نشرت صحيفة لوس أنجلوس تايمز تقريرا مطولا لمراسلتها لورا كنغ في الإسكندرية، حول اللاجئين السوريين في مصر، من خلال قص روايات ست سيدات سوريات هاجرن من سوريا ولجأن إلى الإسكندرية. وتقول كنغ إن غزوة وزوكا وإخلاص ومنى وقمر وفتح كن يعشن حول العاصمة السورية، على بعد أميال من بعضهن، ولكن لم يلتقين إلا بعد مغادرة سوريا هروبا من ويلات الحرب، والتقين في الإسكندرية وأصبحن صديقات حميمات، والآن يحاولن البدء بعمل يكسبن فيه قوت عائلاتهن، فبدأن مشروع إنتاج مأكولات سورية في البيت (ست الشام)، بحيث يقدمن أطباقا سورية معدة بيتيا. ويشير التقرير إلى أن كلا منهن بدأت تعرف مشكلات الأخرى، حيث يتحدثن بشكل غير مباشر عندما يقمن بالعمل من فرم اللحمة إلى خلط التوابل، ويتحدثن عن ظلم أصحاب العقارات، وازدراء الجيران، وهموم انتهاء الإقامة، واضطرار الأزواج للعمل في أعمال يدوية بدل العمل في مهنهم، بالإضافة إلى الحديث عن أطفالهن الذين هجروا مقاعد الدراسة بسبب التعرض للاستقواء. وتبين الصحيفة أن الأولاد يريدون أن يركبوا البحر، فلا أحد توقع أن تكون هذه الأرض الغريبة مكان سكناهم لفترة طويلة. وتقول زوكا إنها ولأول تسعة أشهر كنت أقول لنفسي عندما أستيقظ سأتناول آخر فنجان قهوة في مصر اليوم، ولكن لم أعد أفكر هكذا الآن، أحاول ألا أفعل. وتذكر الكاتبة أن اللاجئين كلهم هربوا من سوريا قبل سنتين أو ثلاث، عندما استمرت الحرب الأهلية وزادت ضراوتها، ووصلت أضرارها لتصيبهم بتدمير بيت أو مقتل أو جرح قريب، أو خوفا من تجنيد ابن. ويلفت التقرير إلى أنه مع خروج حوالي أربعة ملايين سوري، فرارا عبر الشرق الأوسط وأوروبا وأبعد من ذلك، وجدت هؤلاء النسوة مكانا آمنا في هذه المدينة الساحلية، ولكن لكثرة اللاجئين أصبح المكان غير مرحب بهن. مشيرا إلى أنهن يلتزمن بالتقاليد، ويحاولن الانسجام، ويتألمن على ما تركن خلفهن في سوريا. أما أطفالهن فينظرون إلى البحر، ويخططون للهرب على القوارب، ولكن الخطر عظيم والنتيجة ليست أكيدة. وتوضح الصحيفة أن هؤلاء النسوة يقضين نهارهن في شقة مؤلفة من خمس غرف تم تحويلها إلى مطبخ. وكانت مؤسسة خيرية تستخدم الشقة روض أطفال تخدم اللاجئين السوريين، أعطت الشقة للنساء، ودفعت لهن رأسمالا صغيرا ليبدأن مشروعهن. وتشير كنغ إلى أن هؤلاء السيدات يجلسن على قطع كرتون على الأرض، ويعملن بشكل سريع ومنظم، ولكن حتى مع العجلة فإن هناك مراعاة للأخريات، مثل أن تضع إحداهن قشارة البطاطا أو السكين بالقرب ممن تحتاجها، وتصل الطلبات في بعض الأيام إلى مئات الوجبات. لافتة إلى أنهن يضحكن من التجهيزات المطبخية البسيطة التي يعملن بها، فتقول فتح كان عندي عصارة، وتسد زوكا أنفها من الروائح في ممر الشقة، وتذكر رائحة الياسمين في حديقة بيتها، وتقول إن مجرد رائحتها تعد الآن بالنسبة لي رفاهية لا يمكن تخيلها. ويفيد التقرير، الذي ترجمته عربي21، بأن النساء يعانين عند الخروج، فمع أن اللغة هي العربية، إلا أن اللهجة تظهر مباشرة بأنهن غريبات، كما أنهن يعشن في شقق مستأجرة بدلا من العيش في بيوت تملكها عائلاتهن لعدة أجيال. ولأن هناك تكاليف غير متوقعة، فدائما تضطر النساء إلى حساب كل قرش يصرفنه. وتنقل الصحيفة عن أحد صيادي الأسماك في المدينة قوله إن المهربين يعملون على الشواطئ، وأضاف أنه هو نفسه غامر، بالرغم من خطورة ذلك، ونقل مسافرين إلى قارب أكبر لا يبعد كثيرا عن الشاطئ، وأن هناك قوارب أكبر تنقل الركاب إلى سفن تنتظر في المياه الإقليمية. ويقول الصياد للصحيفة إنه إذا نقل عشرة أشخاص من اللاجئين في منتصف الليل قد يحصل على أكثر مما يحصل عليه من الصيد خلال شهر. وأحيانا يطلب من اللاجئين أن يسبحوا إلى قوارب تنتظرهم على بعد مئات الأمتار. مشيرا إلى أنه كثيرا ما انتهت هذه الرحلات الخطيرة بالغرق، وقد فقد 2500 شخص حياتهم في البحر هذا العام، بينما كانوا يحاولون عبور البحر الأبيض المتوسط. وتقول الكاتبة إن طريق هجرة السوريين قد تحول هذا الصيف، حيث أصبحوا يهاجرون عن طريق رحلة بحر قصيرة ولكنها خطيرة، بين تركيا واليونان، ويكملون رحلتهم من اليونان برا إلى أوروبا. مستدركة بأن تجارة تهريب الأشخاص في مصر تبقى مزدهرة. وينوه التقرير إلى أنه في مطعم سوري، لا يبعد كثيرا عن مطبخ السيدات، يحلم العمال الشباب فيه كلهم بالهجرة، ويقول أمير البالغ من العمر 19 عاما: يمكن أن تموت في البحر، ويمكن أن تموت في الحرب، أو تموت هنا كل يوم. وتذكر الصحيفة أن أمير، مثل معظم السوريين، يعمل دون تصريح عمل، وليس له أمل بإكمال دراسته. وكونه ينحدر من أسرة متعلمة، فإنه كان يتوقع أن يدرس في الجامعة، وأن يتزوج وأن يرث بيت أبيه الحجري، ويقول كبقية اللاجئين السوريين: الحياة هنا موت. وتروي كنغ أن غزوة، إحدى مؤسسات المشروع، التي يمكن لها أن تضبط عملية الإنتاج، بارعة في التقليد، وتذكر كيف اتصل بها أحد قيادات الشرطة ليطلب طعاما له ولزملائه، فقالت له: أنا بريئة وأرجو ألا تعتقلني، وضحكت هي وزميلاتها. مشيرة إلى أن غزوة تعاني من صعوبة النوم، وتقلق على أختها التي فقدت زوجها في دمشق، حيث قتلته قوات النظام؛ بحجة أنه تعامل مع الثوار، وتقلق أيضا على المشروع الذي يدر أرباحا قليلة. وينقل التقرير عن قمر (39 عاما) قولها إن المدينة لا تزال تبدو بالنسبة لها مدينة ضخمة جدا، بينما تقوم بإعداد العجين لصنع المعجنات الشامية، وتقول: تظهر الإسكندرية وكأنها أكبر من سوريا، وتتفق معها زميلاتها. موضحا أن قمر تقلق على ابنتها المتزوجة، التي بقيت في سوريا، وتقلق على ابنها الصغير الذي يعاني في المدرسة، وعلى زوجها، الذي يزعجه ما جرى لعائلته. وكان يعمل في تجارة الأنتيك، وحاول العمل في مصر، ولكن ليس لديه تصريح، فحاول عقد شراكة مع مصري، ولكنه وقع ضحية للاحتيال وخسر مبلغا طائلا. وتورد الصحيفة أن عائلة قمر المؤلفة من خمسة أشخاس، تعيش في شقة مكتظة ليست بعيدة عن مكان المشروع، بينما كانت تعيش في بيت واسع في دمشق، ولديها بيت آخر في داريا الواقعة في ريف دمشق. وتقول قمر: لقد دمرت داريا كلها، وليس بيتنا فقط. وتستدرك الكاتبة بأنه بالرغم من أن البحر لا يبعد أكثر من نصف ميل، إلا أن رؤيته أو الإحساس بهوائه غير ممكنين من الشقة؛ بسبب البنايات الكثيرة المرتفعة، ولكن أثر البحر على تفكيرهن موجود، حيث له جاذبية ولكنه مخيف في الوقت ذاته، وعن هذا الشعور تقول قمر: نريد الهرب .. ولكننا نخاف البحر. ويلفت التقرير إلى أن مصر قد رحبت ابتداء باللاجئين السوريين، وكان هناك شعور بالتضامن، خاصة أن الشعبين دخلا في وحدة لم تعش طويلا في الماضي. مشيرا إلى أن القدوم إلى مصر كان سهلا، حيث كان يحتاج الشخص أن يصل إلى بيروت بالسيارة ويأخذ الطائرة من بيروت إلى القاهرة، ويستطيع أن يدخل بجواز سفره. وتستدرك الصحيفة بأن هذه الصورة تغيرت جذريا قبل عامين، عندما أطاح الجيش بالرئيس الإسلامي محمد مرسي، وهو أول زعيم مصري منتخب في انتخابات نزيهة. وخلال أيام تم إرجاع السوريين من المطارات، وأصبح يطلب منهم الحصول على تأشيرة دخول قبل الوصول، وامتلأت البرامج على التلفزيون بالكلام الذي يدعو إلى كراهية السوريين، وأصبحت المضايقات في الشارع تخيف اللاجئ السوري. وتذكر كنغ أن عدد اللاجئين السوريين في مصر قليل، بالمقارنة مع دول جوار سوريا، وتقدره إحصائيات الأمم المتحدة بـ200 ألف لاجئ، وتقول المنظمات غير الحكومية إن الرقم قد يصل إلى ضعف أو ثلاثة أضعاف ذلك. مستدركة بأن هذا العدد بسيط جدا إذا ما قورن بمليوني لاجئ في تركيا، أو في الأردن ولبنان، وهما بلدان أصغر من مصر وإمكانياتهما أقل. ولأن المستقبل لا يبدو واعدا للاجئين السوريين يجد التقرير أن اللاجئين يعدون مصر محطة عبور ؛ إما للانتظار حتى تنتهي الحرب في بلدهم ثم يعودون، أو للانطلاق إلى حياة جديدة في أوروبا. وتكشف الصحيفة عن أنه مع أن أكثر قوارب الهجرة تنطلق من ليبيا المجاورة، إلا أن معظم ركابها من صحراء أفريقيا الجنوبية، ولكن القوارب التي تغادر من مصر في الغالب ما تحمل المهاجرين السوريين. وتفيد الكاتبة بأن الرحلة تكلف حوالي 2500 دولار في قارب عادي وقد يكون غير آمن، أو ستة آلاف دولار على متن قوارب فخمة. لافتة إلى أن اللاجئين يضطرون إلى التعامل مع شبكات من العصابات الإجرامية والانتهازيين والمسؤولين الفاسدين. ويذهب التقرير إلى أن كل لاجئ سوري في الإسكندرية يعرف شخصا غرق في البحر. مبينا أنه قبل عام اتصل محمد عدنان البواب، (40 عاما) ويعمل خياطا، بزوجته ولاء من دمياط، وكان فرحا بأنه ركب على قارب، وأنه سيصل قريبا إلى أوروبا، حيث سيجلب بقية العائلة. وكانت تلك هي المرة الأخيرة التي تحدث فيها مع زوجته. وتنقل الصحيفة عن الشهود قولهم للمنظمة الدولية للهجرة، إن ما حصل هو أن حوالي 500 شخص رفضوا الركوب في قوارب أصغر، كونها تبدو أنها غير آمنة، بالقرب من مالطا، فغضب المهربون وقاموا متعمدين بصدم السفينة التي غرقت، ولم ينج من ركابها سوى 11 شخصا. وبحسب كنغ، فلا تزال زوجة البواب ترفض التصديق بأن زوجها مات، وتقبل بالواقع المرير، وتعيد بناء حياتها على هذا الأساس. وتختم لوس أنجلوس تايمز تقريرها بالإشارة إلى أن آلاء وهي شقيقة ولاء التي تسكن معها لتساعدها هي وطفليها، تقول إن أختها تريد الذهاب إلى إيطاليا للعثور عليه، وتقسم دائما بأنها ستركب قاربا وتسافر إليه، إنها فقدت عقلها ومنطقها، ولا يمكن تركها وحدها. المصدر: لندن عربي21 بلال ياسين
مشاركة :