من المفارقات العجيبة أن المشعوذين والدجالين يتفوقون على الأطباء والاستشاريين في الثراء والشهرة.. وهذا الوضع حيرني طويلا حتى تأكد لي أن الاطباء الحقيقيين يفتقدون مزايا يعتمد عليها المشعوذون ومن يدعون اكتشاف علاجات خارقة (عجز عنها الشرق والغرب)! فالطبيب الحقيقي مثلا يفتقد الهالة الإعلامية والسمعة المدوية لأي طبيب شعبي أو مدع شرعي.. وهذه الهالة مهمة جدا لغسل مخ المريض مسبقا والاستفادة من التأثير الوهمي (او البلاسيبو) في علاجه. فحين تدوّي شهرة احد الأطباء الشعبيين (ويروج عنه الإعلام حكايات خارقة) يتضخم التأثير الوهمي في رأس المريض ويصبح مهيأ للشفاء حتى قبل الجلوس في حضرته! .. أيضا من المزايا التي يتفوق فيها الدجال على الطبيب استغلال العامل النفسي لأقصى حد (ومعروف دور هذا العامل في تدعيم الجهاز المناعي).. فهو يبالغ و"يضرب في العالي" لإقناع المريض بأنه المخرج الوحيد لمشكلته.. فكل مريض يطرق بابه مصاب بأمراض خطيرة لافكاك منها كالسرطان والكبد والجرب وتسوس العظام ووو.. وحتى إذا ما بلغ الخوف مبلغه وظن المريض انه هالك لامحاله أخرج له "صُرة" فيها دواء خارق يشفي من كل الأمراض المستوطنة والمهاجرة وما عجزت عن اكتشافه أوروبا وأميركا!! أما الطبيب المحترم (فمحترم فعلا) ولا يستطيع إخبار المريض بغير الواقع ولا يصف له غير ما يوجد في صيدلية الوزارة .. ولاحظ رحمك الله .. صيدلية الوزارة فقط! ولأن طبيباً بهذه الأخلاق لن يحقق من النجاح ما يحققه عطية الفلاح، أرى ان يخلط بين الحالين ويصبح طبيبا "نصف دجال" لمصلحة الجميع! ولتحقيق هذه المعادلة الصعبة سأدلي بدلوي وانصح كل طبيب محترم يطمع بالكسب السريع بتبني الإجراءات التالية: - استأصل أولاً هذا الورم الحميد المسمى (ضمير)! وتعلم إطلاق الوعود البراقة، وعِد مريضك بنتائج خارقة خلال يومين! أخبره أن مرضه بالغ الخطورة ولكنك بحمد الله توصلت للتركيبة المناسبة. - ادعّ ان زملاءك الأطباء يحقدون عليك، وان المستشفى سيفصلك قريبا بسبب مكائدهم ضدك! - علق خلف كرسيك شتى أنواع الشهادات وخطابات الشكر.. ومن المهم ان تكون "بالانجليزي"! وإن حالفك الحظ وحضرت مؤتمرا عالميا او قابلت شخصيات مشهورة فالتقط صورا معهم وضعها على مكتبك (من الجانب الذي يجلس فيه المرضى). ويا ليت تخبر مريضك أنك كثيرا ما تحلم بأناس صالحين يرشدونك الى كذا وكذا، ويعلمونك هذه الخلطة وتلك اللبخة وكي يساهم في الترويج لك اهمس في أذنه: ليكن هذا سراً بيني وبينك! وحين يسألك المريض عن دواء سمع به او اكتشاف قرأ عنه تصنّع معرفتك به ثم قل ساخرا "يا أخي هذا شيء قديم عندي ما هو أفضل"! ولأن بعض الأطباء كالحلاقين (كلما ذهبت لأحدهم يعيب بمن سبقه) بالغ في هذا الأسلوب لأنه كلما سخرت من بقية الأطباء أوحيت بأنك أفضل منهم! - أوحِ للمريض أنك طبيب وطني مخلص وقل شيئا مثل: رغم أن الأوضاع "زفت" إلا انني رفضت عرضا للعمل في اميركا أو بيع اكتشافي لفرنسا! - تعرّف على الصحفيين المرتزقة واجعل احدهم يفبرك لقاء معك عن آخر إنجازاتك (فما زاد الدجالين شهرة غير كتاباتنا عنهم)! وأخيرا؛ لا تتردد ولا تفقد ثقتك بنفسك كي لاتبدو مهزوزا فتثير شكوك المريض.. ولا تكن كأطباء هذه الأيام فتخبرهم بعدم وجود علاج لهم، أو قرب انتقالهم للآخرة.. انظر للجانب المشرق وأسمع الناس ما يودون سماعه.. والشافي هو الله.. هل مازلت تتساءل؛ لماذا كتبت هذا المقال؟! .. كي تتعرف أنت على خصائص الدجالين وأدعياء الطب.. وأيضا على معدومي الضمير من الأطباء والاستشاريين الرسميين.
مشاركة :