«السبيل» كلمة تعني الماء الذي يكون مجانًا، فقد كان بعض أهل الخير في زمن الطيبين وقبلهم يضع مجموعة أزيار للماء بجوار بعضها ويجعلها سبيلاً لوجه الله لكل من يرغب أن يشرب منها وقد أدركنا هذه الظاهرة في المدينة المنورة، ومن أشهر أماكن السبيل في المدينة المنورة كان سبيل محمود في نهاية باب الكومة جهة الحرة الغربية وهناك غيره كثير، كما يطلق كلمة سبيل في المسجد النبوي عندما يتم تعميد من كان يسقي الناس بالجحلة (الدورق المديني) بمبلغ من المال وتطلب منه أن يسبل الماء لوجه الله فتجده يوزع الماء على الناس مجانًا ويقول اشرب «سبيل»، وهكذا فإن كلمة السبيل ارتبطت بصدقة الماء البارد طلبًا لوجه الله وقد جاء في الحديث (أفضل الصدقة سقيا الماء) رواه أحمد وأبو داود، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم «ليس صدقة أعظم أجرًا من ماء» حسنه الألباني، وقد روى الصحابي الجليل سعد بن عبادة رضي الله عنه، قلت: «يارسول الله أن أمي ماتت أفأتصدق عنها؟ قال: نعم قلت: فأي الصدقة أفضل؟ قال: سقي الماء»، والحمد لله أن صدقة الماء يترجمها واقعيًا ما عليه نحن في المساجد من توفر الماء البارد في قوارير صغيرة سبيلاً لوجه الله وهو عامل مشجع لشرب الناس الماء خاصة في أيام الصيف حيث حاجة الجسم للماء كبيرة جدًا لزيادة التعرق وحرصًا على عدم جفاف الكلية ولأن الماء مكون أساسي لكل خلايا الجسم وهي ظاهرة -أي سقيا الماء- ذات فائدة بيولوجية للجسم. أما المفهوم الأساسي لكلمة السبيل هي ما له علاقة بابنه، أي ابن السبيل فمن هو ابن السبيل؟ هو ما جاء ذكره في القرآن الكريم بأنه أحد الأصناف الثمانية للزكاة ويقصد به المسافر الذي انقطع به السفر أي ليس معه من النفقة والمال ما يكفيه لسفره والعودة الى أهله وإن كان غنيًا في بلده فتجب مساعدته شرعًا والانفاق عليه من زكاة المال خاصة من سرقت أغراضه وأمواله أو انقطعت به السبل فلم يعد قادرًا على أن يرجع إلى بلده وهو معنى إنساني واجتماعي جميل جدًا ونادرًا من يلتفت إليه عند دفع الزكاة وهو يختلف كمصرف من مصارف الزكاة عن مصرف «في سبيل الله» والمعنى الأساسي لكلمة السبيل هي الطريق وأقرب ما يقصد به هو الطريق إلى الله طريق الهداية، وفي معترك الحياة والآراء والتوجهات فإن السبيل إلى الله ليست إلا سبيلاً واحدًا كما قال تعالى (ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) فمع ضياع البوصلة وتشتت الأفكار وعدم معرفة الحق يحدث أن تظهر أمام السالك في هذه الحياة سبلٌ متعددة ظاهرها ليس كباطنها وجاحدها ليس كالمقر بها والميزة لسبيل الله بأنه واضح لمن يريده وهو في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لقوله عليه السلام (تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك: كتاب الله وسنتي) فاللهم اهدنا إلى سبيلك ولا تجعل السبل تتفرق بنا عن سبيلك فنضل ونشقى، وقد أحسست بظمأ قلوب بعض من خالطتهم من غير المسلمين مما هم عليه من جفاف أصاب أكباد أرواحهم وضياع دمر قلوب أنفسهم وأصبح الواحد ظمآن يبحث عن قطرة هداية تدله على ربه وخالقه فهو أشد ظمأ من الذي يبحث عن الماء ليسد حاجته وينقذ جفاف جسمه فكما الجسم تجف عروقه ويبحث عن سبيل ماء فكذلك الروح تصاب بالجفاف وتبحث عن سبيل هداية إلى الله.
مشاركة :