الذين لا يعرفون أن الدين هو في الأصل مجموعة العبادات والأخلاق، لن يفهموا أو يدركوا المعنى الحقيقي لقيمة ومفهوم كلمة "تكفى" القبلية الأخلاقية. ولن تؤثر فيهم أي "تكفى" مهما حملت من المعاني النبيلة، لأنهم في تلك اللحظة لن يكونوا مصنفين كآدميين أو كبشر أسوياء، يلتقون مع الإنسان في كامل تكوينه الأخلاقي، وسيلتقون حتماً مع حيوانات الغابة بشكل ما. "تكفى" الأخلاقية ذهبت أدراج الرياح في لحظة غياب أخلاقي مشين، كان فيها الجنون ومخدرات الفكر المختل سيدة الموقف، وحين تسقط الأخلاق يسقط نصف الدين، بل لن أبالغ إن ذهبت إلى سقوط مفهوم الديـن بكله، في لحظة تشكل مرتبـكا لاغتراب عميق عن الأخلاق، مـوازية لحالة ذهـنية متدينـة تعتقد بالتطبيق النموذجي لجوهر الدين. ولو توقف هؤلاء القتلة المختلون قليلا أمام نماذج التربية والتوجيه القرآني لاختلفت معايير التناول الفكري للقرآن والحياة والعلاقات الإنسانية، ولتجنبنا مأزق الانتقائية التي دأب على انتهاجها نفر من المسلمين المعقدين، تلبية لحاجات في النفس، كان لها وقتها وخطتها ومنفذوها ومغذوها. لكن ماذا سيصنع أي إرهابي متدين مثلا أمام قول الله تعالى: "ولو كنت فظاًّ غليظ القلب لانفضوا من حولك"، أو ما الذي يمكن أن يقترحه أمام قوله تعالى: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن". وكيف سيجيب حين يستمع إلى قوله تعالى: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين". هذه الآيات القرآنية وغيرها من الآيات في الواقع مدرسة في التربية والتعليم والأخلاق، ونصوص صريحة لا تقبل الجدل أو احتمال التأويل بغير صراحة ما جاء فيها، ولا أظنه من السهل مراوغتها تحت أي ظرف كان، فاشتراط الاستدلال الفقهي من القرآن ومن غير القرآن هو تحقق شرطي (الصحة والصراحة أو الصراحة والصحة)، وهما هنا متحققان بكامل دقتهما وجوهرهما، ومخالفة ذلك لن يندرج سوى تحت باب المغالطات والتخبط الفكري. سقطت "تكفى" على يد هؤلاء الضعفاء فكرا ووعيا بأسس عبقريتها الأخلاقية، وانتصارها على مدار أزمنة على القبح والتقصير وأوقات الضيق، سقطت "تكفى" في لحظة انهيار معرفي وثقافي وأخلاقي تام، فلم تقدس تلك اللحظة نفسا حرم الله قتلها إلا بالحق، ولم تحترم عيد أمة، وما راعت حق دم، وهي التي استطاعت على مدار التاريخ أن تصنع لنفسها قيمة أخلاقية، وثقلا اجتماعيا حافظ على حياة الإنسان وحفظ الشيم، حتى صارت جزءا من الثقل الثقافي لأمة بأكملها. أقول مخدرات الفكر المختل، لأن هذا هو التشبيه الأنسب الذي وجدته مقاربا لوصف حالات الغياب الأخلاقي، في ظل الزعم بالتطبيق العميق للدين وتعاليمه، فالإيمان بمعتقد ما أمر عادي بين البشر، لكن الاعتقاد الخاطئ يظهر لنا كتشويه لا يستوعبه معتنق الاعتقاد نفسه، تسقط معه كل الأخلاقيات، ويصبح التشريع للجريمة باسم الدين نوعا من العبادة يُتقرب بها إلى الله. فكيف ولماذا وصل المستوى الفكري الديني في الوسط الاجتماعي العربي إلى هذه المرتبة المتدنية من الانحطاط؟ والله المستعان يا سعد!!
مشاركة :