كانت زيارة البابا فرنسيس - بابا الكنيسة الكاثوليكية - إلى الولايات المتحدة الأميركية هذا الشهر ناجحة بشكل كبير، خصوصًا إذا قارناها بزيارة سابقة للبابا بنديكتوس السادس عشر عام 2008؛ فقد كان أكثر من مائتي ألف شخص في استقبال البابا فرنسيس، الذي وُصف بأنه البابا الليبرالي، والزعيم الروحي للعالمين الديني والعلماني. وفي تقرير لمجلة «كوارتز» ذكرت الكاتبة أوليفيا غولدهيل أن خطاب البابا الحالي لا يختلف كثيرًا عن خطاب سلفه في المضمون، لكنه حظي بآلة دعائية فعالة؛ لذلك كان عنوان تقرير «كوارتز» هو: «البابا فرنسيس ليس تقدميًا، لكن العلاقات العامة عنده استثنائية». عندما قرأتُ هذا التقرير قارنتُهُ بالعجز الإعلامي لكثير من وسائل الإعلام السعودية في تقديم صورة حقيقية عن السعودية في مواجهة الصورة النمطية في الإعلام الغربي. وبعيدًا عن الإعلام الرسمي الخاضع بعضه لبيروقراطية رتيبة، فإن لدى السعودية إمكانية كبيرة لتغيير هذه الصورة النمطية، وعرض الصورة الحقيقية للسعودية ورؤيتها حول القضايا الدولية بطريقة مقنعة من خلال الدبلوماسية الناعمة لأشخاص ومؤسسات غير حكومية؛ فالدور الذي يقوم به الأمير تركي الفيصل - رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية - على سبيل المثال في جولاته ومحاضراته الخارجية في الشرق والغرب، ومقالاته في عدد من الصحف المحلية والعالمية، لمواجهة الإرهاب المتمثّل في تنظيم داعش (الذي يُطلق عليه الأمير بحق لقب: «فاحش»)، وفي السياسة الإقليمية والدولية، دور مؤثّر وكبير وذو خطاب وحجّة مقنعين، تعجز عن القيام به مؤسسات كاملة، لكنه لا يحظى بالاهتمام والعناية اللائقين بمدى تأثيره في تغيير الصورة النمطية عن السعودية. ومثال آخر على ذلك: تعرّضت السعودية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) لأبشع حملة إعلامية سلبية، في محاولة للنيل من عقيدتها ومؤسساتها، لكن حكمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - رحمه الله - تمكّنت من احتواء هذه الهجمة من خلال المبادرات الدبلوماسية الرسمية، ومن خلال المؤسسات غير الحكومية بشكل أكبر؛ مثل: مركز الحوار الوطني، أو مبادرة الحوار بين أتباع الأديان التي تحوّلت إلى مؤسسة عالمية بعد ذلك، تسهم في توطيد العلاقات الحضارية بين الشرق والغرب، والشمال والجنوب. لم تتوقّف إنجازات الملك عبد الله بن عبد العزيز عند رحيله، بل استمرّت من خلال مؤسسة الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمية للأعمال الإنسانية؛ تلك المؤسسة التي تعمل على نشر القيم النبيلة من تسامحٍ وفضيلة وسلامٍ، وهي القيم التي تعكسها رسالة المؤسسة من تحقيق الغايات والمقاصد النبيلة والإنسانية، والمشاركة في أنشطة العمل الإنساني التي تخدم الدين والبلاد والأمتين العربية والإسلامية والعالم أجمع، وتبذل المؤسسة جهودًا كبيرة في هذا الإطار برئاسة الأمير تركي بن عبد الله بن عبد العزيز الرئيس التنفيذي للمؤسسة. وقد جنت المؤسسة مؤخرًا إحدى ثمار الجهد الدؤوب للملك الراحل في هذا المجال، فنالت تكريم ملك السويد كارل جوستاف السادس عشر - الرئيس الفخري لصندوق التمويل الكشفي العالمي - تقديرًا منه للدعم الكبير الذي قدّمه الملك عبد الله بن عبد العزيز للكشافة، وتأسيسه برنامج «رسل السلام العالمي»؛ بهدف جعل كشافة العالم «رُسُل سلام» فاعلين لتغيير العالم إلى الأفضل، وتقديم رسائل السلام إلى البشرية جمعاء، لكنها للأسف لم تحظَ بالعناية والاهتمام اللائقين بها؛ مما يساهم في مضاعفة الاستفادة من ثمار هذه المؤسسة. كما تحتضن السعودية ملايين العاملين على أراضيها، وهم يمثّلون قوة إعلامية ضخمة إذا تم استخدامهم بشكل حسن من خلال الأنظمة التي تضمن لهم حقوقهم وحياتهم الكريمة، والمعاملة الحسنة التي تليق بهم، وتحول دون وقوعهم ضحية الاستغلال من الآخرين. إن لدى السعودية أدوات كثيرة يمكن تفعيلها والاستفادة منها في الدبلوماسية الناعمة؛ لذا فإن لدى المراقبين ثقة كبيرة في خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله - بأن تشهد هذه الدبلوماسية قفزة نوعية كبيرة في عهده من خلال دعم المبادرات القائمة، وتفعيل المؤسسات غير الحكومية الأخرى للقيام بالأدوار المنوطة بها، وأهمّ من ذلك تأكيد مسيرة الإصلاح التي بدأت تُؤتي ثمارها.
مشاركة :