على الرغم من تراجع ثقة المستثمرين بالأسهم الخليجية بعد التقلبات الحادة التي شهدتها أسواق المنطقة خلال الأسابيع القليلة الماضية تأثراً بتقلبات الأسواق العالمية والتراجع الحاد في أسعار النفط، يقف أمام المستثمرين فرصٌ ممكنة لإعادة بناء مراكزهم المالية بعناية وانتقائية استعداداً لارتداد الأسواق المالية مجدداً باتجاه صعودي خلال فترة ما، والخبر السار هنا هو أنه رغم هذه التقلبات الحادة التي سجلتها الأسواق في الأسابيع الماضية إلى أن أساسيات الشركات لا تزال قوية في الواقع ومشجعة نوعاً ما. لقد تأثرت أسواق الأسهم في المنطقة بموجة جماعية من عمليات بيع مكثفة لتصفية المراكز المالية في الأسواق الناشئة مع تواتر الأخبار حول تراجع النمو في الصين وقرب موعد إعلان الفيدرالي الأمريكي رفع أسعار الفائدة، ما أثر سلباً على نفسيات المستثمرين. وبالحديث عن دول مجلس التعاون الخليجي الغنية بالموارد الهيدروكربونية، أصيب المستثمرون بحالة من الهلع بعد تراجع أسعار النفط العالمية بنسبة 50 بالمئة منذ منتصف 2014، ما سيضع ضغطاً على ميزانيات الحكومات. وينبع هذا الخوف لدى المستثمرين من اعتقادهم بأن هناك مشاريع قد يتم تعليقها أو إلغاؤها نتيجة تخفيض الإنفاق، ما سيؤثر على نمو الشركات. ولكن في واقع الأمر فإن معظم الشركات الكبرى الرائدة في المنطقة تتمتع بأساسيات أقوى حالياً مقارنة بما كان عليه الحال خلال الأزمة المالية العالمية في 2008، وتمتلك إمكانات تؤهلها بشكل جيد للتعامل مع أي تباطؤ مالي. وخلال السنوات السبع الماضية، نجحت معظم الشركات في خفض ديونها وتحسين كفاءة عملياتها التشغيلية، كما تمكن العديد منها من تجنيب احتياطيات نقدية كبيرة وبالتالي فهي في وضع يمكنها من الحفاظ على مستوى نفقاتها الرأسمالية لتمويل خطط نموها. وخير مثال على ذلك، شركة الدار العقارية، أكبر مطور عقاري في العاصمة أبو ظبي. كانت الشركة قد اندمجت مع منافستها صروح العقارية في كيان واحد، ما خفض حجم مديونيتها بشكل كبير، حيث انخفض صافي الديون إلى مجموع حقوق المساهمين من 65 بالمئة في عام 2013 إلى 30 بالمئة خلال العام 2014، وتتمتع اليوم بميزانية عمومية قوية ودخل مستقر من أصولها الضخمة من مساحات التجزئة ومحفظتها الفندقية، بالإضافة إلى دخل متقلب نوعاً ما من أعمال تطوير الوحدات السكنية. ومن الملاحظ أن القطاع المصرفي في المنطقة هو الآخر يتمتع بوضع جيد وأساسيات قوية، في ظل ما تتمتع به المصارف من معدلات صحية على صعيد كفاية رأس المال، الأمر الذي يتيح للقطاع مواصلة تمويل نمو الشركات ومشاريع البنية التحتية. ومن الأمثلة على ذلك بنك أبو ظبي التجاري وبنك الخليج الأول، اللذان يتخذان من دولة الإمارات مقراً لهما، حيث يتمتع البنكان حالياً بمعدلات ممتازة لكفاية رأس المال من الشق الأول تبلغ 16%، وهي أعلى بكثير من المتطلبات التنظيمية المنصوص عليها من قبل مصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي والبالغة 12%. كما تتمتع مصارف خليجية أخرى ومنها "مجموعة سامبا المالية" و"البنك الأهلي التجاري" في المملكة، وبنك قطر الوطني (QNB) في قطر، بأساسيات مماثلة في قوتها. وعلاوة على ذلك، قامت المصارف المركزية والجهات الرقابية بوضع معايير صارمة للمؤسسات المالية بخصوص التمويل العقاري. ولم تكن هذه القواعد والمعايير موجودة بنفس القدر والصرامة خلال الأزمة المالية الأخيرة التي ضربت الاقتصاد العالمي. كما أظهرت شركات مثل شركة "المراعي" السعودية الرائدة في مجال إنتاج الألبان ومشتقاتها، وشركة تبريد المناطق "تبريد" في دولة الإمارات، قدرة متميزة على الاستجابة بسرعة لظروف الأعمال المتغيرة من خلال تحسين كفاءة العمليات التشغيلية وإدارة التكاليف. وبعد عمليات البيع المكثفة التي قام بها المستثمرون لتصفية مراكزهم المالية وتراجع الثقة بالأسواق مؤخراً، يجب على المستثمرين البحث عن فرص الاستثمار في الأسهم منخفضة القيمة للشركات التي تتميز بقدرتها على توليد التدفقات النقدية والتي توزع بشكل منتظم أرباحاً نقدية جذابة على المساهمين. ويبلغ متوسط التوزيعات النقدية في أسواق الأسهم الخليجية حالياً حوالي 4.30%، مقارنة مع متوسط الأعوام الماضية الذي بلغ حوالي 3.5%. وهذا المعدل الوسطي يغطي في واقع الأمر مجموعة واسعة من الشركات والقطاعات، فهناك شركات تقدم توزيعات نقدية تصل إلى 7% من رأس مالها. ويمكن للمستثمر أيضاً النظر إلى أسهم الشركات التي لا ترتبط أرباحها بتأثيرات تراجع أسعار النفط، مثل تلك العاملة في قطاعات الضيافة والتجزئة والتي تستفيد من النمو القوي في عدد السياح القادمين إلى دولة الإمارات. مثل هذه الشركات تعتمد في دخلها على إيرادات مراكز التسوق والفنادق، ولكن في ظل الظروف الحالية، من المهم التمييز بين أسهم الشركات الرائدة في إدارة الفنادق ومراكز التسوق وبعض الأسهم الأخرى التي يغلب عليها طابع المضاربة. وبالنظر إلى المستقبل، يبدو بأنه من غير المرجح على المدى القريب أن تعود أسعار النفط إلى مستوياتها المرتفعة عند 100 دولار للبرميل والتي حافظت عليها خلال الفترة من 2011 وحتى منتصف 2014. وبالتالي، من المهم بالنسبة للمستثمرين تكييف استراتيجياتهم الاستثمارية وأن يكونوا أكثر انتقائية في اختيار الأسهم. * المدير التنفيذي لإدارة الأصول في "شركة أبو ظبي للاستثمار"
مشاركة :