الخبرة الروسية الهائلة فى الحرب الإلكترونية تحول دون تصعيد هجوم الرئيس الأمريكى ضد بوتين رغم نصائح فريق بايدن بتضخيم تهديداته الهجمات الإلكترونية على الحكومة والشركات الأمريكية تهدد بحرب سبرانية بين موسكو وواشنطن السياسة مسرح منوعات كبير. على خشبته الدوارة يتغير الأبطال من مشهد إلى مشهد. ينقلب العسر إلى يسر.. والصخر إلى زهر.. والجمر إلى نهر.. والقهر إلى فجر. إنها حكم المصالح. فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة نظم بوتين حملات إلكترونية شرسة ضد بايدن ولدعم ترامب ولكنها لم تفلح. ما أن دخل بايدن البيت الأبيض حتى طلب من آفريل هينز مديرة الاستخبارات الوطنية تحقيقا فيما جرى ولم تمر سوى عدة أسابيع حتى أدانت روسيا فى تقرير نشر علنا. شاركت جهات روسية فى هجمات إلكترونية ضخمة على شركة البرمجيات الأمريكية وسرقت منها بيانات حساسة من أجهزة سولر ويندوز. لكن تلك الإدانة لم تمنع جهات روسية على ما يبدو من هجمات إلكترونية (سبرانية) جديدة ضد شركات أمريكية للغاز والغذاء. على أن الهجمات الأخيرة سبقها تصريحات متبادلة بين بايدن وبوتين لم يصل إليها حكام واشنطن وموسكو من قبل. فى ١٧ مارس الماضى وصف بايدن نظيره الروسى بأنه: «قاتل سيدفع ثمن أعماله» وسحب سفيره من موسكو. رد بوتين عليه: «القاتل من يصف الآخر بذلك» دون أن ينسى التشكيك فى قدراته الصحية بحكم كبر السن. لكن تلك التصريحات التى أعادت إلى الذاكرة سنوات الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى أصيبت مؤخرا بالشلل. بعد ثلاثة شهور بالضبط جلس بايدن وبوتين معا فى فندق على ضفاف بحيرة جنيف يبتسمان للكاميرات وسط دهشة جديدة أصابت العالم وذكرته بالخطوات التى مشاها ترامب فى كوريا الشمالية عابرا حدودها من كوريا الجنوبية بصحبة حاكمها كيم جونج أون. كان لقاء بوتين فى نهاية الرحلة الخارجية الأولى لبايدن. استغرقت الرحلة ثمانية أيام وكانت تهدف إلى إعادة حبال التواصل مع حلفائه القدامى فى أوروبا بعد أن قطعها ترامب بتصريحاته وسياساته إلى جانب الاعتذار عن فضيحة تجسس وكالات الاستخبارات الأمريكية على قادة الدول الأوروبية. كان مخططا أن تكون رحلة هادئة تقتصر على الأصدقاء فقط ولم يكن فى برنامجها ما يشير إلى بوتين من قريب أو بعيد. فى لندن ــ بعد تعزية الملكة فى وفاة زوجها ــ ناقش بايدن مع مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى فرض ضريبة على الشركات العابرة للقارات (مثل أمازون وجوجل ونيتفلكس) التى تلجأ إلى ملاذات آمنة تعفيها من الضرائب واتفق على أن تدفع ١٥ ٪ من أرباحها السنوية وسط ترحيب من الحكومات واستنكار من الشركات. وفى بروكسل شارك فى قمة الدول الأعضاء فى حلف الأطلنطى ملتزما بالمادة الخامسة من ميثاق الحلف وتنص على أن أى اعتداء على دولة من دول الحلف يعد اعتداء على جميع أعضائه بما فى ذلك الهجمات الإلكترونية على البنية التحتية. كان تفعيل المادة الخامسة دليل على استنفار القدرات العسكرية لدول الحلف ضد الصين أما إضافة الهجمات الإلكترونية إلى قائمة التهديدات المشتركة فترجع إلى ما فعلت روسيا فى الخمسة أشهر الأولى لحكم بايدن. فى ٧ مايو الماضى تعرضت شركة كولونيال بابيلاين إلى هجوم إلكترونى أوقف جميع عمليات خطوط الأنابيب وأغلق أكبر شبكة إمدادات للطاقة فى الولايات المتحدة وأدت إلى نقص الوقود فى الساحل الشرقى للبلاد وسرقت بيانات ومعلومات سرية من شبكة كمبيوترات الشركة التى تعرضت لطلب فدية يصل إلى ١٠٠ مليون دولار. وفى ٢ يونيو تعرضت مصانع معالجة اللحوم التابعة لشركة «جى بى إس فودز» البرازيلية (الأكبر فى العالم) إلى هجوم إلكترونى آخر أدى إلى توقف إنتاجها فى شبكة فروعها على الأراضى الأمريكية. حسب مجلة «نيوزويك» الأمريكية: اتهم البيت الأبيض «عصابات روسية تتصرف بموافقة ضمنية من موسكو» بتنفيذ الهجمات والتهديد بمزيد منها إذا لم تسدد الفدية المطلوبة منها والأخطر أنها تفلت من العقاب حسب تقرير المباحث الفيدرالية التى تتبعت الاختراق. غيرت تلك الهجمات من حسابات بايدن بعد أن نصحه مستشاروه بمواجهة بوتين الذى وصفوه بأنه «يتصرف باندفاع معتقدا بأن بايدن ضعيف يسهل التحكم فى قراراته عن بُعد». تقرر أن يلقى بوتين فى نهاية جولته الأوروبية ليوحى إليه بأن العالم الغربى كله معه وأنه يتفاوض باسمه من موقع القوة العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية. حسب نيوزويك أيضا: استعد بايدن كى يصبح أكثر صرامة عندما يجلس أمام بوتين أول مرة وهو رئيس. ومن بين الخطوات التى راجعها هو وفريقه تذكير بوتين بأن الولايات المتحدة لديها قدرات إلكترونية خاصة يمكنها استهداف ثروات بوتين الشخصية فى الخارج. ونصح بايدن بتضخيم تهديداته مؤكدا أنه يتحدث باسم حلفاء الولايات المتحدة أيضا ليدفع بوتين إلى التراجع عن استفزازاته. الهدف كما يقول مسئول أمريكى قريب من بايدن: أن يخرج بوتين ويقول: الأمريكيون فوقنا وتحتنا وحولنا ويحاصروننا ويهددوننا. لكن المشكلة أن بوتين ليس سهلا وهو يجيد اللعب بأساليب غير متوقعة حتى لو كانت كرته ضعيفة إلى جانب أنه يمتلك معلومات دامغة عن الخطط الأمريكية لإزاحته عن السلطة معتبرا أن هجماته الإلكترونية ــ لو صح اتهامه بتدبيرها ــ ردا عليها. وبالقطع سيستخدم بوتين المعلومات التى سربت من الاستخبارات الأمريكية عن تقرير الألف صفحة التى أعدته عن بوتين سياسيا وأمنيا وشخصيا. على أن الموقف الداخلى فى روسيا سيخفف من لهجة بوتين وسيوسع من دائرة تعاونه مع بايدن فى قضايا المناخ ومراقبة التسلح والاستقرار العالمى حسب ما ذكر بايدن فى اتصاله التليفونى مع بوتين فى إبريل الماضى. يعانى الاقتصاد الروسى من حالة ركود زادت من السخط والغضب. لكن بوتين سعى إلى تعزيز مكانته بإبراز دور روسيا فى الشرق الأوسط مستفيدا من الفوضى التى أحدثها ترامب فى الولايات المتحدة وخارجها واستخدم خبرة روسيا فى الحرب الإلكترونية وشن هجمات غير متكافئة ضد خصومه فى أوروبا والولايات المتحدة. حسب نيوزويك: مهمة بايدن لم تكن اختبارا للنوايا ــ يقول مسئولو الإدارة ــ وإنما وقف التصعيد المحفوف بالمخاطر وإعادة روسيا والولايات المتحدة إلى أسس مستقرة. لا يوجد لدى دولتين صواريخ نووية جاهزة للإطلاق أكثر من روسيا والولايات المتحدة. فى عهد ترامب سقطت المعاهدات الرئيسية بين الدولتين وعانت خطوط الاتصال بينهما إلى حالة غير مسبوقة من الإهمال. قبل عشر سنوات بدت الأمور مختلفة كثيرا.. فى مارس ٢٠١١ سافر بايدن إلى موسكو للقاء بوتين الذى تنحى مؤقتا عن منصب الرئيس وكان يحمل لقب رئيس الوزراء.. قال بايدن: إنه كان فى روسيا من أجل تعزيز العلاقات الوثيقة معها بصفته نائب الرئيس.. إنه يريد تشجيع الأعمال التجارية بين الدول لتقوية العلاقات السياسية بينها.. وخلال اجتماعه مع بوتين قال بايدن: إن روسيا لديها أفضل المهندسين فى العالم لديها رأسمال بشرى متميز.. روسيا دولة عظيمة. لكن روسيا الدولة العظيمة لم تتردد فى تصعيد هجماتها الإلكترونية ضد الولايات المتحدة وتلاشت القنوات الدبلوماسية والقنصلية بين الدولتين. والحقيقة أن بايدن ــ باعتراف مسئولين كبار فى إدارته ــ لن يقدر على تصعيد الهجوم ضد بوتين بسبب الخبرة الروسية الهائلة فى الحرب الإلكترونية التى اخترقت شبكات حكومية ومحطات الكهرباء فى الولايات المتحدة. ولو ارتفعت لهجة بايدن فى وجه بوتين فإنه فى النهاية يهدف إلى تخفيف التوترات بينهما لعله يكبح جماح الهجمات السبرانية. شارك فى تأهيل بايدن للقاء وليام بيرنز مدير وكالة الاستخبارات المركزية الذى سبق أن خدم سفيرا لبلاده فى موسكو وعمل مع وزير الخارجية جيمس بيكر أثناء انهيار الاتحاد السوفيتى. ولكن بايدن بحكم خبرته السابقة مؤهل لاحتواء الحرب الباردة مع بوتين بعد أن أمضى عقودا فى مناقشات حول العلاقات الأمريكية الروسية سواء وهو عضو فى مجلس الشيوخ أو وهو نائب للرئيس. حسب السكرتير الصحفى للبيت الأبيض: إن بايدن يستعد للقاء بوتين منذ ٥٠ سنة.
مشاركة :