وسط مقاطعة شعبية هي الأكبر في تاريخ الانتخابات الإيرانية منذ الثورة الإسلامية في إيران قبل أكثر من أربعة عقود من جانب الإيرانيين جرت الانتخابات الرئاسية وفق السيناريو الذي رسمه لها المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله على خامنئي ونفذه مجلس صيانة الدستور الذي استبعد أهم ثلاثة مرشحين إصلاحيين لتمهيد الطريق أمام مرشح المرشد الأعلى المحافظ وخليفته المحتمل إبراهيم رئيسي للفوز بهذه الانتخابات لقيادة إيران خلال السنوات الأربع القادمة وتعويض خسارته في الانتخابات الماضية التي جرت في عام 2017 أمام الرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني. المقاطعة الشعبية للانتخابات رغم تدخل المرشد الأعلى لحث الإيرانيين على المشاركة لتجنب الفوضى ورغم الحشد الإعلامي الكبير من قبل أجهزة الإعلام الإيرانية الرسمية المرئية والمسموعة ورغم التهديد والوعيد كانت متوقعة لأسباب عدة، منها الوضع الاقتصادي والمعيشي المترديين للشعوب الإيرانية التي تعاني من ارتفاع الأسعار والبطالة وعدم توافر الخدمات الأساسية وتدني القدرة الشرائية للمواطن الإيراني خصوصا في ظل جائحة كورونا التي لم تتعامل معها القيادة الإيرانية بالشكل المطلوب، فضلا عن قناعة الشعوب الإيرانية بصورية هذه الانتخابات وأنها فصلت على مقاس إبراهيم رئيسي للفوز بها، بالإضافة إلى تذمر الشعوب الإيرانية من تبديد خيرات البلاد ومواردها لدعم المليشيات الموالية لها في العديد من مناطق العالم على حساب معيشة ورفاهية الشعوب الإيرانية. المرشح المحافظ إبراهيم رئيسي رغم دوره في قمع المظاهرات والاحتجاجات التي حدث في إيران عام 1988 وقتله الآلاف من القادة السياسيين وانتهاك لأبسط حقوق الإنسان فقد فاز في هذه الانتخابات وذلك بفضل الدعم اللامحدود من جانب المرشد الأعلى واستغلاله منصبه القضائي لإزالة منافسيه والتخلص منهم. الرئيس الجديد لإيران تنتظره العديد من الملفات الشائكة والساخنة والتحديات التي تواجه إيران خلال المرحلة القادمة، منها ما هو داخلي ومنها ما هو خارجي. أولا: برنامج إيران النووي والصاروخي في ظل مؤشرات عودة الولايات المتحدة الأمريكية للاتفاقية التي أبرمت بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي بخصوص برنامجها النووي بعد خروج أمريكا منها إبان حكم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وكيف ستتعامل إيران مع هذا الوضع في ظل العقوبات المفروضة على الرئيس المنتخب إبراهيم رئيسي. ثانيا: العلاقة مع دول الإقليم التي لم تشهد أي تحسن خلال فترة الرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني فهل سيسعى الرئيس الجديد إلى تعديل مسار هذه العلاقات لما فيه مصلحة المنطقة وشعوبها أم سيستمر الوضع على ما هو عليه وبالتالي تبقى المنطقة في حالة من عدم الاستقرار التي لا تخدم إيران ولا دول المنطقة خصوصا في ظل التحديات التي تواجهها المنطقة؟ ثالثا: التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للعديد من الدول العربية من خلال المليشيات الموالية لها سواء في العراق أو سوريا أو لبنان أو اليمن أو من خلال دعم أذرعها من العناصر الطائفية وتدريبها وتمويلها ومدها بالسلاح والعتاد مما يشكل تهديدا مباشرا وخطيرا على الأمن والاستقرار في العديد من المناطق التي تشهد حالة من عدم الاستقرار. رابعا: الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية المتردية والصعبة التي تعاني منها الشعوب الإيرانية والتي تنذر بالانفجار في أي لحظة خصوصا أن الانتخابات الرئاسية كانت مناسبة لتوجيه رسالة قوية ومباشرة للقيادة الإيرانية مفادها أن الشعوب الإيرانية غير راضية عن الأوضاع القائمة وأن خيرات وموارد البلاد تذهب إلى الخارج على حساب الشعوب الإيرانية التي تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الكريمة كما أسلفنا. وبناء عليه كيف سيتعامل الرئيس الإيراني الجديد مع هذه الملفات والتحديات في ظل محدودية السلطات والصلاحيات التي يتمتع بها في بلد يتمسك فيه المرشد الأعلى بجميع مفاصل السلطة وزمامها؟ هذا هو السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح وخصوصا أن هذه التحديات ليست جديدة وقد ورثها من الرؤساء الذين سبقوه واجهوها ولم يتمكنوا من معالجتها بالمستوى الذي يرضي دول العالم والإقليم والشعوب الإيرانية.
مشاركة :