يبدو أن هذه الفترة الصعبة التي يمر بها العالم بسبب هذا الفيروس الخبيث اللعين، ونمر بها نحن بالذات في هذه الجزيرة الحالمة الآمنة، البقعة الصغيرة الكبيرة بقلبها وألقها -البحرين- سوف تترك بصماتها تأريخًا، وتوثيقًا وإبداعًا. إنها فترة طالت أكثر مما كنا نتصورها، لتطبع على أرواحنا بصمات هائلة من الألم والفجيعة التي لن تُمحى آثارها أبدًا على مر الزمن. أصبح العالم مساحةً لا حدود لها من الحزن والفقد بل القلق والرعب عند الكثيرين. هذه الفترة على الرغم من وجعها، أتاحت للمبدعين الفرصة وخاصةً أولئك الذين خضعوا للحجر الصحي، سواء كانوا مصابين أو مخالطين، أن يكتبوا ويكتبوا معاناتهم بشتى وسائل الكتابة الإبداعية. ومن المؤكد أنه سوف يأتي يوم يبزغ فيه أدب الجائحة أو أدب الحجر مثلما رأينا أدب السجون مثلاً. فالحجر معاناته مختلفة عن السجن، وأنا أسميه السجن الوثير، فكل سلب للحرية هو سجن، ولكنه سجن بلا هوية، بلا قضية. عندما نتجوّل في وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة الفيسبوك ومنتديات الواتساب، نلاحظ الكثير من القصائد والنصوص والقصص القصيرة التي تعبر عن هذه الجائحة التي أصبحت تشكل ذعرًا وخاصة بعد تحوّر الفيروس وانتشاره الصاروخي في بلادنا خاصةً. على المستوى الشخصي، كتبتُ قصائد ونصوصا كثيرة منذ بداية هذا الغول تكفي لإصدار ديوان كامل، بل وساهمت في بعض الكتب التي تصدر عن الكورونا بدعوة من بعض المنتديات العربية. كما كتبت خلال الأشهر الأولى من الجائحة رواية اسمها (كان الوقتُ مساءً «حكاية حب في زمن الكورونا») وذلك خلال زمن قياسي، حوالي شهرين، للمشاركة بها في مسابقة الطيب صالح، وانتهيت منها في شهر أكتوبر 2020. وكنتُ فرحًا بهذا السبق الأدبي حسبما اعتقدت حينها، ولكن ما أحاط بنتائج المسابقة من ملابسات كعادة الجوائز العربية، واستحالة تقييم 1762 عملا خلال فترة ثلاثة أشهر بتسعة محكمين فقط حال دون فوزي -ربما- ويبدو أن أسماء الفائزين كانت جاهزة مسبقا، والله أعلم. كنتُ اعتقد حتى قبل فترة قصيرة أنني أول من تناول زمن الكورونا في رواية، لكن الصديق العزيز الدكتور فهد حسين نبهني بأن هناك من سبقني وهو الكاتب البحريني جعفر يعقوب بروايته الموسومة «حارس زهرة الأوركيدا» التي صدرت في 2020 ولم تتح لي فرصة قراءتها بعد، ولكن ربما ما يميز روايتي -بحسب رأي الناقد الدكتور فهد حسين - انها وقفت على البعد النفسي ليس للمصابين فحسب بل أيضًا من حولهم من الأهل والمعارف. روايات كثيرة سوف تصدر قريبًا عن هذه الجائحة منها رواية جديدة للكاتب الجزائري واسيني الأعرج وآخرون بالتأكيد. ربما هذا أول وباء أو جائحة في هذا العالم تحظى بكل هذا الاهتمام من المبدعين بسبب التطور التكنولوجي في مجال الاتصالات وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، من بين أسباب أخرى. أجل... هذا هو الدور الحقيقي للرواية والشعر أيضًا في تأريخ فترة مؤلمة مرت على البشرية ومعاناة الإنسان أمام هذا الطوفان الموجع ليعرف من يأتي بعدنا كيف عشنا وتألمنا وتحدينا وتغلبنا على هذا الفيروس اللعين. حمانا الله وإياكم ووطننا الغالي من كل شر. Alqaed2@gmail.com
مشاركة :