وسط تحديات كبرى وملفات ساخنة وتحديات إرهابية وسياسية واقتصادية وصحية، جاءت "قمة بغداد" بين قادة مصر والعراق والأردن.. ولهذه القمة خصوصيتها، كونها تنعقد في ظروف حرجة، وتوافق القادة على التعاون والتنسيق المشترك والتكامل الاستراتيجي بين بلدانهم، في ضوء "الكتلة البشرية الضخمة لمصر، الثروة النفطة الهائلة التي يمتلكها العراق، وتنضم لهما الأردن بحكم موقعها الجغرافي الذي يربط العراق بمصر". وشهدت العلاقات بين مصر والعراق والأردن تطورا كبيرا في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهو ما يفتح باب الآمال واسعا أمام تحقيق قمة بغداد لأهدافها لنهضة الدول الثلاث ووضع إستراتيجية عربية موحدة اقتصاديا وسياسيا، فضلا عن نقل التجربة المصرية الناجحة في المشروعات التنموية والإصلاحات الاقتصادية ومكافحة الإرهاب والتطرف للدول العربية. وزادت الزيارات المتبادلة بين كبار المسئولين بالدول الثلاث بشكل كبير، حيث تساهم مصر بدور كبير في إعمار العراق، فضلا عن دعم مصر للأردن في مختلف المجالات وارتقت العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الدول الثلاث التي تنظمها عدد من الاتفاقيات والبروتوكولات بشكل كبير وهي تعمل على تسهيل حركة التبادل التجاري وتحرير كل السلع المتبادلة ذات المنشأ الوطني من القيود الجمركية وغير الجمركية المفروضة عليها. وارتفع التبادل التجاري بين مصر والعراق من 800 مليون دولار عام 2015 إلى 1.650 مليار دولار خلال عام 2018، وبلغ حجم التجارة بين مصر والعراق خلال عام 2019، نحو 486 مليون دولار، منها 479 مليون دولار صادرات مصرية و7 ملايين دولار واردات من العراق ويميل الميزان التجاري بين العراق ومصر لصالح الجانب المصري، حيث حقق فائضًا خلال الفترة من عام 2005 وحتى أغسطس 2010، وتستحوذ الأردن والعراق على 1.3% من إجمالي تجارة مصر مع دول العالم خلال الثلاثة أشهر الأولى من العام الجاري البالغة نحو 27.937 مليار دولار، وبلغت قيمة التجارة بين مصر والعراق نحو 126.167 مليون دولار خلال الربع الأول 2021 في مقابل 222.751 مليون دولار خلال نفس الربع من 2020 بتراجع 43.4%، لتستحوذ على 0.45% من إجمالي تجارة مصر مع دول العالم، وشهدت قيمة التجارة بين مصر والأردن ارتفاعا بنسبة 18% لتسجل نحو 228.147 مليون دولار خلال الربع الأول 2021 في مقابل 193.416 مليون دولار خلال نفس الربع من 2020، لتستحوذ على 0.8% من إجمالي تجارة مصر مع دول العالم، كما ارتفعت خلال مارس بنسبة 24.3% لتبلغ 66.324 مليون دولار في مقابل 53.334 مليون دولار. وكشف لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي، في العاصمة العراقية بغداد، مع برهم صالح، رئيس جمهورية العراق عن العلاقات الوثيقة والتاريخية التي تجمع البلدين الشقيقين على المستويين الرسمي والشعبي، فضلا عن التكامل الاقتصادي والتعاون الاستراتيجي في ظل التحديات الكبيرة، التي تمر بها المنطقة، والأزمات الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن جائحة كورونا. ويمكن للعراق والأردن الاستفادة من التجربة المصرية الناجحة في تنفيذ المشروعات التنموية والإصلاحات الاقتصادية الشاملة، فضلًا عن الاطلاع على الجهود المصرية الحثيثة في مكافحة الإرهاب والتطرف. وجاءت قمة الرئيس السيسي مع مصطفى الكاظمي، رئيس الوزراء العراقي، والملك عبدالله الثاني، ملك الأردن، في إطار الجولة الرابعة لآلية التعاون الثلاثي التي انطلقت بالقاهرة في مارس 2019. والزيارة التاريخية للسيسي إلى بغداد، هي أول زيارة لرئيس مصري للعراق منذ 30 عاما، وتأتي انعكاسا لتوجهات الرئيس إلى تقوية ودعم العلاقات المصرية العربية بشكل عام ومع العراق والاردن بشكل خاص، وحرص القاهرة على دعم هذه العلاقات وتطويرها نحو أفاق أرحب. كما أن العلاقات الاقتصادية العراقية الأردنية متميزة حيث ترتبط العراق مع الأردن باتفاقية للتعاون الاقتصادي والفني والتي تم التوقيع عليها عام 1980، وتم خلال العام 2009 التوقيع على اتفاقية إقامة منطقة تجارة حرة مع الأردن وتمت المصدقة عليها عام 2013، ويبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ 4 ملايين دولار عام 2020، وهناك خطة لرفع حجم التبادل التجاري بين العراق والأردن في القريب العاجل ليصل إلى مليار دولار ثم 5 مليارات دولار، فيما يرتبط العراق مع مصر باتفاقية للتعاون الاقتصادي والاجتماعي والعلمي والفني موقعة في القاهرة عام 1980، وتم التوقيع على 15 مذكرة تفاهم في مختلف القطاعات، ويبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 386 مليون دولار أمريكي خلال العام 2020. وتعمل القمة على زيادة وتطوير العلاقات المشتركة بين الدول الثلاث من خلال زيادة حجم التبادل التجاري والاستثمارات وتذليل العقبات المساهمة في الفرص الاستثمارية المتاحة وتوسيع إقامة المعارض الدولية والمتخصصة وتكثيف اللقاءات والمؤتمرات وتنظيم الزيارات الميدانية وتوقيع مذكرات التفاهم وبرامج العمل المشترك وكذلك تفعيل دور مجالس الأعمال المشاركة الحقيقية في الفرص الاستثمارية المتاحة وتبادل الوفود التجارية المتخصصة بين البلدان الثلاثة لغرض تعزيز التعاون التجاري بينهم الاستفادة من تجارب مصر في تنفيذ المشاريع العملاقة التي أدت إلى النهوض بالاقتصاد وخلقت فرص عمل للعاطلين وإنشاء مناطق اقتصادية مشتركة ومراكز لوجستية ومناطق صناعية، وتصدر مصر للعراق عدة سلع ومنتجات منها الأثاث وغزل القطن وعجائن ومحضرات غذائية متنوعة وأدوية ومحضرات صيدلة وزيوت ودهون نباتية وحيوانية وحديد وسيلكون وبصل مجفف وصابون ومحضرات تنظيف وبلاط وأدوات صحية خزفية وحاصلات الزراعية (خضر وفاكهة) ولدائن بأشكالها الأولية وملابس جاهزة ومنتجات بترول وكربون، واستوردت العراق 3% من إجمالى الصادرات الزراعية المصرية، وذلك في الفترة من سبتمبر 2018 حتى نهاية يونيو 2019. ومن المتوقع تيسير التجارة وزيادة حجم التبادلات التجارية بين الدول الثلاث، وتعزيز التكامل والتعاون في مجال الطاقة (أنبوب النفط، الربط الكهربائي)، وبناء تكامل صناعي بين الدول الثلاث، وتعزيز وتطوير المناطق الصناعية المشتركة من خلال التعاون في مجال تطوير المشاريع الصغيرة والمتوسطة ودعم الابتكار وريادة الأعمال وتوسيع الشراكات الإستراتيجية المتعددة والربط النقل البري بين البلدان الثلاثة واقامة مدن صناعية مشتركة بما يتيح فرصا جديدة للاستثمار والازدهار الاقتصادي. وتعزز القمة مصالح الشعوب العربية بشكل عام وشعوب مصر والاردن والعراق بشكل خاص والتعاون والتنسيق في المجالات الاقتصادية والسياسية لتحقيق إستراتيجية واضحة تحقق التكامل بين الدول العربية لاسيما في الجانب الاقتصادي. وجاء البيان الختامي لقمة بغداد، ليؤكد ما ذهبنا إليه من دعم قادة العراق والأردن لموقف مصر والسودان في قضية سد النهضة والتنسيق الأمني والاستخباري لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، إضافة إلى تعزيز وتكامل الجهود المشتركة بين العراق ومصر والأردن في المجالات كافة والاتفاق على تعزيز مشروع الربط الكهربائي وتبادل الطاقة الكهربائية بين الدول الثلاث، بالإضافة إلى التمسك بمبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول، ودعم جهود الأمم المتحدة للتوصل إلى حل سياسي في اليمن،والتأكيد على ضرورة خروج القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا، ودعم جهود الحكومة العراقية في ترسيخ الأمن ومنع التدخل في شئونه الداخلية، وكذا دعم استعدادات الحكومة العراقية في التهيئة للانتخابات البرلمانية المقبلة والإشادة بجهود الحكومة العراقية في محاربة الإرهاب وتصديها لتنظيم داعش، بالإضافة إلى الإشادة بالجهود الدبلوماسية لحكومة الكاظمي في تدعيم الأمن والاستقرار الإقليمي.
مشاركة :