خلال الأتون المشتعل في سوريا لا يحرمنا بشار الأسد من حديثه بين الفينة والأخرى سواء كان حوارا صحفيا أو تليفزيونيا، لا يتورع خلاله عن إلقاء التهم جزافا على أطراف أخرى خارجية ومنها المملكة ليحملها مسؤولية تأجيج الصراع الداخلي بين السوريين. من المعروف أن العزف على وتر «الأطراف الخارجية» هو لحن يعرفه كل طغاة العالم، فمن خلاله يكتسب الطاغية تأييد شعبه ويكسب تعاطفهم. في الحقيقة لا أجد غضاضة في الاعتراف بأن بشار الأسد بارع في فنون الخطابة، بل إنني لا أبالغ إذا قلت إنه يسهل أن يتبادر إلى الذهن عند مشاهدته وهو يتحدث وكأن المرء يشاهد أحد المقاطع الدرامية المؤثرة لأوبرا عايدة، غير أني أقترح عليه أن يضمن في الحوار عدة مقاطع موسيقية درامية مؤثرة، لمزيد من التأثير واجتذاب الجمهور. يجب علينا أن نقر بأن الأزمة السورية بدأت قبل ما يقرب من 40 عاما، منذ اللحظة التي وصل فيها والده حافظ الأسد إلى السلطة، عقب قيامه بانقلاب على دولة السيد صلاح جديد، صاحب الفضل الكبير في ظهور الأسد الأب على الساحة السياسية. قد لا يعرف الكثيرون أن حافظ الأسد فصل من الخدمة العسكرية في مطلع الستينات، وبعد أن وصل حزب البعث إلى السلطة في انقلاب 63، أعاده السيد صلاح جديد وقام بترقيته من رتبة نقيب إلى رتبة لواء دفعة واحدة لثقته المطلقة فيه، غير أن هذه الثقة بدأت تتزعزع بعد نكسة عام 67، وألقت الحكومة السورية باللوم على وزير الدفاع حينها وهو «الأسد» الأب، ونتيجة لذلك قامت الحكومة الشرعية بإقالته، فما كان منه إلا أن انقلب على سيده صلاح جديد، وزج به في غياهب السجن حتى وافته المنية. لقد أسس حافظ الأسد نظاما قمعيا يعتمد على الأجهزة الأمنية وتحول الشعب السوري بأكمله إلى أسير لعائلة الأسد، وقد حذفت كلمة ديموقراطية من القاموس السوري، بل كان مجرد التلفظ بها يعد من الجرائم السياسية التي ينتج عنها أحد الخيارين: إما السجن المؤبد أو الإعدام! وبعد وفاة الأسد الأب واجهت الدولة السورية مشكلة دستورية، فقد كان دستورها ينص على ألا يقل عمر المرشح الرئاسي عن أربعين عاما، وكان عمر الأسد الابن حينذاك 34 عاما فقط، ولكن تم تعديل الدستور له خصيصا له ليكمل الإنجازات العظيمة التي بدأها والده... هذه هي ديموقراطية عائلة الأسد إن لم تكن قد سمعت عنها من قبل. في حالة كونك متابعا لبشار الأسد كممثل مسرحي فإنه لا يسعك إلا التصفيق له على براعته في فن الخطابة، لكن إن كنت تتابع حواره باعتباره حوارا سياسيا، فلن يسعك وقتها إلا الشعور بالغثيان لكثرة التناقضات والأكاذيب الممجوجة التي يتلفظ بها، والتي لن تثير إلا سخرية المشاهد مهما كانت ثقافته، وخاصة عندما يستمع إلى مطالب الأسد التي تنادي بتطبيق بعض القيم السياسية، والتي هو أبعد الناس عن تطبيقها. يلقي بشار باللائمة على المملكة متهما إياها بتأجيج الصراع لقتل الشعب السوري، كما يتهمها بالتدخل في شؤون الدول الأخرى، ويضيف على ذلك بأن المملكة لا تراعي المصالح العربية كونها -على حد قوله- تابعة للغرب، فهل غفل الرئيس عن فتح المملكة أبوابها ومدارسها وجامعاتها لعشرات الآلاف من السوريين الفارين من بطشه وآلة حربه؟ وهل تناسى تدخل سوريا السافر في لبنان؟ بل تدخله هو وحكومته فيمن يترشح لرئاسة البلاد؟ حتى وصل به الأمر إلى ما هو أبعد من ذلك، فقد تورط الرئيس كما هو معروف في اغتيال مسؤولين لبنانيين معروفين لمجرد أنهم كانوا معارضين لتدخله في الشأن اللبناني الداخلي. من ناحية أخرى، هل نسي الأسد وزبانيته موقف الملك فيصل -رحمه الله- عندما أمر بوقف ضخ البترول للغرب كرد قاسٍ على الجسر العسكري الجوي الأمريكي لإسرائيل في حربها مع سوريا ومصر عام 73؟ لماذا يتم تزييف التاريخ بمثل هذه الرعونة والاجتراء؟ ولو أتيح لنا تحليل خطاب هذا الرجل لوجدنا الكثير من التناقضات والحقائق المزيفة التي يثرثر بها هذا الأفعى، ولكن حسبنا أن المساحة لا تكفي لسردها جميعا.. فللحديث بقية.
مشاركة :