قال الرئيس الأمريكي جو بايدن بمناسبة الذكرى المئوية لمذبحة تولسا العنصرية التي دمرت خلالها حشود من البيض حيًّا يسكنه السود وأبادت قرابة ثلاثمئة منهم: «لا يمكننا أن نختار فقط أن نتعلم ما نريد أن نعرفه وليس ما يجب أن نعرفه. يجب أن نعرف الخير والشر وكل شيء». كان الرئيس بايدن يتحدث عن تلك الجهود التي يبذلها بعض الجمهوريين الذين يقرون قوانين ترمي إلى محو الدروس التي تتعلق بالدور الذي لعبته العنصرية في تشكيل تاريخنا ومؤسساتنا. إنهم يريدون أن يتعلم الطلاب فقط صورة أسطورية وردية للتاريخ الأمريكي. هذه الصورة ببساطة لا تتطابق مع الواقع، كما أنه لا يسمح لنا بتعلم الدروس من إرثنا العنصري». لقد أثار الرئيس جو بايدن نقطة مهمة ويمكن تطبيقها على مجال آخر من تاريخنا- الطريقة التي تعاملنا بها مع الهجرة والمهاجرين. يجب أيضا بهذه الطريقة التعسفية والاستفادة من الدروس التي لا يجب أن نستخلصها منها. يونيو هو شهر تراث المهاجرين، وهو أيضا مناسبة للتفكير في تاريخنا الأمريكي، وهو لعمري أمر معقد يستحق أن يُفهم مع «الخير والشر وكل شيء» لأنه مليء بالتناقضات. يجب أيضا ألا ننسى تمثال الحرية الذي كتبت عليه هذه الكلمات التي تلوح في الأفق: «أعطني جموعك المتعبة، الفقيرة الجماهير المتجمعة التي تتوق إلى تنفس الحرية، القمامة البائسة لشاطئك المزدحم أرسل لي هؤلاء المشردين الذين قذفت بهم العاصفة. أرفع المصباح الخاص بي بجانب الباب الذهبي.» لقد استجاب ملايين الأشخاص من كل ركن من أركان المعمورة لهذه الدعوة وجاؤوا إلى هذا البلد بحثًا عن ملجأ وفرصة. وبالنسبة إلى العديد من المجتمعات، وعلى الرغم من مواجهة المصاعب الأولية، كانت قصتهم الأمريكية رائعة من القبول والتحول في حياتهم. إنها قصة جديرة بالاهتمام والتقدير». يحب جيسي جاكسون أن يقول دائما وبكل شغف إن أمريكا عبارة عن لحاف مرقع من العديد من الأشكال. انظروا إلى الناس الذين يجعلوننا أمة. انظروا إلى ثقافتنا. هل يمكن للمرء أن يتحدث حتى عن الطعام الأمريكي، والأسلوب، والأزياء، والفكاهة، والموسيقى، من دون أن ندرك التأثير العميق للإيطالية، والأيرلندية، الإسكتلندية، والفرنسية، والصينية، واليهودية، والإفريقية، واللاتينية، والعربية، والعديد من العوامل المؤثرة الأخرى؟. ومع ذلك، فقد تعرض الكثير من أفراد هذه الجماعات نفسها للاحتقار واضطروا للنضال في مواجهة التمييز وتركوا بصمات لا تمحى في تحديد ماهية أمريكا وهويتنا كشعب. في الوقت نفسه، يجب أن نعترف بالجانب المظلم من قصتنا وتاريخنا، بل وفكرة أمريكا نفسها والتي ولدت من رحم خطيئتين أصليتين: الإبادة الجماعية والعبودية. منذ اللحظة التي وصل فيها المهاجرون / المستوطنون الأوائل إلى شواطئنا حتى أوائل القرن الماضي، شاركنا في سرقة الأراضي وإبادة السكان الأصليين بوحشية. وعلى مدى قرون، كان الجزء الأكبر من ثروة أمريكا مستمدًا من ثمار عمل العبيد الأفارقة المسخرين للبيض. لقد أدى الإرث الذي خلفته العنصرية إلى مزيد من التشوهات المأساوية في اقتصادنا. على عكس أوروبا، حيث يشكل المهاجرون الجدد الطبقة الدنيا، يأتي المهاجرون في أمريكا إلى بلد به طبقة دنيا موجودة مسبقًا ما يساعدهم على الحراك الاقتصادي والاجتماعي. لكن أشكال العنصرية والتمييز تسببت أيضًا في خسائر فادحة في كل موجة جديدة من المهاجرين. ففي كل عصر، شهدنا في كثير من الأحيان حركات عنيفة للمتعصبين الذين سعوا إلى تعريف أمريكا على أنها ملكهم وحدهم من دون سواهم. هكذا فقد عانى الأيرلنديون والإيطاليون واليهود والقادمون من أوروبا الشرقية والصينيون واليابانيون وغيرهم من التمييز، والقوالب النمطية العنصرية والإقصاء وغيرها من الممارسات الأخرى. من الأهمية بمكان الاعتراف بهذا الأمر حتى نفهم أن التجربة المعاصرة للمهاجرين اللاتينيين والآسيويين والأفارقة والعرب لها ما يضاهيها في تاريخنا الماضي. خلال الاحتفال الذي أقامه الكونجرس الأمريكي قبل عقد من الزمن احتفاء بشهر الهجرة لاحظ أعضاء الكونجرس الذين تحدثوا قبلي بفخر أننا أمة من المهاجرين وشجبوا بشكل مناسب التعصب ضد بعض مجموعات المهاجرين الجدد والجهود المبذولة لاستبعاد بعض فئات المهاجرين الجدد. لقد ندد كل منهم بدوره بهذه السلوكيات ووصفها بأنها «ليست قيمنا» و«لا تتماشى مع تاريخنا كدولة مضيفة». عندما حان دوري للتحدث، اعترضت على بعض هذه التعليقات. صحيح أننا أمة من المهاجرين وصحيح أن الأجيال قد استلهمت من القصيدة الترحيبية المنقوشة على تمثال الحرية. لكنني ذكّرتهم بأننا أيضًا الأمة التي أساءت معاملة السود والأمريكيين الأصليين والتي رفعت شعار «لا حاجة للأيرلنديين للتقدم بطلبات الشغل» وهي أيضا الأمة التي أقرت «قانون إقصاء الآسيويين»، وسرقت ممتلكات الأمريكيين اليابانيين وشنقت الأمريكيين من أصل إيطالي من دون محاكمة واضطهدت اليهود بوصفهم اشتراكيين ومخربين. هذا أيضًا تاريخنا، ويجب أن نعترف به ونستفيد من دروسه الأليمة. هذه هي قصتنا وهذا هو تاريخنا بخيره وشره. إنه تاريخنا الذي يجب أن نعترف به. إذا فشلنا في الاعتراف بالجانب المظلم والدروس المستفادة التي يجب أن نتعلمها فإننا سنكون عرضة لتكرار خطاياه مرة أخرى. في الوقت نفسه، إذا فشلنا في الاعتراف بالجانب الجيد فقد نستسلم لليأس ولا ندرك أنه يمكننا، كما فعلنا في كل عصر، أن ننهض ونتحدى التعصب ونضع مكانًا جديدًا نرحب من خلاله بأولئك الذين يبحثون عن ملجأ وفرصة في أمريكا. { رئيس المعهد العربي الأمريكي
مشاركة :