يشتد بك الحزن والألم عندما تتعرض للخداع ممن حولك خصوصا إذا كان شخصا من أقرب الناس لك، فكيف سيكون شعورك لو علمت أن هناك جزءا منك يخدعك باستمرار، وقد يكون هو أيضا أكثر من يساعد الغير على خداعك! فدماغك الذي هو دليل كمال خلقتك بمهامه التي يقوم بها، والتي منحتك إنسانيتك وميزتك عن كثير من خلق الله، قد يخدعك مسببا لك الكثير من المشكلات والسقطات! ولنعرف كيف يحدث ذلك تعالوا لنتعامل مع أدمغتنا على أنها جزء منفصل عنا واعتبار الدماغ شخصا مستقلا يعاني ما يعانيه البشر، فدماغك مثلا قد يصيبه الكسل مثل ما يصيب البشر، فيلجأ إلى الحلول السهلة والطرق المختصرة عندما تستشيره في حل مشكلاتك، فيعتمد في حله على طرق قد سلكها سابقا في حل مشكلة ما ونجح، ولكن ربما يحدث العكس مرات، وتسمى هذه الحلول بـ "هيورستيك" ــ أي الطرق المختصرة في حل المشكلات دون اللجوء للتفكير العميق، معتمدا في ذلك على المواقف المتوافرة في دماغك أو التي تخطر على بالك لحظيا مما يؤدي بك إلى ارتكاب مزيد من الأخطاء. فشعورك بالخوف الشديد عندما تهم بركوب الطائرة، قد يتحول إلى هلع وضيق تنفس وتعرق لمجرد أن الصورة الحاضرة في ذهنك وقتها هي صور لما سمعته أو قرأته عن حوادث الطائرات من سقوط أو اختفاء أو خطف، مع أن السفر بالطائرة يعد من أكثر وسائل النقل أمانا مقارنة بحوادث السيارات! وقد يخدعك عقلك بحساسيته الزائدة وانحيازه لأمر دون آخر وهذا يمنعك من حرية التفكير والحكم على الأمور أو الأشخاص بكفاءة وبشكل صحيح، ولا يقتصر التحيز على ميلك لأشخاص دون غيرهم بل يتعداه لتحيزك لأفكار ومواقف سياسية ودينية أو حتى علمية معينة، فتحجب عنك رؤية غيرها وتفقد القدرة على اتخاذ القرار الصحيح وتدفعك لرفض جهود غيرك والمحاولة المستميتة لإثبات وجهة نظرك، فتنشأ خلافات شخصية وسياسية ودينية وعلمية تقف حائلا بيننا وبين التطور في جميع المجالات! وأكثر الذنوب التي يمكن أن يقترفها عقلك ويخدعك بها هو ميله لإلقاء اللوم على الآخرين أو الظروف وتشويه الواقع في سبيل إثبات أننا على حق، فنحن في النهاية ضحية الظروف ولا ذنب لنا، أما لو نجحنا فهذا نتيجة حتمية لما نتمتع به من صفات وما نمتلكه من مهارات! فالطالب يلقي باللوم على أستاذه وطريقة شرحه السيئة عندما يرسب، ويعزو نجاح زميله للحظ أو لمحاباة الأستاذ له، أما عندما يتفوق هو ستراه يتفاخر بأن ذلك عائد لذكائه وقدراته الفذة، فعقلك هنا يختلف حكمه حسب موقعك من الأحداث! وأخيرا قد يخدعك دماغك بعدم تذكره أمورا معينة أو منحك ذاكرة كاذبة لأحداث لم تعشها مطلقا، قد تكون مرت عليك في فيلم مثلا فيجعلها جزءا من حياتك! فكما يساعدك عقلك على النجاح قد يجرك إلى التهلكة إذا لم تتعرف على أسراره وطرق خداعه لك، وتحاول تطويعه وتحفيزه ليكون أكثر عمقا وانفتاحا على الآخر.
مشاركة :