قطعت الدولة المغربية أشواطا كبيرة في طريق تمكين المرأة وتحقيق المناصفة في عدد من المجالات، وقد أظهرت المرأة كفاءتها وجدارتها في كل المسؤوليات المنوطة بعهدتها سياسيا واقتصاديا وإداريا وثقافيا. ومن أجل المزيد من تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في المناصب السياسية والإدارية والاقتصادية أطلق فاعلون حقوقيون حملة وطنية هدفها التعبئة لتعزيز التمثيلية السياسية للنساء وتفعيل المناصفة الدستورية الفعلية في أفق 2030. التقى مطلقو المبادرة التي تهدف إلى تفعيل المناصفة الدستورية رئيس الحكومة المغربي ورؤساء الأحزاب السياسية ومجوعات برلمانية، وعرضوا مقترحاتهم وتصوراتهم من أجل التفعيل الحقيقي للفصل 19 من الدستور، والذي ينص على أن الدولة “تسعى إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء، وتُحدِث لهذه الغاية هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز”، وذلك لإعطاء المبادرة بعدا رسميا. وقرر مكتب مجلس النواب في اجتماعه يوم السابع من يونيو الجاري قبول العريضة شكلا ومضمونا وتعميم مضامينها، من أجل التفاعل معها بشكل إيجابي، في أفق إقرار قانون إطار يتعلق بالمناصفة والمساواة، حيث أشاد رئيس مجلس النواب الحبيب المالكي بهذه المبادرة المواطنية التي ترمي إلى تفعيل المناصفة وتحمل في طياتها وعيا عميقا بانشغالات المواطنين والمواطنات. وتشكل مشاركة المرأة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والوصول إلى مراكز القرار قيمة سياسية كبيرة، تهدف إلى إدماج مقاربة النوع الاجتماعي في السياسات العمومية والبرامج الحكومية. وكان تفاعل المؤسسة التشريعية مع هذه المبادرة إيجابيا. و قال الحبيب بلكوش رئيس مركز دراسات الديمقراطية وحقوق الإنسان، لـ “العرب”، “استطعنا تفعيل دينامية الديمقراطية التشاركية التي نص عليها الدستور منذ العام 2011، ذلك أن هذه ترجمة تعكس أننا نتوفر على آليات لم نستطع تفعيلها إلى حد الآن”. الحبيب بلكوش: المبادرة تعني أننا نتوفر على آليات لم نستطع تفعيلها إلى حد الآن الحبيب بلكوش: المبادرة تعني أننا نتوفر على آليات لم نستطع تفعيلها إلى حد الآن كما اعتبرت زينب بنحمو، الباحثة في قضايا المرأة والإصلاح، أن قبول العريضة يعد تمرينا ديمقراطيا مهما جاء في إطار تفعيل الديمقراطية التشاركية التي ينص عليها الدستور في الفصل 15، حيث يؤكد على حق المواطنات والمواطنين في تقديم العرائض. وقالت بنحمو، لـ”العرب”، إن “قبول العريضة رسالة مهمة تدل على أهمية قضية المرأة ضمن أولويات المملكة المغربية، بكل مؤسساتها الدستورية وعلى رأسها المؤسسة الملكية؛ حيث نرى في قبول عريضة المناصفة بداية لانتصار المبادرات الداعية إلى تفعيل الديمقراطية ودولة المؤسسات، وخطوة في طريق تحقيق المناصفة التي هي حق تكفله المواثيق الدولية التي التزم بها المغرب وكذلك روح الدستور”. وأقر دستور المغرب مبدأ المناصفة والمساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وقد أصبحت مشاركة المرأة الواسعة في العملية الانتخابية -سواء كمرشحة أو كمنتخبة- حقيقة سياسية مهمة، ومع ذلك تبقى نسبة وصول المرأة إلى المناصب الوزارية والإدارية والنيابية محدودة. واعتبر بلكوش أنه بقبول مجلس النواب للعريضة “نكون قد قطعنا شوطا أساسيا واكتسبت الوثيقة شرعيتها، لذلك على المنتخبين الجدد اليوم الذين ستفرزهم صناديق الانتخابات ترجمة هذا التتويج الدستوري عبر قانون إطار”. واعتبر رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب شكيب العلج أن هذه المصادقة على العريضة الوطنية لتحقيق المناصفة الدستورية الفعلية في أفق 2030، والتي استقطبت عددا كبيرا من التوقيعات، تعد بمثابة “رسالة قوية” تؤشّر على وجود إجماع بخصوص حقوق المرأة والمناصفة الدستورية الفعلية. من جهتها اعتبرت وفاء حجي، رئيسة الائتلاف الوطني لـ”المناصفة دابا”، أن انفتاح المؤسسة التشريعية على المجتمع المدني وتجاوبها مع المطالب الحقوقية والاجتماعية يعدان تشجيعا للمبادرات المدنية الهادفة إلى بناء جسور الثقة بين الفاعلين والمؤسسات، خاصة المبادرات الرامية إلى توسيع المشاركة النسائية بما ينسجم مع روح الدستور الذي كرس مبدأ المساواة ومكافحة كل أشكال التمييز. ودعت حجي الأحزاب السياسية المقبلة على خوض الاستحقاقات الانتخابية، الجماعية والجهوية والتشريعية، إلى اعتماد مقاربة النوع الاجتماعي والقطع مع الحيف والتمييز اللذين لحقا النساء في المحطات الانتخابية الماضية. Thumbnail كما دعت قيادات الأحزاب السياسية إلى جعل القضية النسائية قضية محورية وذات أولوية ضمن برامجهم السياسية، وإلى تفعيل مبدأ مقاربة النوع الاجتماعي، إضافة إلى اعتماد معيار الكفاءة من الجنسين في جميع أجهزة وعضوية المجالس المنتخبة. وترى بنحمو أن قضية المرأة حاضرة في برامج الأحزاب، لكن للأسف كمجرد شعارات للتسويق، فلم تصل الأحزاب إلى مرحلة الاقتناع الحقيقي بضرورة إدماج المرأة في مختلف الهياكل بما فيها الهياكل التقريرية، بشكل إرادي دون أن يكون الأمر استجابة للقوانين التي تلزم الأحزاب بضرورة تواجد نسب لا تقل عن 30 في المئة من النساء داخل هياكلها. وعلى المستوى الانتخابي اعتمد المغرب منذ العام 2002 آلية للتمييز الإيجابي (الكوطا) لرفع نسبة النساء في المؤسسات المنتخَبة، حيث تمكنت النساء من الوصول الى مناصب انتخابية مهمة، عكس مراكز القرار والمناصب العليا التي يجري فيها التعيين اعتماداً على الكفاءة وقوة ملف الترشيح. وتعتبر بنحمو أن المرأة ما زالت تقوي وجودها في الساحة السياسية عبر نظام الكوطا، بمعنى أن المعركة ما زالت طويلة وليس من مصلحة الأحزاب السياسية الاعتراض على أي مبادرة داعية إلى تعزيز تمثيلية النساء في الانتخابات، خاصة بعد تقييم تجربتهن الإيجابية رغم محدوديتها على مستوى البرلمان والجماعات المحلية. وبحسب المُعطيات الرسمية المتعلقة بالانتخابات التشريعية الأخيرة فإنّ عدد النساء في مجلس النواب المغربي ارتفع إلى 81 نائبة، من أصل 395 عضوا، وهو ما يمثّل نسبة 20.5 في المئة، بينما كانت النسبة خلال الولاية التشريعية السابقة في حدود 17.3 في المئة. لكنْ تبقى هذه المعطيات ضعيفة إذا ما قورنت بتمثيلية النساء في البرلمان التونسي والتي تصل إلى 34.56 في المئة، بحيث تمثل التونسيات في البرلمان التونسي بـ75 برلمانية. ولتمكين المرأة من مناصب عن طريق الانتخاب في الاستحقاقات القادمة تم إصدار قانون يقضي باحترام الثلث في تمثيلية النساء في جميع المجالس المنتخبة، وطنية أو جهوية أو محلية. وقد صدر اقتراح من طرف وزارة الداخلية في مجلس وزاري ترأسه العاهل المغربي الملك محمد السادس، ثم تمت المصادقة عليه بأغلبية في البرلمان. التعيينات في المناصب العليا ظلت تعتمد نفس المقاربة التقليدية التي تكرس الإقصاء الممنهج للنساء وتعتمد إبعادهن وتشير إكرام العدناني، الباحثة في المعهد المغربي لتحليل السياسات، إلى أن اعتماد مبدأ الكوطا يهدف أساسا إلى تسهيل ولوج المرأة إلى المجال السياسي، موضحة في ورقة بحثية منشورة لها أن النظرة المعمقة لهذه المشاركة تشير إلى أن هذا النظام لم يحقق هدفه الأساسي. ويعزى ذلك، وفق دراسة أستاذة العلوم السياسية والقانون الدستوري في جامعة ابن زهر بأكادير، إلى كون التمييز الإيجابي لم يسمح ببروز قيادات نسائية تستطيع منافسة الرجال من خارج نظام اللائحة، رغم مرور أربع دورات انتخابية تشريعية (2002، 2007، 2011، 2016)، وهو ما طرح التساؤل حول فاعلية هذا النظام في تغيير الصورة النمطية عن المرأة التي تعتبرها غير قادرة على شغل مناصب اتخاذ القرار. ويصر حقوقيون على ضرورة تفعيل المقتضيات الدستورية الواردة في الفصل 19 والمتعلقة بتفعيل المساواة بين الرجال والنساء عن طريق اعتماد آلية المناصفة في جميع الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية. واعتبرت الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب أن “مجموع التعيينات في المناصب العليا ظلت تعتمد نفس المقاربة التقليدية التي تكرس الإقصاء الممنهج للنساء، خاصة أن النتائج والأرقام المتحصل عليها لغاية اليوم توضح أننا لا نراوح مكاننا في ما يخص تعزيز تمثيلية النساء في المناصب العليا”. ويرى خبراء التنمية أن المرأة شريك للرجل في عدد من قضايا الأسرة والمجتمع وعلى كافة المستويات، وإن بدرجات مختلفة، ومكانتها أقرها الدستور في القطاعات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية، وخصوصا أنها أثبتت جدارتها في عدد من المواقع التي وصلتها والمناصب التي تقلدتها. فهل تحتاج المرأة إلى المزيد من المكابدة لأجل توسيع نطاق مشاركتها في صُنع القرار؟ ووفق بنحمو “تحتاج المرأة المغربية إلى المزيد من النضال والكفاح، أولا للحفاظ على المكتسبات، ثم للسعي إلى تحقيق المزيد من الانتصارات، فالآن وبعد مضي عشر سنوات على دستور 2011 ما زلنا ننتظر إخراج هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز ضد المرأة”. وما زال هم المنظمات النسائية والحقوقية تفعيل كل الاتفاقيات الدولية التي التزم بها المغرب وكل النصوص التي جاء بها الدستور لأجل العمل على تحقيق مبدأ المناصفة والمساواة، والذي يؤكد على المساواة بين كل المواطنات والمواطنين في الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
مشاركة :