خواطر في الصحراء

  • 6/22/2021
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

هذه أول رحلة خارج بلاد لبنان وجمهورياته غير المتحدة، وملحقاته غير المتصالحة، منذ أن تفوق للمرة الأولى في التاريخ المدوّن، الوباء الوبائي على الوباء السياسي. ومن مساوئ العادة أنها تبلّدت على كل شيء. ولاحظ جنابك مرة أخرى عبقرية لغتك والتبلُّد، من بلد، سواء كان البلد سويسرا الشرق أو سويسرا الغرب. والفارق بين الاثنين، إن أحدهما دولة فيها بنوك، والثاني بنك فيه دول مفلّسة، يسميه رئيس فرنسا رسمياً: مافيا تحميها ميليشيا. لن أطيل، لأن الموضوع ليس الحصار في بلد الأوبئة، بل الخروج منه. وها أنا، صباح اليوم الأول خارج لبنان، فتحت باب شرفتي الصغيرة فطالعني يقفز نحوي عصفور صغير بألوان السعادة وألحانها. وتحت الشرفة شجرة غاردينيا، زهرها أبيض مثل جبل صنين وأوراقها خضر مثل غابات بالي. وإلى جانب الشجرة الباسطة أغصانها مثل شجر المانغو في كينيا، نخلتان. وبالعلالي. ويا بلحهم بلح. هل عرفت المكان؟ نعم، طبعاً، دبي. لكن الوصول لم يكن سهلاً. قد تقول جنابك، هل من الضروري أن نخرّب هذا المشهد البديع مرفقاً بصوت العصافير التي تريد الدخول إلى غرفتك، غير خائفة من أن تقتلها، أو أن تقرأ عليها الحملات المتبادلة «بين القصرين»، الجمهوري والمحاصر؟ سامحنا. فقط من باب التفاصيل المسندة، ومن باب البهجة الشخصية. تكرّم شاركني بها. فالأمر ما كان سهلاً يا مولاي، والمسألة ليست في مثل هذه البساطة. فهل تعرف كم طابوراً يمر بك أو تمر به؟ وكم بؤساً ستطالع على الوجوه، وكم شتيمة سوف تبلغ مسامعك من نافذة جارك؟ أخيراً شيء واحد يجمع جمهوريات الطوائف: طوابير البنزين. كلما اقتربت من المطار تبدأ معالم الانفراج. يتناقص عدد السيارات. وعندما تبلغ المدخل ترى أن معركة ضارية قامت بين الحمّالين، موضوعها حقيبتك. إلى الأمس لم يكن أحد من أفراد «القوة الزرقا» (غير القوة الأممية) يلتفت إليك مهما توسّلت. فهذه بيروت وهذا «مطارها الدولي». الأفضلية لحملة الجوازات «غطرة وعقال». ويناديهم اللبناني جميعاً «بالشيوخ»، كما تعلم استخدام «عمي» في أبسط الأحوال، و«عمتي» في جميعها، علامة التأدب وحفظ الأصول وانصهار الحضارات. لكن مطار بيروت مهجور الآن. وطائرات «الميدل إيست» تشمس أرزاتها قرب المدارج. والحمّالون لا شيخي ولا عمتي، يتنافسون على حقائب مواطنيهم، أو من استطاع منهم عبور جمهورية الطوابير لكي يصل إلى المشهد الأكثر ألماً. اندفع في اتجاهي عدد من أفراد الفرقة الزرقاء. مستسلمين لواقع الحال. بدل أن يمنّ الله على المسكين «بشيخ» أعطاه «أستاذ». حمل الحقيبة وسألني في شيء من الذل المعهود هذه الأيام: «أي رحلة أستاذ»؟ - كراتشي! إلى اللقاء...

مشاركة :