أكد وزير الدفاع الليبي السابق أسامة الجويلي، على أهمية اتفاق الصخيرات بالنسبة لليبيين، لكنه شدد على أن منصب وزير الدفاع لا بد أن يشغله شخص مدني، في المرحلة الجديدة، حتى يكون الجيش تحت «السلطة المدنية». وقال في حوار مع «الشرق الأوسط»، من مقر إقامته في غرب ليبيا، إن طريق النزاع المسلح في البلاد، لن يؤدي إلى حل، مع أنه لفت الانتباه إلى مشكلة المتشددين المسلحين خاصة في مدن درنة وبنغازي وسرت. وقاتل الجويلي ضد قوات معمر القذافي في 2011، وترأس المجلس العسكري لمدينة الزنتان المجاورة لطرابلس، وشغل موقع وزير الدفاع في الحكومة الانتقالية السابقة. وهو محسوب، في الوقت الحالي، على البرلمان المعترف به دوليا، الذي يعقد جلساته في مدينة طبرق شرق البلاد. وقال: «أنا مؤيد للشرعية المنتخبة ممثلة في مجلس النواب». ومن المعروف أن قوات الزنتان خسرت العام الماضي الحرب الطاحنة مع قوات مصراتة (فجر ليبيا)، للسيطرة على مطار العاصمة. وفي ما يخص علاقته حاليا مع «فجر ليبيا» المتمركزة في طرابلس، كشف الجويلي عن لقاءات بين القيادات الميدانية لإيجاد صيغة للتفاهم. وردا على سؤال بشأن موقفه من الجيش بقيادة الفريق أول خليفة حفتر، أوضح الجويلي قائلا إنه يؤيد الجيش بصفته مؤسسة بغض النظر عن وجود الأشخاص، وتوقع أن ينتهي حوار الصخيرات بنتائج إيجابية، وقال إن عددا كبيرا من قادة المجموعات المسلحة لديهم رغبة في تحقيق الاستقرار، وإنهم مستعدون لترك العمل للمؤسسة الرسمية، لكن لديهم شروط بشأن بناء الجيش. وإلى أهم ما جاء في الحوار: * بالنظر إلى محاولات مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، برناردينو ليون، للتوصل لاتفاق، كيف ترى الوضع في ليبيا.. هل يتجه إلى الحل أم إلى مزيد من التعقيد؟ - في الحقيقة، ومما أراه حاليا من جهود دولية ومن أطراف حاضرة في الحوار، يمكن القول إنها تعمل بجدية سواء من خلال الجلسات التي عقدت في نيويورك، أو من خلال اللقاءات الحالية في بلدة الصخيرات. نحن نتوقع أن تكون هناك نتائج إيجابية. هذه أيضا أعتقد أنها توقعات أغلب الشعب الليبي. لا أظن أنه ستكون هناك نتائج سلبية. * لكن هناك تحفظات من قبل بعض نواب طبرق بخصوص شغل رئيس الوزراء في حكومة التوافق موقع القائد الأعلى للقوات المسلحة.. وتحفظات أخرى على مهام مجلس الدولة المقترح.. كيف يمكن التوصل لحل تجاه مثل هذه الإشكاليات؟ - أنت تعرف أنه لا يمكن أن يكون هناك اتفاق مطلق في أي قضية.. دائما الحديث عن الأغلبية، لكن أن يكون هناك اتفاق مطلق بنسبة مائة في المائة، فهذا شيء غير متوقع حدوثه. بالتأكيد هناك نواب لديهم بعض الآراء سواء في مجلس النواب (البرلمان الحالي) أو المؤتمر الوطني (البرلمان السابق).. لكن الغالبية من كل الأطراف تتجه إلى أن مسودة الاتفاق، الذي يرعاه ليون، بصيغتها الأخيرة، مقبولة، وأن كل هذا مجرد مرحلة انتقالية لحين إقرار الدستور. وهذه المدة لا تتجاوز السنة. وبالتالي هي مرحلة انتقالية وليست تفاهمات دائمة. أما بالنسبة لأصوات المعارضة من هنا ومن هناك، فهذا شيء طبيعي، ومن المعتاد أن تكون موجودة في أي مكان. * بالنسبة لهيكلية الجيش الموجودة في الوقت الحالي بقيادة الفريق أول خليفة حفتر.. كيف تنظرون إليها، وهل هي قابلة لإعادة الفك والتركيب وإعادة ترتيب الأوضاع.. أعني هل المرحلة الجديدة تتطلب خروج بعض الشخصيات من المشهد؟ - أعتقد أن أمر بناء الدولة وإعداد هيكلية للجيش أو الشرطة، يجب ألا يرتبط بأشخاص بعينهم، لكن ينبغي أن تكون هناك نظرة واقعية. أعتقد، وهذا ما أراه، وهو ما سبق أن أشرت إليه أيضا، أنه يوجد خطأ في وجود منصبي وزير الدفاع والقائد العام (للقوات المسلحة) لأن المنصبين يتعارضان في هذه الحالة.. أي لا يستقيم الأمر في وجود منصب وزير دفاع ومنصب القائد العام. وبالتالي يجب أن يتم إلغاء أحد المنصبين في المرحلة المقبلة.. إما أن يكون هناك منصب القائد العام أو وزير الدفاع، لكن ما نؤكد عليه هو أن الجيش يجب أن يكون تحت السلطة المدنية. هذا شيء أساسي للحفاظ على الديمقراطية، بغض النظر عن الأشخاص.. الأشخاص موضوع آخر. * هل هناك تجارب عربية كان فيها وزير الدفاع شخصية مدنية؟ - لدينا تونس مثال على ذلك.. وزير الدفاع فيها شخصية مدنية. وما أتحدث عنه يأتي باعتبار أن ليبيا اختارت النهج الديمقراطي المتعارف عليه، وهو النموذج الغربي، وبالتالي المهم أن يكون الجيش تحت رئاسة الحكومة والسلطة المدنية. * ينظر إليك البعض على أنك من مؤيدي الجيش بقيادة الفريق أول خليفة حفتر؟ - نحن نؤيد الجيش كمؤسسة بغض النظر عن وجود الأشخاص. الدولة لا تتوقف على الأشخاص، ولكن على المؤسسات. * هناك إشكالية تتعلق بالمجموعات المسلحة سواء في الوسط أو في الشرق أو الغرب أو الجنوب.. أعني كيف يمكن التعامل مع هذه المجموعات في المرحلة المقبلة.. هل يمكن للاتفاق بين الفرقاء الليبيين أن يجبر هذه المجموعات على تسليم الأسلحة، أم ترى أن هناك متشددين يمكن أن يرفضوا مخرجات الحوار؟ - الغالبية من المجموعات المسلحة، وأنا على دراية تامة بعدد كبير من قادتها، لديهم أهداف وطنية ورغبة صادقة في تحقيق الاستقرار في ليبيا، ولكن لديهم وجهة نظر؛ منها مثلا أنه يجب أن يتم بناء الجيش بضوابط معينة، وهم مستعدون لتفكيك هذه المجموعات وترك الأمور للمؤسسة الرسمية المهنية التي لديها ضوابط، لكن دائما نقول إن هناك فئة قليلة لديها رأي مخالف أو رأي متشدد. وفي النهاية الحكومة هي التي ستقرر كيفية التعامل معها. * أين تتركز المجموعات التي يمكن أن تكون عقبة ويمكن أن تحتاج لوقت طويل من التفاوض والإقناع.. هل في طرابلس أم في مصراتة، أم إنها تتركز في مناطق أخرى؟ - هذه المجموعات ربما جزء في طرابلس وجزء في بنغازي وفي درنة، أما باقي المناطق، فحين يكون الأمر جهويا أو مناطقيا فسيكون من السهل التعامل معها عن طريق التفاهمات. * تقصد أن المشكلة في المجموعات العقائدية؟ - نعم.. * لكن البعض حين ينظر من خارج ليبيا يرى أن المجموعات العقائدية تنصب على فريقين: تنظيم القاعدة، وتنظيم داعش. هل هناك مجموعات أخرى يمكن أن توضحها لنا؟ - هي كلها مجموعات متشابهة.. كل من يتبني المرجعية العقائدية يمكن أن ينحرف بها ويكون فيه شطط. ما واجهناه من تعنت (هو) من أطراف محسوبة على «المؤتمر الوطني»؛ من بينهم الشيخ الصادق الغرياني (مفتي ليبيا)، وهو ليس من «داعش» ولا من المجموعات الأخرى، ولكن كانت آراؤه متشددة ولا تصب في اتجاه المصالحة أو العمل الديمقراطي السلمي. هو يعد من المتشددين رغم أنه عقائديا أو فكريا ليس من تلك المجموعات. * ذكرت بنغازي ودرنة.. درنة معروف أن فيها تنظيم داعش وأيضا بنغازي فيها «أنصار الشريعة»، وهم أيضا متطرفون، كما يقال عنهم، إضافة إلى منطقة سرت.. هذه المناطق الثلاث ينظر إليها بوصفها مناطق صعبة، لكن بالنسبة لطرابلس يقال إن المجموعات المسيطرة هي مجموعات إخوانية بالأساس، وبالتالي البعض قد يعتقد أن التفاوض مع مجموعات طرابلس سيكون أسهل من التفاوض مع مجموعات بنغازي ودرنة وسرت.. ما رأيك؟ - نعم. هذا صحيح. هذا الرأي صحيح تماما.. وأريد أن أضيف نقطة أرى أنها مهمة وتتعلق بالعوامل الخارجية.. هذه العوامل لها بالتأكيد دور كبير في المشهد في ليبيا خاصة دول الجوار التي عليها أن تحسب بدقة أي خطوة تقدم عليها لأنها يمكن أن تؤدي إلى نتائج عكسية. وحسب ما نسمع في التصريحات الرسمية، نعد ما تقوله حتى الآن أمرا جيدا، ومن المهم جدا، بالنسبة لنا، أن تتوافق دول الجوار على وجهة نظر موحدة تجاه الحل في ليبيا وهو دعم الخيار السلمي. * إذن، وفيما يتعلق بطرابلس، ما مطالب هذه المجموعات الإخوانية التي تسيطر عليها، وأين يمكن أن تلتقوا معها في حلول وسط؟ - مطالبها ليست لها حجج قوية، لأنها تعترف بالانتخابات وتعترف بالعملية الديمقراطية. هي فشلت في انتخابات مجلس النواب (في صيف 2014)، وخسرت الفرصة، وبالتالي شنوا العمل العسكري بحجة تصحيح مسار الثورة. هذه كانت الحجة الواهية، ولكن اتضح للجميع أن هذا الكلام مجرد حجج هشة، بينما نحن أمام عملية ديمقراطية وصندوق انتخابات هو الذي يثبت ويفرز من يختاره الشعب. وبالتالي ليس لديهم خيار آخر.. سيكونون في مواجهة الحقيقة. * هل ترى أن هناك فِرَقا في مصراتة، مثل المجلس البلدي للمدينة، تعد أكثر اعتدالا من المجموعات التي تعسكر في طرابلس؟ - بالتأكيد.. هناك تيار واسع من مصراتة، بعد خوض هذه التجربة، وبعد الحرب لمدة سنة، هناك كثير من العقلاء ممن راجعوا أفكارهم وراجعوا توجهاتهم واكتشفوا أن هذا طريق أدى إلى تدمير البلاد، وأن هذا المسار خاطئ، وبالتالي هناك تيار واسع أصبح في اتجاه المصالحة والإصلاح. * وماذا عن الشروط التي يتداولها البعض وتقول إن جلسات البرلمان لا بد أن تنتقل سواء لبنغازي أو طرابلس، وإن الحكومة أيضا لا بد أن تعود لتعقد اجتماعاتها في العاصمة؟ - بالنسبة للحكومة، بالتأكيد يجب أن يكون مقرها في العاصمة، وهذا ليس استثناء، ولكنه مثل بقية الموجود في كل دول العالم، حيث إن العاصمة تكون فيها مقار البعثات الدبلوماسية، وهو شيء متعارف عليه. أما البرلمان فيعقد جلساته في أي مكان يتفق عليه الليبيون. وكل مدن ليبيا سواسية.. لا يهم المكان هنا. * بالنسبة لبعض الخلافات الموجودة في الوقت الحالي، خاصة بين القبائل، هل هناك مشروع ما لعقد مصالحات ولملمة الجراح والإفراج عن بعض القيادات.. هل هذا وارد، وهل يجري النقاش حول مثل هذه النقاط، لأن البعض يخشى من المستقبل؟ - في مدينة الزنتان، على سبيل المثال، وأنا أحد الأشخاص الموجودين فيها، خضنا اتفاقيات واسعة مع عدد من المدن والقبائل الليبية بعد نزاع مسلح، والحمد لله وفقنا إلى مصالحة أدت إلى التهدئة في كل المناطق الغربية، وما زلنا مستمرين في عقد هذه المصالحات، وفي كل يوم نعزز مزيدا من الاستقرار. وهذا السبيل الوحيد أمام الليبيين. والكل متقبل لهذه الإجراءات. * وهل ينتظر التوسع في هذه المصالحات لتشمل مناطق أخرى؟ - بالتأكيد. حين تستقر المنطقة الغربية، سوف تنتقل المصالحات والتهدئة بعد ذلك لمناطق أخرى مثل الجنوب ومثل طرابلس. توجد محاولات لكثير من الأطراف للتهدئة وتحقيق الاستقرار. الليبيون ينظرون لمصلحتهم ويعرفون أن طريق النزاع المسلح طريق فاشل ولن يؤدي إلى حل. * ما شكل علاقتكم اليوم مع قوات «فجر ليبيا» المتمركزة في العاصمة؟ - في الوقت الحالي الأمور هادئة، وتوجد لقاءات بين القيادات الميدانية لإيجاد صيغة للتفاهم، ولمنع اندلاع اشتباكات في العاصمة تؤدي إلى تهجير السكان من المدينة.
مشاركة :