يسطّح البعض تعريف "الاكتفاء الذاتي"، ويختزلونه إمَّا بالأنانية، وعدم الشعور بالآخر والتفاعل معه، أو بالعزلة، والرغبة بالابتعاد والنأي الدائم البعيد. والأدق، من منظوري الشخصي، أنه حالة التوازن الداخلية التامة، والمعرفة العميقة بالنفس، وتحديد رؤيتها بالحياة، وأهدافها الكبيرة والسعي لها. الذين يصلون لهذه المرحلة، الاكتفاء بالذات، يكونون قد جاؤوا إليها كنتيجة لا كرغبة، بعد عمر من المعارك والتحديات، والأفراح والانكسارات، وخاضوا كل أوجه التعامل مع الآخر. قرروا لاحقًا أن يعيشوا التوازن الذاتي، وألا يرفعوا سقف التوقع من غيرهم، لا غضب بسبب خذلان، ولا احتفاء كبير بالوفاء. العيش على بعد مسافة واحدة من الفرح والغضب، وكل ألوان الشعور.. تفشل الأغلبية في الوصول إلى هذه المرحلة، لأسباب كثيرة ومتشعبة، تصب كلها من شلال فكرة البحث عن الأمان الخارجي، وعدم استيعاب ماهية الأمان الذاتي، والجهل بأن جميع أشكال الشعور هي انعكاس للصراعات الداخلية، وفهمها وتفهمها وإدارتها تعني الاستغناء - شبه الكلي - عن الشعور المستورد، الذي يغذي حالات وقتية، ويتحول تدريجيًا إلى إدمان متنامٍ، يفضي لحالة التوتر والقلق المستمرة! على عكس الفهم السائد، المتمثل في عدم الرغبة بقبول الآخر ومنتجه، يعتبر الانفتاح على الآخر هو أعلى درجات الاكتفاء الذاتي، إلا أن الحصانة الذاتية (الإدراك الكلي بالذات) تحمي من التفاعل العشوائي، وتعمل كفرازة لقبول ما يتقاطع مع طريقة النفس الخاصة، ويساهم في تطويرها وبنائها، بما لا يزعزع الثقة القديمة. أهم ما يمكن الانتباه له مع الوصول إلى الاكتفاء الذاتي، هو القدرة الكبيرة على الاستقلال، سواء في بناء الأفكار، أو كردة فعل على كل ما يحيط، وخلق نمط فكري وسلوكي خاص، يعكس الماهية الشخصية، ويتفاعل بذكاء وفقًا للرغبة الذاتية. وأخيرًا.. "السلام كالحرب. معركة لها جيوش وحشود، وخطط وأهداف، والثقة بالنفس معركة ضد كل مضاعفات الهزيمة". والسلام..
مشاركة :