شكلت جمهورية أوكرانيا ثاني أهم جمهورية بعد روسيا الاتحادية أيام الاتحاد السوفيتي السابق من حيث الإمكانات المادية والاقتصادية والتكنولوجية وحتى البشرية وهي إحدى الجمهوريات السوفيتية السابقة التي لها مندوب في منظمة الأمم المتحدة إلى جانب المندوب السوفيتي خلال الفترة السوفيتية، كما أنها تملك الكوادر العلمية المؤهلة تدير المصانع الكبيرة التي يعتمد عليها الاتحاد السوفيتي اعتمادا كبيرا ومنها المصانع العسكرية، ولذلك كان من المفترض أن تكون من أوائل الجمهوريات السوفيتية السابقة التي تتجاوز تداعيات انهيار الاتحاد السوفيتي وفترة المرحلة الانتقالية التي أعقبت الخروج من الاتحاد، ولكن الذي حدث عكس ذلك تماما فأوكرانيا لا تزال تعيش حالة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي وصراع شرس على السلطة بين مختلف التيارات السياسية يدفع ثمنه الشعب الأوكراني المغلوب على أمره. أوكرانيا لا تزال منقسمة على نفسها شرق البلاد المؤيد لروسيا والذي يصر على إقامة علاقة متميزة وتنسيق وتكامل مع روسيا وغرب البلاد الذي يسيطر عليه القوميون والشوفينيون يريد الخروج من تحت المظلة الروسية وتقوية العلاقات مع الغرب والانضمام إلى حلف الناتو، وهذه النزعة كانت موجودة حتى أيام الاتحاد السوفيتي ولكن بدرجة أقل بسبب الصرامة التي كانت تتعامل القيادة السوفيتية مع مثل هذه النزعات، ولذلك بمجرد انهيار الاتحاد السوفيتي ظهرت بشكل علني ومؤثر في الأقاليم الغربية لهذه الجمهورية السوفيتية السابقة. رغم تعاقب العديد من الرؤساء على القيادة بدءا من يانوكوفيتش ولوكاشينكو الذي قاد الثورة البرتقالية مرورا بوروشينكو ووصولا إلى الرئيس الحالي فلاديمير زيلينسكي فإن أي من هؤلاء لم يستطيع حل أزمة هذه الانقسام والنتيجة كانت إعلانا إقليميا دونيسك ولوجانسك جمهوريتين مستقلتين لم يعترف بها أحد وهما أهم إقليمين في الجمهورية، حيث توجد فيها 75% من موارد البلاد الأمر الذي أدى إلى تدخل المجتمع الدولي لمساعدة أوكرانيا على حل هذه الأزمة أزمة إقليم الدنباس فعقدت عدة اجتماعات انتهت بإبرام اتفاقية بين الحكومة المركزية في كييف وقادة إقليمي دونيسك والدنباس في عاصمة بيلاروسيا مينسك في عام 2015 سميت باتفاقية مينسك 2 بعد فشل الاتفاقية الأولى التي وقعت في مينسك أيضا عام 2014 هذه الاتفاقية التي وقع عليها كل من الرئيس الروسي والرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية والرئيس الأوكراني وأقرها رئيسا جمهوريتي دونيتسك ولوجانسك الشعبيتين. وتضمنت الاتفاقية 13 بندا لتكون خارطة طريق لحل أزمة الدنباس تبدأ بوقف إطلاق النار وتسليم الانفصاليين الأسلحة الثقيلة من الخطوط الأمامية تحت إشراف منظمة الأمن والتعاون الأوروبية ، وتبادل الأسرى بين الانفصاليين والقوات النظامية الأوكرانية والتمهيد لانتخابات محلية مع العفو عن العسكريين والمقاتلين الانفصاليين وضمان تسليم المساعدات الإنسانية بشكل آمن والعمل على إعادة الاندماج الوطني والاقتصادي والاجتماعي بين جميع الفئات في البلاد خاصة في المناطق التي يسيطر عليها الانفصاليون. وتعهدت أوكرانيا بإجراء تعديلات دستورية تنص على «اللامركزية» في مقابل سحب جميع «التشكيلات المسلحة الأجنبية» واستعادة النظام الأوكراني السيطرة على الحدود. إلا أن هذه الاتفاقية لم يتم الالتزام بها وكان مصيرها مصير الاتفاقية الأولى ما أدى إلى العودة إلى المربع الأول. وبناء عليه فإننا نعتقد أن السبيل الوحيد للخروج من هذه الأزمة وإعادة الأمن والاستقرار إلى هذه المنطقة الغنية التي تعاني من صراع مسلح منذ أكثر من سبع سنوات راح ضحيتها الآلاف من العسكريين والمدنيين ودمار للبنية التحتية هو العودة إلى اتفاقية مينسك 2 التي وقعت عليها جميع الأطراف بضمان أوروبي روسي أما استمرار الوضع كما هو عليه بين هدنة واشتباك من حين إلى آخر فلن يزيد الوضع إلا تعقيدا قد يؤدي إلى طلب جمهوريتي دونيتسك ولوجانسك الانضمام إلى روسيا وبذلك تخسر أوكرانيا جزءا مهما وغنيا من أراضيها فهل تستوعب أوكرانيا دروس شبه جزيرة القرم؟.
مشاركة :