كما توقع المراقبون القريبون من الشأن الإيراني، فقد وصل قاضي الموت كما يلقب إبراهيم رئيسي إلى سدة الرئاسة بعد هندسة الانتخابات ليكون رئيسًا بلا منافس ومن الجولة الأولى في انتخابات جرت مقاطعتها من قطاعات عريضة من الشعب هناك. لم تفاجئ النتائج أحدًا داخل إيران أو خارجها فقد تم تعبيد وترصيف الطريق أمام رئيسي باستبعاد مجموعة كان يمكن أن تشكل منافسًا له كأحمدي نجاد الابن المخلص للنظام، والذي أقصاه صراع الكراسي والمراسي ومعركة النفوذ. قاضي الموت الذي وصل إلى مقعد الرئيس بطريقة سهلة وميسرة شعر ونظامه بغصة كبيرة للمستوى غير المسبوق لنجاح المقاطعة التي تعبر والتي عكست مدى الاستياء ومدى الرفض لسياسة النظام التي أوصلت مستوى معيشة الأفراد إلى الحضيض ناهيك عن المعاناة الكارثية على كل المستويات الحياتية والمعاشية وحالة القمع التي وصلت ذروتها في السنتين الأخيرتين وشهدت موجات من الاعتقالات والإخفاء القسري والخطف. ونستعير هنا عنوان الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل «إيران فوق بركان» الذي صدر في خمسينات القرن الماضي عن «ثورة مصدق» وتداعياتها، لنصف به الحالة الإيرانية في الحقبة الخامنئية. وحتى الآن البركان الإيراني لم ينفجر لكن ما يمور وما يعتمل داخل وطفحت وظهرت فوق السطح مؤشراته ومنها المقاطعة مثالاً، تعطينا الدليل على أن البركان سيفنجر في النهاية. والهجوم من الداخل علنًا على النظام لم يعد مقتصرًا على مهاجمة الحكومة أو الوزراء والأجهزة الرسمية ولكنه وصل إلى أعتاب الكاهن الأعظم «خامنئي» ولعلكم شاهدتم الفيديو بالصوت والصورة لمن ظهر بهيئة المهدي المنتظر وجاب شوارع العاصمة طهران على ظهر جواده شاهرًا سيفه هاتفًا «الموت للخامنئي»!! وفي هذه الرمزية المصورة أمام العالم رسالة عن مدى استياء الشيعة الإيرانيين من نظام خامنئي معطوفًا على استياء جميع الفئات ومكونات الشعب الإيراني وحتى قطاعاته المختلفة. فذلك الطبيب «قطاع التكنوقراط» الذي اعتلى سور المستشفى الذي يعمل به وهتف مهاجمًا النظام بوجود كاميرات المراسلين حتى تم اعتقاله وهو يقاوم الشرطة السرية الملثمة، هو مؤشر آخر على أن الاحتجاجات لم تعد حبيسة الغرف السرية المغلقة وإنما خرجت إلى الشارع علنًا. لا نريد أن نسترسل في تقديم مشاهد الاحتجاجات العلنية في الشارع الإيراني وهي كثيرة، ولكننا نقرأها في أبعادها الاجتماعية والاقتصادية قبل السياسة فنكتشف أنها تعبير صارخ أمام العالم كله عن تدهور أوضاع الشعب هناك وعن غليانه وثورة الغضب التي تنتظر النظام. ويلاحظ أن الحاكم المطلق الإيراني «خامنئي» اختار مواجهة احتجاجات شعبية على أوضاعهم بالتصعيد في التشدد وإحكام الطوق على رقابهم حد الاختناق بتفضيل واختيار قاضي الموت «إبراهيم» رئيسًا لسدة الرئاسة ليكون «رئيسي» رجله المطيع لإنفاذ وتنفيذ أوامره بحذافيرها وسياسة المواجهة والتصعيد ضد الشعب في كل تفاصيلها. واختيار التصعيد في التشدد والقمع نهجًا وسياسة ضد شعب مقموع حد الموت لأربعين سنة وأكثر، هي سياسة وهو نهج مفتوح على المجهول.
مشاركة :