يرتبط لبنان عبر التاريخ ارتباطاً وثيقاً ببلدان الخليج العربي، وفي مقدمها السعودية، فإضافة إلى العلاقات الإنسانية والاقتصادية والسياحية، تتسم هذه الصلة بالقرابة وتبادل «الخبز والملح» بين الشعبين. ولعل لبنان الستينات والسبعينات هو أكبر شاهد على ذلك. فأهل السعودية كانوا يتخذون من لبنان في تلك الحقبة موطئ قدم لهم، فكان بمثابة بلدهم الثاني. بلدات لبنانية شهيرة في الجبل كعاليه وبحمدون وحمانا وغيرها، كانت مركز اصطياف وإقامة شبه دائمة لهم، كما أنّ منازلها ومطاعمها وشوارعها، كانت تعبق بعطر الخليج العربي وتسكن حناياها. هذه العلاقة التاريخية الوطيدة بين السعودية ولبنان، رغب في أن يترجمها الفنان التشكيلي اللبناني شوقي دلال على طريقته. فأطلق مشروعاً فنياً موقعاً بأنامله يحمل عنوان «ألوان السعودية بريشة لبنان». أما أسباب هذه المبادرة كما يصفها صاحبها فتأتي «من باب الوفاء لدول مجلس التعاون وفي مقدمها السعودية. فهي لم تتلكأ يوماً في مساعدة هذا البلد، فساندته ووقفت إلى جانبه في أحلك ظروفه، وكم من مرة انتشلته من كبوته من باب الأخوة والمحبة. هذا الترابط كان أكثر من علاقة على صعيد الدولتين بل روحي بامتياز. عندما ينشأ الرابط الروحي تنمو علاقات أهلية متينة. وأذكر ما كان يخبرني به أهلي عن تلك الحقبة بأنّ السعودية نقلت إلى لبنان تفاصيل من عمارتها ومطبخها وعاداتها وتقاليدها والعكس صحيح. كل ذلك ولّد علاقة مميزة بين البلدين». ويرى دلال أنّه أراد إرسال تحية إكبار وتكريم للسعودية وباقي الدول الخليجية من خلال رسم معالم ثقافية وتراثية ودينية واجتماعية مشهورة بها. ويتابع في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «إنها تحية من ريشتي إلى المملكة السعودية وقادتها وشعبها الشقيق. هي تراكمات لعلاقة مميزة تنبض بين البلدين انعكست على ريشتي، وبعدما أقمت علاقات ثقافية عديدة بيني وبين السعوديين، كوني رئيس جمعية محترفي الفن التشكيلي للثقافة والفنون في لبنان. فانطلقت بمبادرتي متأثراً بنقاط شبه كثيرة بيننا، الكرم والضيافة، والأصفر الطاغي على مشهدية طبيعتها الصحراوية تذكرني بخريف لبنان». تبهرك ريشة شوقي دلال بوضوحها ودقتها، فيخيل إليك وأنت تشاهد رسمه ضمن لوحة مائية للكعبة الشريفة في مدينة مكة المكرمة، بأنك تقف أمامها مباشرة، فتستمتع بتفاصيلها. وكذلك الأمر بالنسبة إلى لوحة تبرز معالم بوابة الرياض التاريخية. واختار شوقي دلال معالم كثيرة أخرى تروي التراث السعودي كالبقالة في مدينة جدة، ومحطة محروقات في الأربعينات، وسوق القصيم الشعبي. وعرج أيضاً على تطور المملكة مع الوقت، وتحولها إلى منارة بعمارتها واقتصادها ونشاطاتها الفنية. وقدم في إحدى لوحاته برج المملكة ومدينة الرياض، ومركز الملك عبد الله المالي في المدينة نفسها. ويأخذنا أيضاً في مشوار عبر تاريخ المملكة الزاخر بمعالم أسهمت في سباقها مع الزمن، كحقل الغوار النفطي في منطقة الأحساء. وهو أكبر حقل نفط تقليدي في العالم، ويمثل ما يقرب من ثلث إنتاج النفط التراكمي للمملكة العربية السعودية». ويلفت في معرض حديثه أنّ رسوماته لاقت ترحيباً كبيراً من قبل جهات سعودية عديدة، وفي مقدمها سفير السعودية لدى لبنان وليد البخاري الذي أبدى استعداده لإقامة معرض فني لتلك اللوحات في حرم السفارة. ويعلق: «لقد أعجب بجميع اللوحات، وطالبني برسم المزيد منها لدول مجلس التعاون الخليجي». وكان الفنان شوقي دلال قد استذكر دولاً عدة خليجية بلوحاته وبينها الكويت والإمارات العربية والبحرين وقطر وسلطنة عمان. ويوضح: «المملكة العربية السعودية تحتل العدد الأكبر من لوحاتي، وباقي الدول كالكويت مثلاً التي رسمت أحياءها التراثية بين الخمسينات والستينات. وكذلك قبة مسجد المعاز التي تتسم بهندسة معمارية تخرج عن المألوف. ومن سلطنة عمان رسمت المنارة (العيجة) التاريخية، وقسماً من سوق مطرح مع مدخلها القديم. ومن الإمارات اخترت قلعة الفجيرة، وقصر الحصن في أبوظبي». ويطمح شوقي دلال إلى إقامة معرض لجميع هذه اللوحات في لبنان على أن يتنقل بها فيما بعد بدول الخليج. ويختم: «عندما ترسمين تخلدين الزمن، وهذه اللوحات هي بمثابة جواز سفر من المحبة مهدى إلى جميع تلك الدول عبر الأجيال. إنّها بمثابة رسالة تحمل في طياتها معاني إنسانية وروحية تحاكي القيمة التي نحملها كلبنانيين لتلك الدول على أصعدة مختلفة بينها ثقافية وتراثية وحضارية».
مشاركة :