منذ أكثر من ثلاثين عاماً وإيران تسعى خلف القنبلة النووية، أكثر من ثلاثين عاماً والمجتمع الدولي يحاول ثني طهران عن طموحها النووي، فقد امتلكت تسع دول القنبلة النووية ولكن لم تثر إحداها خوف العالم كما فعلت إيران. فاليوم احتياطي إيران من اليورانيوم يجاوز المئتين واثنين كيلوجرام ويتوقع خبراء الفيزياء النووية أن تتمكن إيران من صنع القنبلة النووية في غضون عام بالنظر إلى تلك الكميات الهائلة من اليورانيوم التي تمتلكها إيران. لا أحد يريد أن يكون السلاح النووي مع إيران، فالمسؤولون الروس لم يتركوا مناسبة إلا أكدوا فيها أن موسكو ستمنع حصول إيران على السلاح النووي بأي شكل من الأشكال، كذلك الولايات المتحدة الأمريكية وصل بها التشكيك في نوايا إيران النووية إلى الانسحاب من الاتفاق النووي الموقع عام 2015 والعودة إلى فرض عقوبات شديدة على إيران واتهامها باستمرار تطوير برنامجها النووي وأن إجراء أي مفاوضات مع دولة مثل إيران أمر مستحيل. وبين الحليف والعدو يقف الاتحاد الأوروبي الذي يرى الاتفاق النووي الوسيلة الأمثل لمنع إيران من امتلاك القنبلة النووية منعاً لحدوث كارثة قد تسببها إيران باستخدامها السلاح النووي في حال قامت بتطويره. وبالرغم من تصريحات المسؤولين الإيرانيين عن أن البرنامج النووي الإيراني هو لأغراض سلمية إلا أن معظم دول العالم لا تصدق إيران في تلك المزاعم. وفي جولة جديدة من التفاوض عاد الملف الإيراني للواجهة وهذه المرة في فيينّا من أجل إجراء مفاوضات بين إيران والغرب بشأن إحياء الاتفاق النووي، جولة يسبقها دعوات في تسريع الحسم وعودة واشنطن إلى الاتفاق النووي وضمان الالتزام الإيراني بكامل بنوده. ولكن العديد من المراقبين يرون أن إيران غير جادة في سعيها نحو التفاوض وأنها فقط تحاول كسب الوقت حتى تتمكن من صنع القنبلة النووية. ويبقى السؤال دائما عن مدى جدوى تلك المفاوضات لثني إيران عن حصولها على السلاح النووي. فإن رأي العديد من المراقبين أن الاتفاق يقدم لإيران خدمة عظيمة من خلال طريقين اثنين تمكنها من الحصول على السلاح النووي، أولها من خلال انتهاك ذلك الاتفاق، فبالرغم أن الاتفاق النووي سوف يفترض أن الرقابة والعمليات الاستخباراتية سوف تمنع إيران من أن تخدع المجتمع الدولي، وفي الحقيقة، إن الرقابة والعمليات الاستخباراتية على مر التاريخ لم تنجح مع العديد من الدول مثل كوريا وحتى إيران، فلم تستطع الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وإسرائيل اكتشاف المفاعلات النووية الإيرانية الكبيرة في قم ونطنز إلى وقت قريب. أما الطريقة الثانية فتتمثل في التزام إيران بالاتفاق النووي، ليتم بعد عشر سنوات تقريبا رفع القيود الرئيسية المفروضة على البرنامج النووي الإيراني بشكل تلقائي، ما يتيح لإيران أن تمتلك أجهزة الطرد المركزي التي تحتاج إليها وبالأعداد المناسبة من أجل تخصيب اليورانيوم بسرعة أكبر وبشكل قانوني وتحت غطاء الشرعية الدولية. فالاتفاق النووي يسمح لإيران بالاستمرار في إجراء البحوث التطويرية لإنتاج أجهزة طرد متقدمة، وستكون تلك الفترة هي فترة انطلاق إيران في تصنيع القنبلة النووية، فالعشر السنوات تلك هي ما تحتاجه إيران لبناء ترسانة نووية متكاملة. وقد يتساءل البعض عن البديل الأكثر واقعية لهذا الاتفاق، فوجب القول أن البديل الوحيد والواقعي هو سياسة رفع العقوبات بعد أن يتم تفكيك البرنامج النووي الإيراني بالكامل وليس قبل ذلك. فقد كانت هذه هي السياسة التي أجمع عليها المجتمع الدولي والولايات المتحدة الأمريكية قبل عام 2013، وكان تنفيذها سيطوي صفحة الملف الإيراني نهائيا. فالعقوبات التي فُرِضت على إيران عام 2012 هي ما دفع الإيرانيين إلى اللجوء إلى التفاوض، حيث كانت أكثر العقوبات إيلاما هي التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية والمدعومة بشكل كبير من الحزب الجمهوري، بالإضافة إلى ربط رفع العقوبات عن إيران بتخلي إيران عن سياستها العدائية والتوسعية في المنطقة ودعمها للإرهاب العالمي، فإذا أرادت إيران أن يعاملها المجتمع الدولي كدولة عادية عليها أن تتصرف كدولة عادية وأن تتخلى عن طموحها في أن تصبح دولة عظمى في المنطقة، ما عدا ذلك سوف يتم فتح كل الخيارات على مصراعيها ومن ضمنها سباق التسلح الذي قد يشهده الشرق الأوسط بمجرد امتلاك إيران للقنبلة النووية ما سيفجر الأوضاع ويزيد من احتمال وقوع حرب شاملة في المنطقة. إن تاريخ إيران حافل بزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط من خلال نشر العنف ودعم المنظمات الإرهابية في المنطقة. فقد جعلت إيران من أولوياتها منذ عام 1979 دعم الأنظمة الوحشية والمليشيات الإرهابية بهدف فرض هيمنتها على المنطقة. فمشكلة إيران مع المجتمع الدولي ليس البرنامج النووي فحسب، بل بالمشروع الإيراني التوسعي في المنطقة بكل الطرق والوسائل المتاحة وغير الشرعية وإقامة تحالفات ذات طابع مذهبي ودعم الجماعات الإرهابية فالبرنامج النووي الإيراني ما هو إلا واحدة من تجليات مشروع إيران في المنطقة. فلو كانت إيران دولة عادية لا تتدخل في شؤون الدول المجاورة لها ولا تتآمر عليهم، ولا تشعل نار الصراع الطائفي والمذهبي في المنطقة ولا تريد تصدير ثورتها المزعومة لما وجدنا هذا الكم من الشكوك يحيط ببرنامجها النووي، رغم دفاعها ودفاع حلفائها عن هذا البرنامج النووي بزعمهم أنه للأغراض السلمية. فهنالك الكثير من الدول كالهند وباكستان التي طورتا برنامجهما النووي من دون أن تثيرا تلك البرامج حفيظة المجتمع الدولي، وهنالك دول أخرى في المنطقة كالإمارات العربية المتحدة التي طورت برنامجا للطاقة النووية لأغراض سلمية والذي حظي بثقة وبدعم المجتمع الدولي. فالمشكلة تتمثل في عدم وثوق المجتمع الدولي في تصرفات وأفعال النظام الإيراني وبالتالي لا يثق بأي تعهدات يبرمها هذا النظام مع دول العالم. وبالأخص إذا كان هذا النظام عقائدي لا يتردد في فعل أي شيء تحت شعار الدين وادعاء الجهاد في سبيل الله باستخدام القنابل النووية. كل ذلك يجعلنا ندرك أن خطر إيران يتمثل في مشروعها التوسعي وليس فقط في برنامجها النووي. أين حسن الجوار؟ إن تدخل إيران في الشؤون الداخلية البحرينية خاصة والخليجية عامة، هي سياسة ونهج إيراني مستمر. ومع تولّي نظام الولي الفقيه الحكم عام 1979، أصبحت التدخلات الإيرانية تأخذ الطابع الإرهابي الطائفي، وتأخذ أشكالاً متعددة، من تصريحات عدائية للقيادات العليا في إيران، إلى زرع خلايا نائمة تنتظر إشارة الولي الفقيه للتحرّك، مع العمل بشتى الطرق وعلى كل الأصعدة ضد مصالح البحرين ودول الخليج كافة. إن تاريخ إيران حافل بالنشاطات المعادية لجيرانها في المنطقة بشكل لا يمكن إنكاره أو إخفاؤه. فعلى مستوى التصريحات نجد حجم التدخل السافر من المسؤولين الإيرانيين ومواقفهم العدائية ضد البحرين إلى درجة أن حجم تصريحاتهم عن البحرين ودول الخليج تفوق تصريحاتهم عن شؤونهم الداخلية مع العلم أن إيران تتهاوى من الداخل بسبب الفساد والبطالة والأوضاع الاقتصادية السيئة والأجدر بهم أن يلتفتوا إلى شؤونهم الداخلية بدلاً من تصدير أزماتهم إلى الخارج. وتتجاوز تدخلات إيران في مملكة البحرين حد التصريحات، إلى المساهمة بشكل مباشر في زعزعة الأمن والاستقرار الداخلي من خلال الأعمال الإرهابية التي تقوم بها أذرع إيران في المنطقة ودول الخليج، فقد قامت تلك الخلايا الإرهابية بأحداث عنف وقتل وإرهاب كان ضحاياها عناصر من الشرطة ومواطنين أبرياء، بالإضافة إلى تهريب الأسلحة والذخائر وتفجير أنابيب النفط والتخطيط لاغتيال مسؤولين بحرينيين وإثارة الفوضى والتحريض على العنف، وكل ذلك بتخطيط ودعم من الحكومة الإيرانية والحرس الثوري الإيراني ما دفع البحرين إلى اللجوء لمجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة من أجل التحقيق في التدخل الإيراني في المملكة ودفع إيران إلى الالتزام بالقوانين الدولية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للمملكة. إن إيران من الدول المهددة للدول العربية عامة، والخليجية خاصة من خلال التصريحات والأفعال المزعزعة لأمن واستقرار المنطقة وإثارة الفتنة والتخريب. لقد سعت إيران الفارسية منذ زمن إلى التوسّع على حساب الدول المجاورة لها من خلال نشر التشيّع وخلق فتنة طائفية وفرض الهيمنة والسيطرة على المنطقة برمتها عن طريق أدوات ووسائل إجرامية وغير أخلاقية. وبعد كل ذلك يخرج علينا مسؤولون إيرانيون ليصرحوا أن العلاقات الإيرانية بالدول المجاورة لها مبنية على حسن الجوار، وأن المفاعل النووي الإيراني هو فقط لأغراض سلمية. فهل تتوقع منا إيران أن نصدقها؟ { أكاديمي متخصص في العلوم الشرعية وتنمية الموارد البشرية Dr.MohamedFaris@yahoo.com
مشاركة :