لعنة «سربرينيتشا» تلاحق «جزار البلقان» مدى الحياة

  • 6/10/2021
  • 02:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

بعد مرور 26 عاما تقريبا على الإبادة الجماعية في «سريبرينيتسا»، ها هي محكمة جرائم الحرب التابعة للأمم المتحدة تصدر حكمها النهائي، الثلاثاء، على أحد الجناة الرئيسيين المفترضين، وهو الجنرال السابق من صرب البوسنة راتكو ملاديتش، «جزار البلقان» لتلاحقه لعنة المذبحة مدى الحياة.أيدت محكمة جرائم الحرب التابعة للأمم المتحدة في قرار نهائي الحكم بالسجن مدى الحياة على الجنرال الصربي السابق راتكو ملاديتش 78 عاما، بتهمة الإبادة الجماعية في سربرينيتشا.وتحت قيادة ملاديتش، اجتاحت القوات الصربية منطقة سريبرينيتسا في 1995 وقتلت بعد ذلك أكثر من ثمانية آلاف رجل وصبي مسلم بوسني.ومع تفكك يوغوسلافيا الذي بدأ عام 1991 وحصل بشكل نهائي عام 1992، نشبت العديد من الحروب التي سميت باسم «حروب البلقان»، والتي خرج منها رجل مثل راتكو ملاديتش الذي لقب بـ«جزار البلقان».اختلاف عرقيوقد كان أكبر وأقوى أطراف هذه الحروب هي صربيا، باعتبارها الدولة الكبرى التي اعتقدت أنها تستطيع أن تفرض سيطرتها على بقية الجمهوريات المختلفة عرقيا معها.وخلال هذه الحرب البشعة كان المسلمون البوشناق (البوسنيون) أبرز ضحاياها، فلم يكن لهم تكتل سياسي قوي مثل الصرب أو الكروات على سبيل المثال، وعندما أرادوا أن يؤسسوا دولتهم الموجودة أصلا منذ القِدَم رفض الصرب.في البداية دخل الصرب حربا مفتوحة مع الكروات، لكنهم كانوا مسلحين جيدا واستطاعوا أن يوازنوا الحرب مع الصرب، خلال كل هذه الحروب كان الصرب يتحركون وفق إستراتيجيتهم باستعادة «صربيا الكبرى»، والتي هي عمليا خليفة جمهورية يوغوسلافيا.لكن سلوبودان ميلوسوفيتش الذي كان قائدا للصرب وكذلك مبشرا بفكرة «صربيا الكبرى».وفشلت محاولات «صربيا الكبرى»، وتمت محاكمة سلوبودان ميلوسيفيتش نفسه من قبل المحكمة الدولية في لاهاي، ووجد ميتا في زنزانته عام 2001، لكن في طريق محاكمته ارتكب الصرب بقيادته مجازر بشرية، كان أبرزها تلك التي قادها راتكو ملاديتش.بداية ملاديتشفي يوغوسلافيا السابقة كان المواطنون جميعا يحظون بظروف متقاربة، ورغم أن مؤسس يوغوسلافيا جوزيف بروز تيتو كان كرواتيا فإن الدولة ظلت واحدة تحت ظلال الشيوعية، وما إن توفي تيتو عام 1980 حتى بدأت الدولة التي أسسها في التفكك، وكان الصرب هم الأقوى في هذه المعادلة.تاريخيا كان الصرب قوة كبرى في منطقة البلقان قبل أن يقضي عليهم العثمانيون في سلسلة من المعارك، وهو ما ظهر في خطبة سلوبودان ميلوسيفيتش عام 1989 بمناسبة مرور 600 عام على الحرب بين الصرب والأتراك.وفي يوغوسلافيا الشيوعية كان ملاديتش قد تخرج في الأكاديمية العسكرية للمشاة في بلغراد، عاصمة صربيا، ثم دخل كلية أركان الحرب، وأصبح ضابطا بالجيش اليوغوسلافي.ومع صعود أسهم الصرب بعد انهيار يوغوسلافيا عام 1992، صعد نجمه أيضا باعتباره قائدا صربيا يسعى مع القادة الصرب الآخرين لتأسيس «صربيا الكبرى»، وقد كان راتكو ملاديتش قائدا عسكريا ميدانيا يقود المعارك على الأرض بنفسه.ومع بدايات الحرب الصربية على كرواتيا عام 1991، خدم ملاديتش في منطقة واقعة قرب غرب كرواتيا، التي أعلنت استقلالها فبدأت معها الحرب، وكانت أبرز أفعاله في هذه الحرب هي قصف المدن الكرواتية بالدبابات، كما ارتكب مذابح بحق السكان أيضا.فضيحة للإنسانيةوفي شهر أبريل 1992، تم تعيينه قائدا للجيش الثاني في سراييفو عاصمة البوسنة، وفي البوسنة قاد حصارا على العاصمة سراييفو استمر 1425 يومًا، أي قرابة 4 سنوات، ليصبح بذلك أطول حصار في تاريخ أوروبا الحديث.وكأن المجازر التي ارتكبها بحق الكرواتيين، ثم حصاره الخانق على العاصمة البوسنية أهلاه ليتقدم في الجيش الصربي أكثر، فقد تم تعيينه قائدا لما أطلق عليه «جيش صرب البوسنة»، فقد كان ملاديتش صربيا من ناحية العرق، لكنه وُلد كذلك في العاصمة البوسنية سراييفو.وهكذا مع تطور الأحداث صار قائدا لجيش صرب البوسنة، ليرتكب أثناء قيادته تلك القوات مجازر عديدة ممنهجة، ففي العاصمة البوسنية سراييفو كان هناك قناصة يحوطون بعض الأماكن ليقتلوا المدنيين، كما قصف العاصمة بالقنابل والصواريخ، ما أسفر عن مقتل حوالي 10 آلاف شخص مدني منهم 1601 طفل قتلوا وهم يلعبون فقط أمام بيوتهم وفي مدارسهم، وبالإجمال شملت جرائم ملاديتش ضد المسلمين البوسنيين نحو 15 بلدة، لكن أبرز تلك المجازر وأبشعها كانت مذبحة سربرنيتسا.الجيب المعزولمع تطورات الحرب صارت منطقة سربرنيتسا جيبا معزولا عن الأراضي التي يسيطر عليها الصرب، ولأنها معزولة من مناطق سيطرة الصرب توافد عليها البوسنيون من جميع الأراضي، وهكذا تكدست المدينة بالنازحين من مناطقهم المدمرة.حاصر الصرب سربرنيتسا من جميع الجهات، ومع الحصار قل الغذاء والتموين والماء والمواد الطبية اللازمة.وفي شهر أبريل 1993 تدخلت الأمم المتحدة حين أعلنت سربرنيتسا منطقة آمنة تابعة للأمم المتحدة، وأرسلت قوات دولية للحفاظ عليها منطقة آمنة، وطلبت الأمم المتحدة من المتطوعين البوسنيين تسليم سلاحهم، لتتوقف الهجمات الصربية، لكن الحصار ظل مطبقا عليهم.وأغلق الصرب المنفذ الوحيد الذي كان يدخل للبوسنيين منه الطعام والماء والمواد الطبية اللازمة، وفي عام 1995 قاد هجوما دمويا على المدنيين البوسنيين العُزّل، بعدما دخلها قبيل ساعات مع كاميرات الإعلام يطمئن المدنيين البوسنيين، وما إن خرج الإعلاميون حتى بدأت الخطة الصربية لإبادة البوسنيين المسلمين.بدأت القوات الصربية بقصف سربرنيتسا بالمدفعية والصواريخ الثقيلة على مدى 5 أيام.قتل واغتصابفي اليوم السادس نقل الصرب النساء البوسنيات إلى منطقة أخرى، ثم جمعوا الصبيان من عمر 14 والرجال ما فوق السبعين، جمعوهم «للتحقيق معهم في جرائم حرب». لكن الحقيقة أنهم أخذوا الرجال ليقتلوهم، بينما اغتصبوا عددا كبيرا من النساء من ضمنهن عجائز فوق السبعين، كما بقروا بطون الحوامل وقتلوا الرضع وغيرها من الفظائع.وهذه المذبحة الأسوأ في التاريخ الحديث، بل في التاريخ الإنساني، وقد كان إجمالي ضحاياها 8372 دفنوا جميعا في مقابر جماعية. أما عن قوات حفظ السلام الهولندية فقد هاجمتها القوات الصربية قبل ارتكاب المذبحة، واحتجزت 30 جنديا هولنديا، وعندما طلبت الكتيبة الهولندية الدعم من حلف الناتو قصفت طائرات الناتو دبابات صربية، لكن الصرب هددوا بقتل الجنود الهولنديين الثلاثين المحتجزين، فتوقفت الضربات الجوية، وتسلم راتكو ملاديتش جميع مراكز مراقبة وحواجز حراسة قوات حفظ السلام من القوات الهولندية، وهكذا بعدما جعلت الأمم المتحدة المتطوعين البوسنيين يسلمون سلاحهم تركتهم يواجهون المذبحة الجماعية الصربية.بل إن البوسنيين قد ذهبوا بالآلاف إلى قاعدة الأمم المتحدة ليحتموا بها، فسلمهم الجنود الهولنديون للقوات الصربية.

مشاركة :