خاصة ما تعلق بالاتفاق على قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات في 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل، وإصدار القوانين المتعلقة بها. ويسعى الدبيبة لحلحة الوضع السياسي والأمني في بلاده، عبر دعم دولي، من البوابة الاقتصادية. ** الجزائر.. النفط والكهرباء والمصالحة أبرز النتائج التي حققها الدبيبة في زيارته للجزائر، الاتفاق على عودة العملاق النفطي "سوناطراك" لاستئناف العمل في مجال استكشاف النفط بحوض غدامس (جنوب غرب). وكانت سوناطراك، المصنفة كأكبر شركة في إفريقيا، سحبت موظفيها من غدامس الليبية المحاذية للحدود المشتركة مع الجزائر في 2011، بعد تردي الأوضاع الأمنية في ليبيا. فتح الحدود البرية أمام حركة البضائع ثم المسافرين، واستئناف الرحلات الجوية مع الجزائر، وبحث إمكانية فتح خط بحري أيضا مع طرابلس، إحدى الوعود التي حصل عليها الدبيبة خلال لقائه بالمسؤولين الجزائريين وعلى رأسهم الرئيس عبد المجيد تبون. فخلال السنوات العشر الأخيرة أوقفت أغلب الخطوط الجوية العالمية نشاطها بليبيا كما أغلقت عدة دول مجالها الجوي أمام الطائرات الليبية، بسبب الوضع الأمني. وفي نهاية مارس/آذار 2015 استأنفت الخطوط الجوية الليبية نشاطها نحو الجزائر قبل أن يتم وقفه مطلع 2016، إذ أن الهاجس الأمني كان دوما مطروحا منذ 2011. إحدى الملفات الأخرى المهمة التي ركز الدبيبة عليها، خلال الزيارة، يتمثل في التعاون في مجال الطاقة، حيث دعا لتعميقه، "بتفعيل اتفاقيات إنتاج ونقل الطاقة الكهربائية". وأشاد الدبيبة بالطاقم الجزائري الذي دعم الشركة العامة للكهرباء في أعمال صيانة وتشغيل محطة الخمس الاستعجالية. وتعاني ليبيا من أزمة حادة في الكهرباء تسببت في وقوع احتجاجات حاشدة صيف 2020، دفعت حكومة الوفاق للاستنجاد بشركة سونالغاز الجزائرية لإصلاح أعطاب في محطة الخُمس (غرب)، كما يبحث البلدان إمكانية تصدير الجزائر الكهرباء نحو ليبيا. التعاون في المجال الطبي أيضا كان إحدى الملفات التي حملها الدبيبة إلى الجزائر، بالنظر إلى هشاشة هذا القطاع في البلاد، سواء خلال نظام معمر القذافي (1969-2011) وازداد سوءا بسبب ظروف الحرب، ومغادرة الكثير من الكوادر الأجنبية للبلاد. وفي هذا الصدد تحدث تبون، عن "إمكانية التعاون في المجال الصحي، ودعم كوادره (في ليبيا) بعناصر طبية وطبية مساعدة متخصصة". وخلال زيارة الدبيبة لمنتدى الأعمال الجزائري الليبي، رفقة رئيس الحكومة الجزائري عبد العزيز جراد، كشف ممثل لشركة "صيدال" المتخصصة في الصناعات الصيدلانية، عن توقيعهم اتفاقات لتصدير أدوية إلى ليبيا. على الصعيد السياسي، تركزت المباحثات حول تقديم الجزائر لليبيا الدعم الفني لمساعدة وزارة الداخلية في تعزيز خطة تأمين العملية الانتخابية المقررة في 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل. كما أن المصالحة بين الليبيين، الذي التزمت حكومة الوحدة بتحقيقه، إحدى المواضيع التي دار حولها النقاش، واعتبر الدبيبة أن "الجزائر مؤهلة لدعم وقيادة المصالحة في بلاده". من جهة أخرى، كان مطلب الجزائر الأساسي من الوفد الحكومة الليبي، التعاون في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، حيث تنشط مجموعات إرهابية على الحدود الطويلة بين البلدين (قرابة ألف كلم)، وتنظيمات متخصصة في تهريب الأسلحة والمخدرات. إيطاليا.. الهجرة غير الشرعية وإعادة الإعمار تمثل إيطاليا أهمية كبيرة بالنسبة لحكومة الوحدة الوطنية، حيث أنها تعتبر أكبر مستثمر في قطاع النفط والغاز بليبيا وأكبر مستورد له، والمستعمر التاريخي للبلاد، فضلا عن قرب شواطئها من البلاد. لذلك اكتسبت زيارة الدبيبة إلى روما أهمية خاصة لجس نبض توجهات الحكومة الإيطالية الجديدة بقيادة ماريو دراغي، الذي تولى رئاسة الوزراء في فبراير/شباط الماضي. حيث كانت إيطاليا في غالب الفترات أقرب للغرب الليبي منها إلى حفتر، وبقيت سفارتها في طرابلس مفتوحة حتى في أحلك الظروف. وركز الدبيبة، خلال الزيارة، على ملفات إعادة الإعمار، والتعاون الاقتصادي خارج قطاع المحروقات، وفتح أجواء الطيران الأوروبي من وإلى ليبيا. بينما كان الاهتمام الإيطالي منصبا على الجوانب السياسية أكثر من الاقتصادية، حيث أكد دراغي، بحسب البيان المشترك، على موقف بلاده بضرورة "إبعاد المرتزقة وكافة القوات الأجنبية" من ليبيا. ودعا إلى "هيكلية مؤسساتية على أسس دستورية للوصول لعملية مصالحة وطنية قبل نهاية العام"، في إشارة إلى العملية الانتخابية التي يتم التحضير لها في ليبيا، والقاعدة الدستورية التي ستجرى عليها هذه الانتخابات. إلا أن الملف الأكثر أهمية بالنسبة لإيطاليا، الهجرة غير النظامية، حيث أعرب دراغي عن استعداد بلاده "تمويل عمليات إعادة (المهاجرين) إلى الوطن والإجلاء الطوعي من ليبيا". ** فرنسا.. برلين2 المحطة الثالثة في جولة الدبيبة كانت إلى فرنسا، التي تمثل ثقلا في الملف الليبي باعتبارها أكبر الداعمين الأوروبيين لحفتر، وتترأس حاليا مجلس الأمن الدولي، كما تنسق مع ألمانيا لعقد مؤتمر برلين. لذلك فإن هذه الزيارة كانت سياسية بامتياز على عكس زيارتي الجزائر وإيطاليا، اللتين غلب عليهما الطابع الاقتصادي. فالدبيبة، سعى لتأكيد شرعيته كرئيس حكومة لكامل ليبيا، ومحاولة قصر التعامل الفرنسي مع السلطة التنفيذية الجديدة، دون سواها، مع احترام السيادة الليبية، حيث سبق لباريس أن نسقت مع حفتر في قضايا أمنية، ودعمته دبلوماسيا وعسكريا، لكنها اليوم يمكنها أن تستغل نفوذها على مليشيات حفتر لإخراج المرتزقة الروس والأفارقة، والمساهمة في توحيد الجيش. وفي هذا الصدد، شدد الدبيبة في تصريح صحفي من باريس، على "دور فرنسا المهم في تعزيز الشرعية السياسية في ليبيا، وأهمية استمرار هذا الدور في مساندتها لبسط السيادة الوطنية، وإخراج المرتزقة، وتوحيد المؤسسة العسكرية". وحصل الدبيبة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، على التزام بدعم "حكومة الوحدة الوطنية في الجانب الأمني، وأيضاً تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار.. والعمل معها لبناء جيش موحد". كما وعد ماكرون الدبيبة، بدعم حكومته "لتأمين الحدود البرية والبحرية، وسنتعاون مع الدول الإفريقية المجاورة لتحقيق ذلك". ومسألة الحدود الجنوبية لليبيا أكثر ما يهم فرنسا المتواجدة بقوات برخان في منطقة الساحل، والتي استخدمها مؤخرا متمردون تشاديون للهجوم على شمالي وغربي تشاد، وتسبب ذلك في مقتل الرئيس إدريس ديبي، وتولي مجلس عسكري السلطة، ما أدى إلى زعزعة استقرار البلاد، وانعكس ذلك على المنطقة، بعد أن تلاه انقلاب ثان في مالي. ويمكن القول أن الدبيبة نجح في الحصول على دعم واضح من ثلاث دول قوية في المنطقة، في مواجهة مناورات حفتر العسكرية، وما يشكله ذلك من تهديدات جدية لشرعية الحكومة وسيادتها على كامل التراب الليبي، فضلا عن رغبة البلاد في الانطلاق سريعا في إعادة الإعمار، وحل المشكلات المستعجلة في قطاعي الكهرباء والصحة. الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.

مشاركة :