أمير الشعراء «حيدر العبدالله» يتَّكئ على الوهج الإعلامي

  • 10/7/2015
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

يربط الشاعر السعودي حيدر العبدالله بين الشعر وبين نخيل الأحساء وريفها وجمالها، ويعترف الفائز بلقب “أمير الشعراء” في دورته الأخيرة بفضل البيئة الريفية الأحسائية، التي عجنت روحه الشاعرة بمائها وهوائها وشمسها وترابها. ويؤكد أن الجائزة، التي حصل عليها لم تغيّر من ملامح حيدر العبدالله الداخلية أبداً، فلم تصبغ فؤاده بالفضة، ولم تفرش وجدانه بالمخمل ولا بالحرير. موضحاً أن الذي يتغيَّر في مثل هذه الأحوال هو موقع الشاعر وقيمته عند الآخر وليس عند ذاته، “فالشعراء، كما أحلم، يصنعون الألقاب، ولا يمكن للألقاب أن تصنعهم أبداً”. كما يعتبر الحيدر أن اللحظة الشعرية لم تعد نزارية كما اعتادت أن تكون، معتبراً أن العشق لم يعد وحده إلهاماً كافياً للشعر، وقال “على العشق الآن أن يختلط بالوجود أكثر، وأن يمتزج بعناصر إنسانية أخرى في سبيل إنتاج نص جديد ومغاير، وأما الغزل المحض فقد تحول إلى قبعة عتيقة شربت الشمس ألوانها. ولكن الأنثى تظل بالتأكيد أساسية بالنسبة لأي نص شعري، لأن الأنثى أصل في الكون، وأصل في الكائن، ولأنها هي القصد والقصيدة”. حيدر العبدالله يدين لريف الأحساء بطينة الشعر: إمارة الشعر لم تُغيّر ملامحي.. وما تغيَّر هو نظرة الآخر لي الأحساء ـ مصطفى الشريدة لا بأس بالجوائز.. ولكنها ليست هاجس الشاعر الوحيد القصيدة ليست صنماً ولا ملاكاً، ولا شيطاناً ولا أسطورة لا يمكن لأي أحد أن ينال معشار المجد عبر جائزة أو لقب يربط الشاعر السعودي حيدر العبدالله بين الشعر وبين نخيل الأحساء وريفها وجمالها، ويعترف الفائز بلقب «أمير الشعراء» في دورته الأخيرة بفضل البيئة الريفية الأحسائية، التي عجنت روحه الشاعرة بمائها وهوائها وشمسها وترابها. ويؤكد أن الجائزة، التي حصل عليها لم تغيّر من ملامح حيدر العبدالله الداخلية أبداً، فلم تصبغ فؤاده بالفضة، ولم تفرش وجدانه بالمخمل ولا بالحرير. موضحاً أن الذي يتغيَّر في مثل هذه الأحوال هو موقع الشاعر وقيمته عند الآخر وليس عند ذاته، «فالشعراء، كما أحلم، يصنعون الألقاب، ولا يمكن للألقاب أن تصنعهم أبداً». وفيما يلي نص حوار «الشرق» مع أمير الشعراء حيدر العبدالله: عند الآخر مَنْ هو حيدر قبل إمارة الشعر، ومَنْ هو بعدها؟ - سوف أزعم، أو سوف أتمنى، أن إمارة الشعر، رغم قوة زلزالها، وعمق معناها، لم تغيّر ملامح حيدر العبدالله الداخلية أبداً، فلم تصبغ فؤاده بالفضة، ولم تفرش وجدانه بالمخمل ولا بالحرير، الذي يتغير في مثل هذه الأحوال هو موقع الشاعر وقيمته عند الآخر وليس عند ذاته، فالشعراء، كما أحلم، يصنعون الألقاب، ولا يمكن للألقاب أن تصنعهم أبداً. ولهذا فما رأيك لو لعبنا بالسؤال قليلاً، وقلنا: ما هي الإمارة قبل حيدر، وما هي بعده؟ هكذا سيكون السؤال أكثر تحدياً وأشد إغراءً. سوف أتمنى، ولن أزعم، أنني فعلاً قد خَلَقت لهذا اللقب الكبير بعداً خاصاً وقيمة جديدة. لا بأس بالجوائز كيف تنظر إلى المسابقات الشعرية، التي تزداد يوماً بعد يوم في الوطن العربي؟ - كما هو القول دائماً، لا بأس بالجوائز والمسابقات شريطة ألاَّ تصبح الهاجس الوحيد أو الطموح الأكبر للشاعر. مهمةٌ هي تلك المنصّات، ففي ظل شح القراء الحقيقيين، فضلاً عن القراء بشكل عام، يصبح الشاعر العربي أحوج ما يكون إلى مَنْ يعترف به ويزكي أعماله ويساعد الشارع على التمييز بين القبيح والجميل والأجمل. يمكنني أن أشبّه الجوائز بالمكبرات الصوتية، التي تَلزمنا أحياناً في سبيل إيصال كلماتنا إلى ما وراء الجدران. وهناك فقط تكمن أهمية الجوائز، وأما ما عدا ذلك فليس جوهرياً بالتأكيد، خصوصاً أن الشعر هو في كنهه أقرب إلى الهمس منه إلى الصراخ في المكبرات الصوتية. تُخمة مفرطة بعد حصولك على اللقب في إمارة الشعر، هل تفكر في الدخول في مسابقات أخرى أم ستتفرغ لمشروعك الشعري؟ - كونك أحرزت لقب أمير الشعراء، الذي يُعد بلا جدال الوسام الأهم عربياً، والمنافسة الأكبر فنياً وجماهيرياً، لا يعني ذلك أنك قد حققت المجد كله أو حتى نصفه، ولا يمكن لأي أحد أن ينال معشار المجد والخلود عبر أي جائزة أو لقب، ولكنني أشعر بتخمة مفرطة سوف تبقيني بعيداً عن متناول الجوائز لفترة طويلة قد تمتد حتى النهاية، وقد تنتهي بانطفاء هذا النجم الذي علقه الناس في أهدابهم. تُخمتي هذه يقابلها جوع إبداعي كبير يطاردني ويطالبني بمشروعي الشعري المقبل، الذي سوف أسهر وأسهر معه حتى أعود ذلك الجائع الذي يُتخمُ بأحلامه الليل. وهج إعلامي لا شك أنَّ أمير الشعراء يتَّكئ على الوهج الإعلامي، فهل أضرَّ بك هذا الوهج اجتماعياً، أم تجد أن الحاجة إليه ضروريّة؟ - لقد بذلت جهدي وحاولت بما في وسعي أن أحمي فراشتي الشعرية من الاحتراق بهذا الوهج الحار، وأعتقد أنني نجحت إلى درجة كبيرة في استيعاب ما استطعت من الضغوط الاجتماعية، وتشتيت ما لم أستطع ترويضه منها بما يتوافر لي من رشاقة وانسيابية. ليست النجومية جميلة دائماً، فبإمكانها أن تسلبك كثيراً من خصوصيتك وحريتك، وقد تسرقك من عزلتك التي تحتاج إليها كالماء لكي تستمر في كونك شاعراً جادّاً. المسافة بين الشاعر والناس من الحساسية بمكان، ومن الخطورة بموقع، فمثلما أنه لا ينبغي الانقطاع التام، لا ينبغي الالتصاق التام بالجمهور أيضاً، وكل ذلك من أجل خاطر القصيدة طبعاً. قدرات كيف توفق بين إيمان الشاعر بتجربته، وبين متطلبات البرنامج في فرض كتابة نصوص معينة؟ - بكل صدق، أعتقد أن برنامج أمير الشعراء ليس اختباراً لتجربة الشاعر بقدر ما هو اختبار لموهبته، والفرق شاسع جداً بين التجربة والموهبة. يحاول البرنامج أن يستخرج أفضل ما لديك من قدرات الخلق الشعرية والملكات المسرحية، والذكاء الجماهيري، إذ يضعك تحت ضغوط هائلة وينظر عندئذ إلى أين يمكن لحواسك أن تأخذك وتصل بك. قد يضيّقون عليك الوقت المتاح للكتابة وقد يقلِّصون الطول المسموح للنص، وأحياناً قد يُفرض عليك الموضوع أو القالب الشعري، فضلاً عن التحدي الأكبر المتمثل في إلقاء القصيدة والانصهار داخلها أمام ملايين المشاهدين. الشاعر الأقدر والأكثر عبقرية هو الذي يستطيع أن يزاوج بين كل هذه المعطيات دون أن يخسر لمسته الخاصة، بل وقد يوفق فوق ذلك كله إلى توظيف هذا الضغط وهذه المعطيات الصعبة لصالح التفرد برؤية شعرية نادرة. قلق ما الذي كان يقلقك وأنت تخوض غمار هذه المسابقة، وكيف كنت تتخطى القلق؟ - لم أكن قلقاً بشأن الشعر أبداً، فقد كنت أعلم أني ممسك به جيداً ولم أكن لأسمح له بالإفلات من قبضتي. الذي كان يقلقني حقاً هو إيجاد تلك الصورة الأثيرة، التي سوف تبقى متعلقة بذاكرة المشاهد العربي. تلك الصورة بكل عناصرها وبكامل ألوانها، كانت أكثر ما يقلقني. ريف الأحساء في عبارات موجزة ماذا تقول لكل مَنْ وقف معك من الناس؟ - قبل أي أحد، عليَّ أن أعترف بفضل البيئة الريفية الأحسائية التي عجنت روحي الشاعرة بمائها وهوائها وشمسها وترابها، كما عليَّ بالطبع أن أقبِّل رأسَي والديَّ اللذين تحملا عنادي ومزاجيتي طوال حياتي معهما، وأن أشكر زوجتي الحبيبة التي تحملت غياباتي وشروداتي الطويلة عنها. أشكر لجنة الدعم التي اجتهدت طوال أربعة أشهر لتوفير المساندة الجماهيرية اللازمة للوصول إلى هذا اللقب، التي كانت تعمل برئاسة السيد محمد حسن الحداد وعضوية كل من الشاعر أ. حسن المبارك، وأ. حسين العبيدان، وأ. علي السلطان، والسيد محمد طاهر الحداد، ويعقوب العوفي، والعم حسن العبدالله، والسيد حسن العلي، كما أشكر جميع الأفراد المتطوعين لدعم الحملة وعلى رأسهم الصديق الوفي جداً زكريا العباد. شكراً لأمانة الأحساء على الرعاية المجتمعية، وشكراً لرجال الأعمال الداعمين للحملة، وعلى رأسهم السيد باقر بن عبدالمحسن الحداد. شكراً للجمهور الذي تكبَّد العناء وحضر معي في مسرح شاطئ الراحة. شكراً لكل مَنْ وثق بتجربتي وصوّت لي خلال البرنامج. شكراً للأدب السعودي الذي سمح لي بتمثيله هناك، وشكراً للإعلام السعودي على التغطية المتواصلة، وللشعر العربي، وللجمهور العربي كله أقول: شكراً. طباعة مجموعة هل آن الأوان لطباعة مجموعة شعرية لجمهورك الذي ينتظرك؟ - تبدو الظروف وكأنها مؤاتية للطباعة الآن، وهذا ما سوف أتفرغ للعمل على إنجازه خلال الأشهر القليلة المقبلة، كما سأحاول أن يرافق أي ديوان مطبوع ديوان صوتي يحتوي على مختارات شعرية من الكتاب نفسه، تماشياً مع متطلبات العصر، ولكنني سأتريث قدر الإمكان لكي يخرج أي إصدار بالصورة التي أحب، التي تليق بالجمهور العربي الكبير. تربص يقول محمود درويش: «القصيدة فوق، وفي وسعها أن تعلمني ما تشاءُ». إلى أي حدٍّ تتفق مع درويش في نظرته للإلهام الشعري، هل من الممكن أن يكون الإلهام تحتاً؟ - ليست القصيدة علوية بالضرورة. هي أمامك في كثير من الأحيان، وفي أحيان أخرى تتربص بك خلفك كالظل. باختصار شديد، أنتما تتطاردان، وتسعيان إلى التوحد ببعضكما، ولكن نقطة التوحد تلك مستحيلة، وكل كتاباتنا هي مجرد محاولات للاقتراب من تلك النقطة العصية. ليست القصيدة صنماً ولا ملاكاً، وليست شيطاناً ولا أسطورة، ولذلك لا يمكننا أن نؤلهها كما لا يمكننا أن ندفنها تحتنا ونمشي عليها. القصيدة كائن يعيش معنا ويشاركنا ثيابنا، أو هكذا ينبغي أن يكون. تهمة يقول جاسم الصحيح: «وأنا برغم الأربعين من التشرُّد ما اتَّفقت مع الطريقْ». يُتَّهم الشاعر بأنَّه مهووس بالخروج عن الجادَّة، ما ردك على هذه التهمة؟ - لا يجب أن يتمرد الشاعر على السياق هكذا بمزاجه مع سبق الإصرار والترصد، فقط من أجل أن يصبح مغايراً ولافتاً. قد تلاحظ دقة تعبير الشاعر الأستاذ جاسم الصحيح حين وصف هذا الخروج عن الجادة بالتشرد، لأن التشرد والتيه ليسا إراديين، بل هما مفروضان على كل مَنْ اختاره همه الجمالي ليكون شاعراً أو فناناً، والهم الجمالي هذا يشبهه التشرد أكثر مما يشبهه التمرد، وبين التشرد والتمرد توجد مرحلة وسطى منشودة، ولكنها غير مرئية قد أسميها أنا مرحلة التفرد. عشب يقول نزار قباني: «حين أكون عاشقاً تنفجرُ المياهُ من أصابعي وينبتُ العشبُ على لساني». وماذا عنك يا حيدر؟ - لم تعد اللحظة الشعرية نزارية كما اعتادت أن تكون، ولذلك لم يعد العشق وحده إلهاماً كافياً. على العشق الآن أن يختلط بالوجود أكثر، وأن يمتزج بعناصر إنسانية أخرى في سبيل إنتاج نص جديد ومغاير، وأما الغزل المحض فقد تحول إلى قبعة عتيقة شربت الشمس ألوانها. ولكن الأنثى تظل بالتأكيد أساسية بالنسبة لأي نص شعري، لأن الأنثى أصل في الكون، وأصل في الكائن، ولأنها هي القصد والقصيدة.

مشاركة :