ابتعدت أنظار العالم لبضعة أيام عن تطورات جائحة كوفيد-19 وأنواع اللقاحات التي يجب أن نأخذها، والسبب التقرير المرتقب من قبل البنتاجون والذي يزعم أنه سيجيب عن السؤال الأبدي، هل هناك كائنات فضائية دخلت سماءنا؟ وهل ما نشاهده من فيديوهات ونسمعه من حكايات له جذرٌ في الحقيقة؟ لم يصدر التقرير بعد، لكن للمرة الأولى أُخِذ أمر الكائنات الفضائية ووجودها على محمل الجد. وأفردت وسائل الإعلام الجديّة في الولايات المتحدة مساحة كبيرة لمناقشة الموضوع بعد أن كان حكرًا على أصحاب نظريات المؤامرة، ونكات باراك أوباما في برامج الليل المتأخر. بلغ الأمر هذه الجديّة بعد أن تسرب العديد من الفيديوهات من وزارة الدفاع ظهرت فيها أجسام غامضة أثناء مناورات جويّة. وقبل ذلك لا ننسى محاولة الكثيرين اقتحام المنطقة 51 التي تحيط بها الكثير من النظريات، أشهرها أنها محط مركبة فضائية أو مساحة سريّة يجرى فيها تشريح الكائنات الفضائية. وكل هذا بالطبع لا دليل عليه، وحتى حين تحدّث بعض من اطلعوا على التقرير، كان الجواب باختصار أن لا دليل على وجود كائنات فضائية أو مركبات غير محددة الهوية تجول في سمائنا. ولكن الأكيد أن المنطقة 51 تبقى هي الأكثر سرية وتكنولوجية تقدمًا في العالم! حفزت هذه التغطية الإعلامية والجدية المؤمنين بنظرية المؤامرة، وازدادت شكوكهم واتهموا التقرير بأنه محاولة لتغطية «الحقيقة» وإسكات أصوات المطالبين بها لفترة وجيزة: لكن سنعيد طرح السؤال مرة أخرى، ذاك الذي يتردد لدى الكثيرين: لِمَ تظهر هذه النظريات في الولايات المتحدة فقط؟ ولِمَ نظريات الكائنات الفضائية التي تحيط بالمنطقة العربية تنتمي إلى عصور قديمة في حين أن الولايات المتحدة تشهد هذه الزيارات منذ الستينيات، والتي للمصادفة كانت مرحلة أوج الحرب الباردة وسباق التسلح الفضائي؟ لن ندخل في السخرية ومحاولات التهكم، لكن وبالرغم من توافر كل نظريات المؤامرة والفيديوهات والوثائقيات التي تحاول أن تثبت وجود الكائنات الفضائيّة، إلا أن الأمر غير مقنع. هناك دومًا ما يثير الريبة، أشبه بمسرحية ساخرة لا يمكن تصديق أدوار من يلعبونها، وهذا ما يختلف عن محتوى التقرير المرتقب الذي يناقش المشاهدات والتسجيلات العسكرية بصورة كبيرة، أي تلك التي لم يلتقطها هواة. كل الدلائل والصور والتسجيلات دقتها غير واضحة، بل تبدو في أكثر الأحيان ككيس بلاستيكي يطفو في السماء، أو نجم ساقط بسرعة، أي هناك احتمالات هائلة العدد لتفسير رؤية شيء طائر في السماء، وفي أدنى القائمة، يوجد احتمال الكائنات الفضائية، أما لم التركيز عليه، فلا نمتلك ما يكفي من المعلومات لتفسير إيمان فئة محددة بهذا الاحتمال ورفض غيره. لا نظن أن التقرير سيجيب عن أسئلة «الباحثين عن الحقيقة»، خصوصًا أن اللغة الجديّة والتي لا تحاول النفي والتأكيد والتي سيحتويها التقرير، تختلف عن الميوعة والأحكام المبالغ بها والظنون الشخصية التي يقدمها المؤمنون بالكائنات الفضائية. أما جواب «لا يوجد ما هو حاسم» المتوقع وجوده في التقرير، فيواجه منذ الآن بالانتقادات والسخرية والاتهامات التي تقول إن الحكومة الأمريكية خائفة من كشف الحقيقة. هذا التشكيك يظهر حتى في برنامج «60 دقيقة»، إذ صرّح طيار سابق في سلاح البحرية بأنه كان يشاهد أجسامًا طائرة غير محددة الأصل بشكل يومي، والمشكلة أن هذه الشهادات حين نقابلها بالسخرية أو التشكيك في قدرة العين البشرية والجسد البشري نتهم بالمبالغة، لكن أيضًا غياب الدليل يدفعنا للتشكيك في هؤلاء الفضائيين أنفسهم، ولن نتحدث عن سبب اختيارهم الولايات المتحدة، لكن لِمَ يدخلون ويخرجون من كوكبنا متسللين؟ هل نحن أقوى منهم؟ والأهم، لم لا يعلنون بوضوح عن وجودهم؟ ولم يتركون المهمة لأشخاص مهددي المصداقية وذوي حكايات متشابهة تبدو كأنها مقتبسة من الأفلام أو الحكايات الدينية؟ لا إجابة واضحة، وكل ما هو متوافر من معلومات يتحرك بين التشكيك والإدانة أو السخرية، لكن وإن كان فعلاً هناك كائنات فضائيّة وإن كانت متفوقة علينا جسديًا وعقليًا، فلم الاختفاء وإغاظة الناس، لأن المرعب في الأمر أن يكونوا كائنات ساخرة ومتهكمة، تراقبنا من أعلى وتضحك على محاولاتنا الفاشلة لاستكشاف الفضاء. أما المنطقة 51 فهي الاسم المستعار للقاعدة العسكرية الواقعة في الجزء الجنوبي من ولاية نيفادا في غرب الولايات المتحدة (83 ميلا إلى الشمال الغربي من وسط مدينة لاس فيجاس). ويقع في وسطها على الشاطئ الجنوبي من بحيرة الجرووم مطار عسكري سري ضخم. والهدف الأساسي لبناء هذه القاعدة هو دعم تطوير واختبار الطائرات التجريبية ونظم الأسلحة. تقع القاعدة داخل نطاق القوات الجوية للولايات المتحدة في قاعدة نيفادا للتجارب والتدريب، وتشمل الاسماء الأخرى المستخدمة للمرفق «دريم لاند»، «مزرعة الجنة»، «قاعدة البداية»، «شريط واترتاون»، «بحيرة جرووم»، ومؤخرا «المطار المنزلي». تعد هذه المنطقة جزءًا من منطقة العمليات العسكرية بنيليس، المعروفة من قبل الطيارين العسكريين بأنها منطقة «الصندوق». وكان لدرجة السرية الشديدة التي تحيط بالقاعدة ووجودها على النحو الذي تعترف به حكومة الولايات المتحدة على نحو هزيل، وكان الاعتراف الرسمي بها في 2013 مما جعل مواضيع أخرى لقصص نظريات المؤامرة تتداول وتستمر كعنصر محوري لشيء طائر مجهول (UFO) الفولكلور. ولكن هل ستغير التكنولوجيا المستخدمة في هذه المنطقة وجه العالم خلال السنوات المقبلة؟!
مشاركة :