تناول أستاذ الفقه المشارك في جامعة الأمير سطام بن عبدالعزيز بالخرج الدكتور أحمد بن عبدالعزيز الشثري، بعض من جوانب حياة الشيخ ناصر أبو حبيب الشثري المستشار في الديوان الملكي، الذي توفي قبل أيام، وكيف كان حاله مع كتاب الله، وورده اليومي، وحاله في السفر. فقال الشيخ أحمد: "مشيت مع الشيخ ناصر أبو حبيب الشثري، مرة على قدميه قاصداً المسجد لصلاة المغرب، وهو يتمتم بتلاوة القرآن، فسألته: يا عم كم تقرأ من القرآن في اليوم؟، قال: لا أنقص في اليوم عن ستة أجزاء أو سبعة أجزاء من القرآن، وهو يقرأ هذا القدر مع كثرة أشغاله، وأعماله، في حين أن أكثرنا يغفل عن أقل من ذلك رغم فراغه وقلة أشغاله." ويقول الدكتور الشثري في رثاء عمه الشيخ العلامة ناصر أبو حبيب الشثري، "الدنيا متاع زائل، وظل قصير، وأمل ممدود، ممزوجة بالبلاء والفتن، والمشقة والعناء، تنقضي سريعاً، لا يُرى الإنسان فيها مخبراً حتى يُرى خبراً من الأخبار، ويوم علينا ويوم لنا ويوم نساء ويوم نسر، والعبد الموفق للإيمان عندما تأتيه منيّته يستريح من نصب الدنيا وعناها وسجنها ونكدها إلى نعيم الآخرة وسعتها، ومن مات نُسي وانقطع عمله وبقي أثره وإحسانه وفضائله وأعماله شاهدة له." ويضيف: قد استخلف اللهُ الناس في الأرض، من مضى منهم خلفه آخرون، يعمرونها بعدهم، جيلاً بعد جيل، متفاوتين في المراتب والدرجات، (وهو الذي جعلكم خلائف في الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما آتاكم..)،(ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون)، والأعمار في هذه الدنيا الفانية لاتقاس بطول المكث والبقاء فيها بل بقدر الأثر فيها، والسعيدُ في الدنيا العاقل الحازم الموفق فيها، من أنعم الله عليه، فأدى حق الله عليه، وسُخِّر لأصحاب الحوائج في الدنيا فوقفوا على بابه فوفقه الله لإعانتهم وإكرامهم وقضاء حوائجهم على يديه، واستشفع به الخلق فأدى زكاة جاهه وماله وإحسانه، وجاد به لنفع الناس، وكان للناس أخاً حبيباً فعطف عليهم ولاطفهم وشاركهم في أفراحهم وواساهم في أحزانهم، وأدخل السرور عليهم وصبر على أذاهم، فأدى شكر الله عليه، وذاق لذة الدنيا، ونال محبة الله، وألفه الخلقُ وأحبوه، وهذه المزايا العزيزة العظيمة لا يوفّق لها إلا من وفقه الله وهم القلة من عباد الله، وحين نقلّب صفحات التاريخ نجد أعلاماً كباراً غُيّبوا في الثرى وما غاب ذكرهم، بل بقيت آثارهم، بل ذكرهم بعد الموت أكثر من ذكر كثير من الأحياء، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، ومن هؤلاء الأخيار المشهود لهم بهذه الخصال العالم العابد السخي الباذل الشهم الوفي كريم السجايا معالي العم الشيخ ناصر بن الشيخ عبدالعزيز أبو حبيب الشثري، رحمه الله رحمة واسعة، الذي وافته المنية يوم الخميس ليلة الجمعة الموافق 29/10/1442هـ، وقد كان ملء السمع والبصر منذ عقود طويلة، رزقه الله القبول ومحبة ولاة أمرنا وعامة الناس فاتحاً بابه ليلاً ونهاراً للسائلين، حليماً، خلوقاً، لطيفاً، سمحاً، طيب المعشر، حسن السريرة، مهيباً، مصلحاً، تربى ونشأ في طاعة الله في بيت علم وكرم وبذل وعطاء، وكان لذلك عظيم الأثر في مسيرة حياته، فعاش سعيداً ومات حميداً، علم بأن الدنيا ظل زائل وعارية مستردة، فعمر أوقاته بالطاعة والذكر يلهج دائماً بذكر الله تعالى يفترُ لسانه، مشيت معه مرة على قدميه قاصداً المسجد لصلاة المغرب، وهو يتمتم بتلاوة القرآن فسألته: يا عم كم تقرأ من القرآن في اليوم؟، قال: لا أنقص في اليوم عن ستة أجزاء أو سبعة أجزاء من القرآن، وهو يقرأ هذا القدر مع كثرة أشغاله، وأعماله، في حين أن أكثرنا يغفل عن أقل من ذلك رغم فراغه وقلة أشغاله: لا تعرضنّ ذكرنا مع ذكرهم ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد وكان العلامه أبو حبيب الشثري، إذا ركب السيارة لا ينشغل بغير تلاوة القرآن، وقد حدثني ابنه الأستاذ فهد بأن الشيخ في أسفاره إذا سافر بالسيارة من الرياض إلى جدة أو الطائف لا يشتغل إلا بتلاوة القرآن طيلة الطريق، بل تشاهده كثيراً في مجلسه يلهج بتلاوة القرآن إذا دعت الحاجة إلى الحديث تحدث وإلا استمر في قراءة القرآن، والشيخ حافظ متقن، وقد صليت كثيراً مع ابنه شيخنا معالي الشيخ سعد الشثري حفظه الله صلاة التراويح، فكان والده معالي الشيخ ناصر هو الذي يفتح عليه ويرد عليه إذا أخطأ، وأما كرم الشيخ وبذله وسخاؤه فقد كان مجبولاً على حب الضيافة والابتهاج باستضافة الناس، وكان يلح على كل من رآه أو سلم عليه في المكتب أو المسجد أو الطريق أن يحل ضيفاً عنده للغداء أو العشاء سواء عرفه أم لم يعرفه، ويرغّبهم عند وداعهم له بأن يتواصلوا معه ويعيدوا الزيارة، وللشيخ مائدة عامرة ممدودة طيلة العام، يجتمع عليها الوزير والمسؤول والغني والفقير والحاضرة والبادية، وقد عُرف عند عامة الناس بأن موعد غداء الشيخ في بيته الساعة الواحدة بعد الظهر، والعشاء بعد صلاة العشاء مباشرة، ويستقبل ضيوفه في قمة التواضع والبساطة، غير مبالٍ في هيئته بمظاهر الفخامة التي يتبجح بها كثير من أهل الثراء، وأكثر من يقصد الشيخ رحمه الله أصحاب الحوائج لطلب شفاعة أو مساعدة ونحو ذلك، وطيلة شهر رمضان المبارك يمتلئ مسجده بالضعفاء والمساكين الذين يفدون إليه من الهجر والمراكز النائية لطلب المساعدة، وقد هيأ لهم مكاناً للإقامة والإفطار والسحور في شهر رمضان ولم يكن يردُّ سائلاً، بل كان العمالة يحرصون على الصلاة مع الشيخ رحمه الله ليحظوا بهديته وعطائه المعهود لكل من سلّم عليه منهم، وإذا وجهت له دعوة لحضور مناسبة أو زواج لا يتوانى في الإجابة قدر الإمكان فيحضر في الليلة الواحدة ثلاث حفلات زواج أو أربع، يسلم عليهم ويبارك ويجلس قليلاً ثم ينصرف، مطبقاً هدي النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (إذا دعاك فأجبه)، وتقف الشفاعة الحسنة للناس وإصلاح ذات البين بينهم في مقدمة سلوكه مرحباً باذلاً في ذلك جاهه ومنصبه، فكان رحمه الله لا يكل ولا يمل من بذل الشفاعة، ولا يرد أحداً طلب منه الشفاعة الحسنة كائناً من كان، فتجد الناس يصطفون في مجلسه جلوساً بقربه، هذا معه خطاب لدائرة أو مديرها، وآخر معه رقم هاتف مسؤول ليهاتفه الشيخ، فكان الشيخ رحمه الله يجيب الجميع، وكثيراً ما كان محبوه يشيرون عليه بأن يخفف عن نفسه عناء هذه الشفاعات خاصة بعد كبره وعنائه من المرض، ولكنه لا يلتفت إلى من يثنيه، ممتثلاً في ذلك قوله تعالى: (من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها..)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (اشفعوا تؤجروا)، فكم رقاب أعتقت من القتل بشفاعته عند أهل المقتول، وكم من شخص استشفع به في حاجة فقضاها بجاهه أو نفسه أو ماله، وكان الشيخ رحمه الله صاحب عقل وثبات وتصبر وأناة وروية ومشورة ورأي سديد، وهذه من أعظم الصفات الإنسانية وأنبل الأخلاق البشرية التي دعا إليها الإسلام، فنال بذلك ثقة ولاة أمر بلادنا المباركة، حتى لقب بمستشار الملوك، ووضع الله له القبول والمحبة في الأرض، وبموته رحمه الله أُقفل باب عظيم من باب المعروف والبر والإحسان: وما كان قيسٌ هُلكُهُ هُلكُ واحدٍ ولكنه بُنيان قوم تهدما. ومما يبعث في النفوس السلوان على فقده، أن الله تعالى أبقى الخير في ذريته فلا يزالون مشهوداً لهم بالعلم والخير والفضل والإحسان، وكذلك الذكر الحسن وثناء الناس على الشيخ رحمه الله، وهذا من علامات التوفيق والمبشرات العاجلة: فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمرٌ ثاني. رحم الله معالي العم الشيخ ناصر ابن الشيخ عبدالعزيز بن محمد الشثري رحمة واسعة، ورفع درجته في المهديين، وأخلفه في عقبه في الغابرين، وأصلح ذريته وبارك فيهم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
مشاركة :