وضعت ندوة الإعلام العربي في زمن الحرب ضمن مهرجان الإعلام الثاني في الأردن، المختتمة فعالياته أمس الأول الأربعاء، الفضائيات ووسائط الاتصال الإلكترونية في قفص الاتهام حيال التعامل مع الأحداث السياسية والأمنية الراهنة، ورأى متحدثون أن الحيادية منذ اندلاع الربيع العربي أصبحت مفقودة. وأثار معقبون تساؤلات عدة حول معايير الإعلام الحربي، وإشكالية غياب المهنية لمصلحة أطراف على حساب أخرى، وتضليل المتلقي، وتوجيه قنوات إخبارية رسائل تخدم سياسات وأموالاً خاصة، وتراجع دور المحطات الرسمية. عمّان- ماهر عريف: سميح المعايطة، وزير الدولة الأردني الأسبق لشؤون الإعلام والاتصال، رأى أن الفضائيات الإخبارية بعد الربيع العربي، تخلت تماماً عن التمويه وكشفت صراحة عن عدم حياديتها وأظهرت انحيازها لمصلحة معسكر ضد آخر، وخدمتها جهة سياسية محددة. وقال: إن الحديث عن الإعلام المحايد أصبح ضرباً من الأوهام، حتى وسائل الاتصال الرسمية، تتبنى أفكار الحكومة وتروج لها خصوصاً وقت الأزمات والشدائد، بل إن متطلبات المهنية الموضوعية إلى تقلص، وهذا يستدعي مراجعة شاملة للأساسيات التي تنطلق منها الجهات الإعلامية وأهدافها، لاسيما أن المتلقي صار ناقلاً للحدث وقادراً على الفرز، وعدم الاكتفاء بتقبل كل ما يصله. وأضاف: تنطلق الجهة الإعلامية في زمن الحرب من اصطفافها، إلى جانب طرف ضد آخر ، ولا تُقدم عادة الرؤية المغايرة، أما الدول الآمنة التي يحيطها القلق من كل صوب، فيجب عليها التعامل بحنكة مع الإعلام وتوجيهه بطريقة غير مباشرة نحو إعلاء الحس الوطني والحفاظ على الاستقرار ولفظ جميع منابع الفتن والتوتر الداخلي وغلق أبواب الاضطراب. ووجد المعايطة اختلاطاً مغلوطاً صدّرته قنوات إخبارية في توصيف الإرهاب، حسب اصطفافها، بحيث ألقت كل منها بوادر التطرف والحرب المشتعلة على الطرف المقابل، وأسهمت في تمييع المفاهيم، وعلق: إن تنظيم داعش الإرهابي جزء من الأزمة السورية وليس كامل الأزمة، والخطر الأكبر ذهاب قنوات ووسائط إلكترونية الترويج لأخباره من دون فهم وإدراك. المعايطة اعتبر بعض الفضائيات الخاصة حملت شعارات وطنية كبيرة مع إطلاقها عقب الربيع العربي واندلاع حروب ميدانية تحت غايات ومآرب ضالة، واصفاً في المقابل الإعلام الرسمي بأنه مظلوم حين يفتقد التمويل اللازم، وتُلازمه سياسة تحرير مُرتبكة لا تعرف على وجه الوضوح ما يريده المسؤول المُرتجف أساساً في قراراته. طائفية إعلامية اتهم أندريه قصاص المستشار السابق لوزير الإعلام اللبناني، قنوات فضائية تديرها فصائل سياسية بتفاقم الطائفية الإعلامية، وتقسيم الشارع خصوصاً في فترات التوتر الأمني الميداني، وقال: نحن بحاجة ماسة اليوم أكثر من أي وقتٍ مضي إلى استراتيجية إعلامية تكفل الحصول على الحقائق من دون تعريض البلاد للفتن والدمار. واسترسل: لا يوجد مثال للتوحد الإعلامي الإيجابي في زمن الحرب أفضل من الخطاب المتكاتف إبّان العدوان الإسرائيلي على لبنان، وفي المقابل هناك أمثلة كثيرة سلبية للرسائل المُقدّمة في الأزمات، بعدما اخترق الإرهاب وسائل اتصال وتمكّن من طرح رؤاه عبرها، مستغلاً لهثها إلى أسبقية الخبر من دون إدراك الإسهام في تمرير مخاطر مُبطّنة. ورأى قصاص تعميم حكم فشل الإعلام المرئي في التعامل مع التوتر العربي الراهن ليس مُنصفاً، وعقّب: الوضع ليس ميؤوساً منه كما يُصوّره البعض، لكنه في المقابل ليس في حالة جيدة ونحن قادرون على تحقيق توافق عربي بين المعنيين عن الإعلام، يبدأ من أولويات مهمة في الخطاب أبرزها تحديد مسميات مهنية، في مقدمتها العدو الصهيوني الغاشم والتنظيمات الإرهابية، ولابد أن يفتح الإعلام العربي الهواء أمام الشباب للتعبير عن نفسه. وقال المذيع الأردني محمود الحويان: الإعلام العربي المرئي في حالة بائسة اليوم، وفشل في تحديد هويته الوازنة خلال الأحداث الخطرة، وغيّر من مسارات الاتجاه للعدو الحقيقي وبينما جلس الإعلام الرسمي على كرسي خشبي قديم فاقداً للتأثير الفاعل، انساقت القنوات الخاصة خلف متاهات تُحاول تغيير بوصلة الاهتمام وسط الراهن المأساوي إلى أمور سطحية أو تقود الفتن وتؤججها لمصالح خارجية. وأرجع الحويان ما اعتبره نجاح أفكار إرهابية في التغلغل، إلى إخفاق وسائل إعلامية واختراقها أو ضعفها في التأثير على الشباب تحديداً، مشدداً على وجوب اليقظة مما نعته صراعاً إعلامياً عربياً من الجهتين يخدم العدو الصهيوني وقوى التطرف. وأردف: يجب التحقيق مع الواقفين في الظل خلف تمويل قنوات مشبوهة تسهم في ترويج فتاوى قاتلة وتعمل على إشعال النار في الحطب لإحراق أوطاننا، ونحن قادرون على الانتصار في حربنا ضد تنظيم داعش الإرهابي التي تبدأ من تقديم نهج إعلامي واع، يتطلب الاعتماد على الكفاءات النزيهة، وإغلاق كل أبواق التحريض على التفرقة بين أبناء الشعب الواحد. وهاجم غسان عبود، مالك مجموعة أورينت التلفزيونية، من نعتهم أصحاب عائلات سياسية أطلقوا قنوات على اعتبارها خاصة ومستقلة، بينما تنطوي على دعم أجندات مسيئة وقيادة معارك إعلامية، والإسهام في إشعال فتيل فتن دينية وأمنية، وقال: أثبت الإعلام الرسمي في المقابل أنه مغيّب تماماً عن نقل وقائع ميدانية ارتأى خلالها الجلوس في الظل. واسترسل: يرتكب سياسيون أفظع الجرائم ويقودون بلادهم إلى الحرب والدمار والقتال والهلاك ثم يحملون الإعلام مسؤولية التداعيات، ومن المؤسف انتصار بعض وسائل الإعلام لقادة الخراب، والإسهام في تلميع الجناة وإدانة الأبرياء وسط أحداث دامية، وترويج شعارات الأمن والاستقرار بين آلات القصف. ورأى المقدم فايز حميدات مدير إذاعة القوات المسلحة الأردنية، أن الحرب تبدأ أساساً من الإعلام قبل إطلاق النار داعياً للانتباه إلى إمكانية تربص العدو من الداخل ووجوب تكاتف وسائط الاتصال مع الجيوش في خندق مصلحة الوطن. وقال: هناك إشكالية تظهر أحياناً حيال مقتضيات التعامل بين الإعلام والعسكريين في وقت الحرب، الأمر الذي يستدعي فهم ضروريات سرية المعلومة من جهة، ووجوب إطلاع الناس على حقيقة الوضع من جهة أخرى مما يتطلب صيغة تواصل صحيحة لا تخل بذلك. ولخّص عبد العزيز حسن، المتخصص الكويتي في التوجيه المعنوي، نجاح العلاقة بين الدول والإعلام في فتح المجال أمام تقديم الحقائق بلا تزوير أو تأويل ضارباً مثالاً باستقبال السعودية الصحفيين لإطلاعهم على مجريات وأهداف عاصفة الحزم في اليمن، وعلق: لابد من خضوع الإعلاميين الذين ينزلون للميدان خلال الأحداث الخطرة إلى تأهيل وتدريب للتعامل مع آليات، ووسائل الحصول على المعلومة الصحيحة وهذا يتطلب مواصفات معينة. حاتم الكسواني مدير برامج الإذاعة الأردنية، وجد في تعقيبه على المتحدثين الرئيسيين في الندوة عدم وجود استراتيجية للإعلام العربي في زمن الحرب، بينما طالب علي المطيري الإعلامي الأمني في الكويت بتحديد خطوات واضحة يتعين على الصحفي، ووسائل الاتصال اتباعها خلال الحرب، ورأى فخر التميمي المستشار الإعلامي الكويتي، أن هناك تساؤلات مقلقة حول ما يجب طرحه وقت الأزمات. فوزية زينل الإعلامية البحرينية تساءلت حول إن كان ما يظهر على شاشات القنوات الإخبارية يعكس مصداقية واقعنا العربي، وأيدت ضرورة التوافق على استراتيجية إعلامية مُلحّة في زمن الحرب، فيما تحدث أحمد صبري الصحفي العراقي عما نعتها لعبة الغرب في تحوير الحقائق مُستدعياً مغالطات الاحتلال الأمريكي في بغداد، وذهبت نداء شناق رئيسة منتدى الإعلاميين الأردنيين الشباب، إلى افتقاد الإعلام العربي خططاً واضحة ومدروسة للتعامل مع الحروب ميدانياً ونفسياً، ورأت ريم العمري الإعلامية الفلسطينية أن عدم مساندة الإعلام بصورة موحدة شاملة ودائمة للقدس أبرز مظاهر خلل التعامل مع القضية الرئيسية.
مشاركة :