يشهد سوق العمليات المصرفية المفتوحة، سواء الخدمات المصرفية أو خدمات أسواق المال والمدفوعات، نمواً ملحوظاً في الآونة الأخيرة، بنحو 24 % سنوياً، ليصل إلى حوالي 43.1 مليار دولار في عام 2026، مقابل حوالي 7.3 مليار دولار في عام 2018. ويأتي هذا النمو مدفوعاً بتنامي صناعة التقنيات الحديثة ومزودي الخدمات الرقمية، والفرص المحفزة للابتكار التي وفرتها عدد من البيئات التنظيمية سعياً لتعزيز الشمول المالي. وفي هذا الإطار، أعلن صندوق النقد العربي في نهاية ديسمبر من العام الماضي، بدء التشغيل الكامل لمنصة «بُنى» للمدفوعات العربيّة، التابعة للمؤسسة الإقليمية لمقاصة وتسوية المدفوعات العربية المملوكة من قبل الصندوق، حيث باشرت منصة «بُنى» بتنفيذ أعمال إرسال واستقبال المدفوعات عبر الحدود بعملات متعددة. المدفوعات البينية تمثل منصة «بُنى» منصة دفع متعددة العملات تقدم خدمات المقاصة والتسوية بالعملات العربية والعملات الدولية التي تتوفر فيها شروط الأهلية، لمقاصة وتسوية المعاملات المالية العربية البينية، وكذلك المعاملات المالية بين الدول العربية والشركاء التجاريين الرئيسين للدول العربية. ويشكل إطلاق المنصة خطوة مهمة نحو تعزيز فرص التكامل الاقتصادي والمالي في المنطقة العربية ودعم الروابط الاستثمارية مع الشركاء التجاريين للدول العربية في مختلف القارات، حيث تهدف المنصة إلى تمكين المؤسسات المالية والمصرفية في المنطقة العربية، بما في ذلك المصارف المركزية والتجارية، من إرسال واستقبال المدفوعات البينية في جميع أنحاء المنطقة العربية وخارجها بصورة آمنة وموثوقة بتكلفة مناسبة وفعالية عالية. وتقدم المنصة للمشاركين حلول دفع حديثة تتوافق مع المعايير والمبادئ الدولية ومتطلبات الامتثال الدولية، إذ يتوافر لمنصة «بُنى» قدرات معززة لضمان امتثال عمليات المنصة مع المبادئ والمعايير الدولية ذات الصلة وفي مقدمتها المعايير المتعلقة بمكافحة عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب، إلى جانب الامتثال للوائح الخاصة بالعملات المستخدمة في المنصة. وحالياً، تسجل شبكة «بُنى» من البنوك المشاركة من المنطقة وخارجها نمواً مطرداً مع استكمال إجراءات ومتطلبات تضمين حوالي 90 بنكاً من المنطقة العربية من بين أكثر من 140 بنكاً هم الآن في مراحل مختلفة من الإعداد والتجهيز للانضمام إلى المنصة. والمنصة متاحة لكافة البنوك التي تستوفي معايير وشروط المشاركة فيها، وفي مقدمتها المعايير والإجراءات الخاصة بجوانب الامتثال. وقامت منصة «بُنى» بإجراء أول عملية دفع عبر الحدود، من خلال تنفيذ تحويل بالدرهم الإماراتي بين بنك المشرق في دولة الإمارات وبنك مصر في جمهورية مصر العربية، لتشكل هذه العملية إطلاقاً للنشاط التشغيلي لمنصة «بُنى»، وإثباتاً لجهوزيتها من الناحية التشغيلية والتقنية لتنفيذ المدفوعات عبر الحدود، وفقًا لكافة المعايير الدولية. وتجدر الاشارة إلى أن إطلاق منصة «بُنى» يشكل تطوراً مهماً في الأسواق المالية العربية؛ لأن المنصة تطبق مبادئ البنية التحتية للأسواق المالية (PFMIs) الصادرة عن اللجنة الدولية لنظم الدفع والبنية التحتية المالية لدى بنك التسويات الدولية والمنظمة الدولية لهيئات أسواق المال. عبدالرحمن الحميدي عبدالرحمن الحميدي وتعقيباً، أكد الدكتور عبدالرحمن بن عبدالله الحميدي، المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي أهمية المنصة الاستراتيجية في تشجيع وتنمية الأنشطة والمبادلات المالية والاستثمارية والتجارية العربية البينية والربط مع الشركاء التجاريين الرئيسين للدول العربية، معرباً عن أملة أن تساهم المنصة في خدمة التكامل المالي، وتساعد كذلك في توفير البيئة المشجعة لتطوير الخدمات والمنتجات المالية والمصرفية، ومشدداً في الوقت ذاته على حرص صندوق النقد العربي من خلال منصة «بُنى» للمدفوعات البينية، على تطوير خدمات الحفظ المركزي، وربط الأسواق المالية العربية وتسهيل الاستثمارات البينية العربية في هذه الأسواق. عُملات التسوية تضم القائمة الحالية لعُملات تسوية المعاملات المالية والمدرجة في منصة «بُنى» للمدفوعات العربية كل من الدرهم الإماراتي، والجنيه المصري، والريال السعودي، والدينار الأردني، إضافة إلى الدولار الأميركي واليورو. وكان الدرهم الإماراتي أول عملة يتم إدراجها في المنصة من أجل تمكين البنوك العاملة في الدول العربية والمشاركة في منصة «بنى» من تسريع مقاصة وتسوية المدفوعات عبر الحدود التي تتم بالدرهم وتخفيض تكلفتها، لاسيما أن الدرهم الإماراتي يستحوذ على نسبة كبيرة من المدفوعات العربية نظراً لكونه أكبر عملة عربية يتم تداولها عبر الحدود في العالم العربي، إذ تتجاوز حصة المعاملات بالدرهم أكثر من 13% من إجمالي المعاملات المالية العربية البينية (لا يشمل ذلك تحويلات الأفراد عبر شركات الصرافة). وتلا ذلك إطلاق عمليات التسوية بالجنيه المصري، كثاني عملة تسوية عربية في المنصة بعد الدرهم، حيث يتجاوز عدد المعاملات بالجنيه المصري التي يتم تداولها عبر الحدود في العالم العربي، أكثر من 160 ألف معاملة سنوياً (لا يشمل ذلك تحويلات الأفراد عبر شركات الصرافة)، وليصبح الجنيه المصري خامس عملة عربية في هذا الصدد. ثم أعلن البنك المركزي السعودي وصندوق النقد العربي، إدراج الريال السعودي عملة تسوية في منصة «بُنى» للمدفوعات العربيّة، كثالث عملة عربية للتسوية مدرجة في المنصة وواحدة من بين العُملات الأكثر استخداماً في المدفوعات البينية العربية، إذ بلغ عدد عمليات المدفوعات المتداولة بين الدول العربية والمملكة أكثر من 2.7 مليون معاملة في عام 2018 بقيمة إجمالية تزيد على تريليوني دولار أميركي. كما يستحوذ الريال السعودي على نسبة كبيرة من المدفوعات العربية نظراً لكونه أكبر عملة عربية يتم تداولها على مستوى العالم وثاني عملة عربية يتم تداولها عبر الحدود في العالم العربي، من حيث عدد المعاملات التي تتجاوز نحو 580 ألف معاملة بالريال السعودي يتم تسويتها عبر الحدود سنوياً بين الدول العربية. وإلى ذلك تم تضمين الدينار البحريني لعملات التسوية ضمن المنصة لتوفر خدمات مميزة للبنوك في مملكة البحرين لتسريع مقاصة وتسوية المدفوعات عبر الحدود وتخفيض تكلفتها، حيث تتبادل البنوك والمؤسسات المالية في المملكة نحو 700 ألف عملية دفع عبر الحدود سنوياً مع البنوك والمؤسسات المالية في المنطقة العربية وحوالي 570 ألف عملية دفع إضافية مع بقية دول العالم. وفي يناير 2021 استكمل الصندوق إجراءات تضمين الدولار الأميركي عملة تسوية في منصة «بُنى» بعد الاعلان عن تضمين الدينار الأردني في المنصة كإحدى العملات العربية التي سيتم استخدامها في تسوية المعاملات المالية، وهي العملة العربية الثالثة من حيث الاستخدام في المعاملات المالية البينية بين الدول العربية بعد الدرهم الإماراتي والريال السعودي. خدمات المنصة تعد خدمة الدفع الفوري عبر الحدود، من أحدث خدمات منصة «بُنى» وواحدة من الخدمات التي يعمل عليها الصندوق بالتعاون مع البنوك المركزية والتجارية، إذ تعتبر الخدمة الأولى من نوعها عربياً، بما يساهم في إحداث نقلة نوعية في مجال المدفوعات العربية، وخاصة تحويلات الأفراد ومدفوعات التجزئة. وقد تم عقد شراكة بين المنصة وجمعية «سويفت» لإنشاء نظام المدفوعات الفورية في منصة «بُنى» عبر شبكة «سويفت»، إضافة إلى جوانب تعزيز أطر الامتثال لعمليات مكافحة عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب من خلال مشاركة المنصة في نظام «سويفت» لقواعد «إعرف عميلك» الإلكترونية. وفي الإطار ذاته، ناقش صندوق النقد العربي، خلال مؤتمر دولي التحولات في النظام المالي العالمي، وخاصة العملات الرقمية للبنوك المركزية والخيارات التي تقدمها على صعيد تطوير آليات الدفع والتسوية عبر الحدود. وأكد الصندوق أهمية دور منصات الدفع الإقليمية، مشيراً إلى أن منصة «بُنى» للمدفوعات العربية تعد نموذجاً في هذا الإطار، ينسجم مع توجهات مجموعة العشرين. مهدي مانع مهدي مانع البُعد الدولي يقول مهدي مانع، الرئيس التنفيذي للمؤسسة الإقليمية لمقاصة وتسوية المدفوعات العربية (منصة بُنى للمدفوعات العربية)، إن نظام المدفوعات في منصة «بُنى» يتيح تقديم مجموعة متنوعة من الخدمات والحلول المبتكرة لتسوية ومقاصة المدفوعات، صالحة لتلبية الاحتياجات المتنوعة لأسواق المنطقة ومختلف القطاعات الاقتصادية، معرباً عن التطلع إلى الاستمرار في تقوية القيمة المقدمة لمنصة «بُنى» والمثابرة على توفير المزيد من منتجات الدفع التي تعكس البُعد الدولي للمنصة، من خلال تعزيز أطر التعاون مع مختلف الجهات العالمية العاملة في مجال المدفوعات، وبالتالي تكريس مقومات الترابط التوافقي والفعال بين «بُنى» وشبكة واسعة ومتنوعة من أنظمة وقنوات الدفع. وذكر مانع، أنه تطبيقاً لرؤية منصة «بُنى» الهادفة إلى تطوير منظومة البنية التحتية المالية، حرصنا على اعتماد مقاربة استثنائية ومبتكرة من خلال تضمين نظامنا للمدفوعات الأطر والقدرات اللازمة لفحص المعاملات المالية، والتأكد من امتثالها لأنظمة مكافحة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب، وعدم الاكتفاء بجعل هذه المهام من مسؤولية المصارف المشاركة حصراً. وأشار إلى أن الحلول المالية والخدمات التي توفرها «بُنى» تأتي منسجمة مع خريطة الطريق التي وضعتها مجموعة العشرين للوصول بقطاع المدفوعات المالية العالمية إلى مستوى عالي من الثقة والشفافية، لافتاً إلى أن «بُنى» تعد منصة قوية ومستدامة قادرة على تنفيذ المدفوعات البينية بشفافية وسرعة، وبتكلفة مناسبة وفعالية عالية بما يخدم حاجات مختلف أسواق المنطقة العربية وخارجها، وتتمثل الرؤية لدور منصة «بُنى» أن تكون المحرك الرئيس لنشاط المدفوعات المالية البينية على مستوى المنطقة وأن تسهم في تنمية هذا القطاع الحيوي.
مشاركة :