{قميص سياسي} يؤكد أن «يورو 2020» أكثر من مجرد بطولة كروية لأوكرانيا

  • 6/17/2021
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

ينص القانون الرابع من قوانين «الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)» لعام 2020 - 2021 صراحة على أنه: «يجب ألا تحتوي الأدوات الرياضية أو أي شيء يتعلق بالرياضة، على أي شعارات أو بيانات أو صور سياسية أو دينية أو شخصية». في الحقيقة؛ يبدو هذا القانون واضحاً بما فيه الكفاية، فهو ينص صراحة على أنه لا وجود لأي شيء سياسي. لكن على عكس ذلك؛ تحمل كل جوانب اللعبة إشارات سياسية، فـ«دقيقة الصمت» قبل المباريات تكون سياسية، والنزول على الركبة قبل المباريات يحمل إشارة سياسية؛ رغم أنه ليس بالمعنى الذي ينذر بنهاية العالم الماركسي، كما يشير بعض النقاد والمتحدثين الأكثر سخافة! كما أن ارتداء قمصان عليها زهرة الخشخاش يعدّ أمراً سياسياً. وتحدث هذه الأشياء بشكل خاص في البطولات التي تضم المنتخبات الوطنية؛ نظراً لأن الدول سياسية، فكل اختيار للصور يتم من قبل ممثل للدولة هو بالضرورة أمر سياسي، حتى لو كان هذا التسييس يكمن فقط في تجنب الأمور السياسة الأكثر وضوحاً وصراحة، مثل الأعلام والشارات والأطقم الرياضية. ويعكس اللونان الأصفر والأزرق في قميص منتخب أوكرانيا علم البلاد، الذي اشتُق في حد ذاته من ألوان مملكة غاليسيا - فولينيا في القرن الثاني عشر، ويمثل سماء زرقاء فوق حقل للقمح. قد يبدو هذا أمراً جيداً وطبيعياً للغاية، لكن بسبب تلك السهول الخصبة على وجه التحديد كانت أوكرانيا جذابة للغاية للغزاة ومن الصعب للغاية الدفاع عنها. وبسبب المجاعة التي حدثت في عامي 1932 و1933 والتي أدت لوفاة ملايين الأوكرانيين، أصبحت هناك أهمية قصوى لصورة حقل القمح. لكن من الواضح أن «الاتحاد الدولي لكرة القدم» أو «الاتحاد الأوروبي لكرة القدم» لا يستطيعان إصدار تشريعات ضد الفرق التي ترتدي ألواناً لها معنى بالنسبة لهم، لذا؛ فإن القانون الرابع يعترف بصعوبة تعريف مصطلح «سياسي»، ويسرد أمثلة مختلفة لما يمكن حسبانه غير مناسب: إشارات إلى أشخاص، أو أحزاب، أو منظمات، أو مجموعات، أو حكومات، أو أي منظمة تمييزية، أو أي شيء من المحتمل أن تسيء أهدافه أو أفعاله إلى عدد كبير من الأشخاص؛ أو أي عمل أو حدث سياسي محدد. لكن الشيء المفقود بشكل ملحوظ في هذا القانون هو عدم وجود أي إشارة إلى الخريطة، وهو أمر يبدو معقولاً ومنطقياً تماماً، فكيف يمكنك أن تمنع بلداً من إظهار صورة لحدوده؟ لكن المشكلة تكمن في أن الحدود غالباً ما تكون محل نزاع. فالخريطة الموجودة على قميص منتخب أوكرانيا في نهائيات كأس الأمم الأوروبية 2020 تشمل شبه جزيرة القرم، التي ضمتها روسيا عام 2014، ودونباس ولوهانسك، حيث تدور حرب في الوقت الحالي. وقال أندري بافيلكو، رئيس الاتحاد الأوكراني لكرة القدم، إن الهدف هو «إضافة قوة للاعبين؛ لأنهم سيقاتلون من أجل أوكرانيا بأكملها». ورغم أن هذا الأمر يبدو سياسياً واستفزازياً بشكل واضح وعن عمد، فإن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم قد وافق عليه. لكن السؤال المطروح الآن هو: ما البديل؟ فالاتحاد الأوروبي لكرة القدم ليس من صلاحياته وضع تشريعات أو قوانين تتعلق بالحدود الوطنية، كما أنه لو اتخذ قراراً بمنع المنتخب الأوكراني من ارتداء هذا القميص؛ فإن ذلك سينظر إليه على أنه بيان سياسي في حد ذاته؛ رغم أنه لن يكون من المفاجئ أن يضيف الاتحاد الدولي لكرة القدم خلال الفترة المقبلة الخرائط إلى قائمة الرموز المحظورة! وعلاوة على ذلك، هناك عبارات «المجد لأوكرانيا» على مؤخرة العنق، و«المجد للأبطال» بالداخل. من الواضح أن مثل هذه العبارات لا تندرج تحت الحظر المفروض على الشعارات «الاستفزازية أو الساخرة أو التحريضية»، وهي عبارة عن تحية عسكرية رسمية في أوكرانيا. ويعود تاريخ هذه العبارات إلى الحركات القومية الأولى في القرن التاسع عشر وحرب الاستقلال الأوكرانية خلال الفترة بين عامي 1917 و1921. صحيح أن هذه العبارات قد جرى تبنيها من قبل منظمة «القوميين الأوكرانيين» اليمينية المتطرفة، التي ارتكبت فظائع ضد اليهود والبولنديين خلال الحرب العالمية الثانية، لكن هذه العبارات قد استخدمت أيضاً في احتجاجات «الميدان الأوروبي» ضد رئاسة فيكتور يانوكوفيتش المدعومة من الكرملين في 2014. وكان هناك انتقاد لاستخدام هذه الشعارات، ليس فقط من وزارة الخارجية الروسية؛ ولكن أيضاً من الجماعات اليهودية داخل أوكرانيا، وفي النهاية وافق الاتحاد الأوروبي لكرة القدم على استخدام شعار «المجد لأوكرانيا»، لكنه طلب إزالة شعار «المجد للأبطال». لكن هذا الأمر يسلط الضوء مرة أخرى على تعقيد التعريف، حيث يمكن أن تكون للرموز والعبارات معانٍ متعددة، ويمكن أن تتغير تلك المعاني بمرور الوقت. ويمكن أن يكون السياق أيضاً أمراً بالغ الأهمية: عندما نشر المدافع الكرواتي دوماجوي فيدا ومساعد المدير الفني أوجنين فوكوييفيتش، وكلاهما كان يلعب مع دينامو كييف، مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي يحمل شعار «المجد لأوكرانيا» بعد الفوز على روسيا في دور الثمانية لكأس العالم في سوتشي قبل 3 سنوات، كانت الطبيعة الاستفزازية للعبارة أكثر وضوحاً. وحذر الفيفا فيدا، كما قام المنتخب الكرواتي بإقالة فوكوييفيتش من منصبه بعد ذلك بوقت قصير. وبالنظر إلى أن كرة القدم لا يمكنها حتى أن تضع تعريفاً محدداً بشأن لمسات اليد، فمن السخف والغباء أن نتوقع أن تتمكن من إصدار تشريعات بشأن الإشارات الدقيقة للشعارات العسكرية الأوكرانية؛ وهو الأمر الذي قد يكون سبباً في منع أي شعارات من أي نوع. لكن الغضب المثار حول قميص المنتخب الأوكراني يشير إلى حقيقة أخرى؛ هي أن بطولة كأس الأمم الأوروبية 2020 بالنسبة لأوكرانيا هي أكثر بكثير من مجرد بطولة لكرة القدم. فالمدير الفني للمنتخب الأوكراني، أندريه شيفتشينكو، الذي خاض في عام 2012 الانتخابات في حزب «أوكرانيا... للأمام»، وهو الحزب الذي انضم لاحقاً إلى كتلة المعارضة ضد يانوكوفيتش، قلل من أهمية هذه القضية إلى حد كبير، لكن أوكرانيا في حالة حرب الآن. ورغم أن قرعة «يورو 2020» تجعل من غير المرجح أن يلتقي المنتخبان الأوكراني والروسي وجهاً لوجه، فإن هذا المنتخب الأوكراني لديه إحساس واضح بالهدف الذي يسعى لتحقيقه، وفي مثل هذه الظروف تميل الاختلافات الصغيرة التي يمكن أن تقوض الفرق إلى التلاشي. ويجب التأكيد على أن المنتخب الحالي لأوكرانيا أقوى كثيراً من المنتخب الذي خسر جميع المباريات التي خاضها في نهائيات كأس الأمم الأوروبية 2016. قد تكون هناك نقطة ضعف واضحة في مركز حراسة المرمى في ظل وجود أندريه بياتوف، لكن هناك توازن كبير وممتع في خط الوسط، في ظل وجود نجم مانشستر سيتي ألكسندر زينتشينكو، ولاعب أتالانتا رسلان مالينوفسكي، الذي أنهى الموسم بالدوري الإيطالي الممتاز وهو في حالة بدنية وفنية مذهلة، حيث أحرز 6 أهداف وصنع 8 أهداف أخرى في آخر 11 مباراة بالموسم. وقاد شيفتشينكو أوكرانيا إلى الصعود للمجموعة الأولى بدوري الأمم الأوروبية. ومن الواضح أن أوكرانيا - رغم الهزيمة في المباراة الافتتاحية أمام هولندا بهدف قاتل في الدقائق الأخيرة (2 - 3) - لديها آمال حقيقية في الصعود لدور الستة عشر، وربما الذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك. وإذا فعلوا ذلك، فسيكون هناك كثير من الاحتفالات في دونباس ولوهانسك وشبه جزيرة القرم؛ وستكون هناك أوقات يكون فيها حتى لعب كرة القدم أمراً سياسياً!

مشاركة :