أسئلة الاستبداد والعدالة في مسرحية نقطة آخر السطر

  • 6/19/2021
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

للنقطة حين تحضر فعلٌ حاسم وهيبة تصل حد الاستبداد وقدرة ناجزة على فعل الإنهاء. والنقطة آخر السطر - بكل صرامتها - هي في الوقت ذاته تنطوي على مرونة قصوى وتدعونا لقتل سطر وإحياء آخر. وتهبنا هذه الضئيلة جداً فرصة أن نبدأ سطراً آخر مختلفاً في ملامحه وتدوين أحداثه وتداعياته وحتى طريقة كتابته. ورغم بساطتها فإنها اختبار صعب ومحك حقيقي لمقدار شجاعتنا وقدرتنا على اختيار الوقت المناسب لوضعها ويعكس مهارة التعاطي مع الحياة بكفاءة. هذه الأجواء التي صدرها عرض (نقطة آخر السطر) للجنة الفنون المسرحية بالطائف بالتعاون مع فرقة الطائف جاءت معالجتها مسرحياً عبر نص لفهد ردة الحارثي وبرؤيتين إخراجيتين لجيلين بين عامي 2009 /2019 ضمن مشروع لطيف لورشة الطائف المسرحية تسمّى بـ(10 سنوات مسرح). وفق مقولة النص التي وردت على لسان شخصية المحقق (عبدالرحمن المالكي): (إن الظروف المختلفة تتطلب استراتيجيات مختلفة) وذلك أثناء محاولاته المستميتة القبض على دليل يدين (المتهم) بدر الغامدي ويبرر شنقه بعد سلسلة طويلة من الاتهامات والمطاردات وفي كل مرة يتم تجريد (المتهم) من ممتلكاته شيئاً فشيئاً عبر سلسلة من الشكوك والتقارير. في هذه الأجواء والاشتغالات استولدت شروط هذه الممارسة المسرحية بظروفها وأزمنتها وتحولاتها المختلفة، حيث سقط خلال 10 سنوات الكثير وشهد العالم العديد من التحولات التي كان المسرح شاهداً عليها. وبناء على تلك المقولة فمساحة ما يمكن قوله بوضوح عام 2019 تختلف كثيراً عما كان في العام 2009 والبوح عبر الباب الموارب بات متاحاً عبر الباب المفتوح وهذا ما شاهدناه في نقطة آخر السطر حيث كانت أكثر تجريداً برؤية عبدالعزيز عسيري حين عرضها الأول وجاءت مستلهمة طقوس مسرح القراءة وتستنجد بلغة الجسد والتصميم الضوئي والجملة الحركية والصمت (كلغة ناطقة) للتعبير عن الفكرة، أما بإخراج عبدالإله ‬فكانت الشخوص ناطقة والحكاية تجسدت بشكل واضح يحيل إلى أحداث معاشة رشحت لدى السحيمي لتكون المشهدية التي تعبر عن فكرة العرض ونصه. تأسست مسرحية نقطة آخر السطر على ديودراما المحقق والمتهم وتدعو ضمنياً للترامي إلى وعي حذر في عالم منطقه القوة وبنيته الثقافية غنية بدلالات الصراع وتغيب فيه القيم والعدالة ويفتقر المنطق. كان المحقق يعلن للمتهم حقيقة مفادها (الساعات الحاسمة تأتي في المستقبل دوماً) أما المتهم فيستميت لإثبات براءته في العودة للبوابة تبعاً لتلك الثقة التي تسكنه في براءته والتي تحول دون شجاعة وضع نقطة آخر السطر. شكّل الباب بكل إحالاته (نقطة عبور لعوالم مشتهاة ومصدر للأمان) إلا أنه هنا يتحول أداة للإدانة وتبرير الاستبداد يختار السحيمي لغايات درامية من الأبواب المتعددة (باب التفتيش في المطارات والإدارات الحكومية والأماكن العامة) فأصبح ثالث الممثلين وكان حاضراً في السياق الدرامي بدلالة معبرة واستمر طوال فترة العرض ماثلاً أمام المشاهدين تدور حوله الأحداث ومنطلقاً لها حتى لحظة وقوف المحقق في منتصفه للنطق بالحكم. يتخلل المشاهد محاولة هرب فاشلة يستطيع المحقق الإطاحة به بعد مطاردة عنيفة تضافر على تجسيدها بصرياً الحركة القوية والصوت والأضواء الصاخبة المتهم لضرورات درامية وحكائية يواجه المأزق ويقابل التحدي - وإن بخوف بالغ - الذي يصنع للحكاية حبلها فيطلب العودة للبوابة. ومن وضع الجثو وبصوت يعلوه الألم والتعب يخاطب المحقق (ما هذه المصيبة؟!! يرددها مرتين قبل أن يردف: (إني أعلن لكم أني خالٍ تماماً من كل ما تبحثون عنه، وأني لا أحمل إلا أفكاري وملابسي، وإني من أجل أن أثبت للعالم أجمع، سأعود للبوابة.. سأعود للبوابة، كي تتأكدوا من كذب هذه الادعاءات وخداعها.. وتضليلها للمجتمع والرأي العام.. في كل مكان وزمان) هنا الذات البريئة تتشبث برغبة دفينة في إثبات براءتها وربما هذا يفسر عودة المتهم للبوابة مرة تلو آخرى. وفي كل مرة تزداد صعوبات المرور وتتعقد مشهدياً تتجسد في المرور الأخير للمتهم من البوابة عبر الضوء الأحمر المسلط على البوابة وحركة الجسد الصعبة وتغير المشي من وضع الوقوف التام إلى المائل والانحناء والتفاف الملابس على الرأس فتتغير الملامح ويتم نزع الملابس بصعوبة بالغة ومع هذا فحبل المشنقة في الانتظار والمحقق عازم على الإدانة كما في قصة الحمل والذئب عند إيسوب تماماً: المحقق: (الساعات الحاسمة تأتي في المستقبل دوماً). المتهم مازال في شك من نوايا وعدوانية المحقق استناداً إلى براءته دون أن يعلم أنه في انتظار جودو: هل سنستمر طويلاً في انتظار ساعات قد تأتي وقد لا تأتي؟!! هنا تمثيل عبر المشهدية المسرحية لعلاقات القوة بين البشر وحتى الكائنات، تجسدها ذاتان واضحتا الدلالة تتفقان على التباين والتضاد فساعات المتهم القادمة التي ينتظرها الإفراج، أما ساعات المحقق فهي: تنفيذ حكم الإعدام. ناصر بن محمد العُمري

مشاركة :