لم تخب توقّعات نوبل للآداب هذه المرّة؛ إذ لم يخرج الاسم الذي أعلنته رئيسة الأكاديمية السويدية سارا دانيوس، عن قائمة المراهنات التي شغلت الأوساط الأدبية مؤخّراً، معلنةً تتويج كاتبة ظلّ اسمها يُطرح للفوز بالجائزة منذ سنوات، حيث أعلنت أمس فوز البيلاروسية سفيتلانا أليكسيفيتش بجائزة نوبل للآداب للعام 2015 وبذلك تكافئ الأكاديمية صوتاً معارضاً لأحد الأنظمة الديكتاتورية في أوروبا، وكوفئت الكاتبة والصحفية سفيتلانا أليكسيفيتش على أعمالها متعددة الأصوات التي تفند معاناة عصرنا وشجاعته. واستخدمت أليكسيفيتش، البالغة من العمر 67 عاماً، مهاراتها في كتابة تأريخ أدبي للمآسي الكبيرة التي واجهها الاتحاد السوفييتي حتى انهياره، مثل الحرب العالمية الثانية والحرب السوفيتية في أفغانستان وكارثة تشرنوبل النووية، وحالات الانتحار التي نجمت عن نهاية الشيوعية، وفقاً لما ذكرته وكالة الأسوشيتد برس. وكانت الكاتبة البيلاروسية نشرت أول رواية لها عام 1985، معتمدة فيها على روايات لم يسبق سردها لنساء خضن القتال ضد ألمانيا النازية، وقد بيع من هذه الرواية التي حملت عنوان الوجه غير الأنثوي للحرب، أكثر من مليون نسخة، بينما تم توزيع ونشر رواياتها في 19 دولة، وإلى جانب الرواية، وضعت أليكسيفيتش 3 مسرحيات، إضافة إلى سيناريوهات لواحد وعشرين فيلماً وثائقياً، وسفتيلانا أليكسيفيتش هي المرأة الرابعة عشرة التي تمنح جائزة نوبل للآداب منذ العام 1901. وقالت سارا دانيوس لقد تحدثت إليها للتو واكتفت بكلمة واحدة: رائع، وأوضحت دانيوس أنها كاتبة كبيرة طرقت دروباً أدبية جديدة، وأن اختيارها جاء بالنظر إلى كتاباتها متعدّدة الإيقاعات، والتي تُعتبر نصباً تذكارياً للمعاناة والشجاعة في عصرنا، وقالت سفيتلانا أليكسيفيتش الفوز بهذه الجائزة أمر ضخم، معربة عن اعتزازها بالحصول على نوبل للآداب التي كافأت في العام 1958 الروسي بوريس باستيرناك. وكانت أليكسيفيتش من أكثر الكتاب المرشحين للفوز في السنوات الأخيرة، وهي صاحبة مؤلفات مؤثرة حول كارثة تشرنوبل وحرب أفغانستان، تم حظرها في بلادها نتيجة لمواقفها الشهيرة، يذكر أن الكثير من مواطنيها يقرؤون كتبها مع أن النظام يمنع مشاركتها في مناسبات علنية. وأوضحت دانيوس أن سفيتلانا في السنوات الثلاثين إلى الأربعين الأخيرة أجرت نقداً للمجتمع خلال المرحلة السوفيتية وما بعد هذه المرحلة، لكن الأمر لا يتعلق بأحداث بل بمشاعر. وقد صفق الحضور الموجود في الأكاديمية السويدية بحرارة عند إعلان فوزها. ولدت أليكسييفيتش في 31 مايو/أيار 1948 في غرب أوكرانيا في كنف عائلة تعمل في التعليم، عاشت في بيلاروسيا لفترة، حيث درست وأنجزت أبحاثاً عن الصحافة، ثم استقّرت في برلين لسنواتٍ عدّة، قبل أن تعود إلى مينسك عاصمة بيلاروسيا، وتبدأ في إصدار كتبها، وراحت تسجل على جهازها روايات نساء حاربن خلال الحرب العالمية الثانية، واستوحت منها روايتها الأولى الوجه غير الأنثوي للحرب. ومنذ ذلك الحين تستخدم أليكسيفيتش الطريقة نفسها لكتابة رواياتها الوثائقية فتجري مقابلات على مدى سنوات مع أشخاص عاشوا تجربة مؤثرة. وقد حقق لها كتاب نعوش الزنك حول حرب أفغانستان الذي نشر العام 1990 شهرة فورية، كما ترجمت أعمالها التي تستند إلى شهادات كثيرة جمعتها بصبر لا متناه، إلى لغات عدة ونشرت في العالم بأسره، كما حولت بعضها إلى مسرحيات عرضت في فرنسا وألمانيا. وحازت سفيتلانا أليكسيفيتش في العام 2013 على جائزة السلام العريقة في إطار معرض فرانكفورت للكتاب. وبهذا الفوز تخلف البلاروسية سفيتلانا أليكسيفيتش الروائي الفرنسي باتريك موديانو الفائز في العام 2014، وستحصل أيضاً على مكافأة مالية قدرها ثمانية ملايين كورونة سويدية (حوالي 860 ألف يورو). منذ صدور روايتها الأولى الوجه غير الأنثوي للحرب، التي تناولت موضوع الحرب العالمية الثانية، ودور الاتحاد السوفييتي سابقاً فيها، أصبح كلّ كتاب تصدره بمثابة حدث مهم، وتضم الرواية مونولوغات لسيّدات خضن الحرب الثانية؛ إذ تحدّثن عن أحداثها التي لم يتطرّق إليها أحد من قبل. أثار العمل ضجّة كبيرة واحتلّ قائمة الكتب الأكثر انتشاراً، وبسببه، طالت الكاتبة اتّهامات كثيرة من دوائر السلطة، منها معاداة الروح الوطنية غير أنها لقيت دعماً من غورباتشوف رئيس الاتحاد السوفييتي آنذاك. ظلّت ثيمة الحرب ملازمة لكتاباتها، ففي روايتها التالية آخر الشهود، وصفت ذكريات خاصة بالأطفال الذين عاشوا الحرب العالمية الثانية. في عام 1993، نشرت كتاباً بعنوان مأخوذ بالموت تناول قصصاً حقيقية حول محاولات انتحار زمن انهيار الاتحاد السوفييتي، وانهيار القيم الاشتراكية، هذه الشخصيات التي كانت تشعر بعدم القدرة على الانفصال عن القيم الاشتراكية، ولم يكن بمقدورها تقبل النظام الجديد، الذي يدور في إطار العالم الرأسمالي. أمّا كتابها الذي يدور حول كارثة تشرنوبل فيستعرض حيوات الناس في تشرنوبل، بعد هذه الكارثة، وطريقة تكيفهم مع هذا الواقع الجديد، هذا الواقع الذي كان بالنسبة لهم بمثابة حرب عالمية ثالثة. أمّا نهاية الإنسان الأحمر فكان بمثابة خاتمة لسلسلتها التي أسمتها موسوعة الحقبة السوفييتية وثقت فيها سبعة عقود من تاريخ الإمبراطورية الروسية (1917 - 1991)، وحاز العمل على جائزة ميديسيز للدراسات في فرنسا عام 2013، واختارته مجلة لير كأفضل كتاب في تلك السنة. تصدّر اسم أليكسيفيتش قائمة التوقّعات بنيل الجائزة هذا العام، إلى جانب الروائي الياباني هاروكي موراكامي. ضمّت القائمة أيضاً النرويجي نجوجي واثيونغ والأمريكيين جويس كارول، وفيليب روث، والشاعر الكوري الجنوبي كو أون، والنمساوي بيتر هانديك، والإيرلندي جون بانفيل، وظهرت إفريقيا في واجهة الترشيحات مع الكيني نغوغي ثيونغ، والصومالي نورالدين فرح، والنيجيري بن أوكري. (وكالات)
مشاركة :