من المعلوم أن الفكر الدينى للإخوان المسلمين الجماعة الإرهابية المحظورة لم يكن وليد اليوم وإنما هو ممتد عبر تاريخ طويل من إعلان ظهورها على يد حسن البنا في مارس عام 1928 ومع ظهور الإنترنت وتقدم وسائل الاتصال الحديثة بزغ نجمهم للتواصل مع الناس عن طريق الغش والخداع في استغلال الدين لدى البسطاء في المساجد والماّذن المنتشرة في ربوع مصر مع تمركز نشاطها في القرى والأرياف حيث تظهر العادات والتقاليد والتمسك بأهداب الدين. وعلى جانب أخر هناك قضاة لم تولدهم الصدفة أو تحركهم عوامل الثورات وتغيير الأنظمة الحاكمة وإنما هم مؤمنون بحكم فطرتهم بوطنهم وقيمة ترابه، ويدركون منذ زمن بعيد خطورة الفكر الدينى لهذه الجماعة المارقة واستخدامها لسلاح المساجد والزوايا للتأثير على البسطاء خاصة مع بداية الألفية الجديدة، حيث تزايد الحاجة إلى وسائل التواصل الاجتماعي بكافة أشكالها للتأثير على جماهير روادها، وبرزت ذروتها في اعتلاء الإخوان المشهد لثورة الشباب في 25 يناير 2011، ورغم ذلك كان أمثال هؤلاء القضاة موقنون بزوال هذه الجماعة المارقة حتى في ظل حكمهم في عامهم الأسود على تاريخ مصر، ومن بين هؤلاء القضاة الذين واجهوا الفكر الدينى للإخوان لإنهاء سيطرتهم على المساجد والزوايا حتى في أوج حكمهم هو القاضى الجليل الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة. وقد أصدرت محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية الدائرة الأولى بالبحيرة برئاسة القاضي الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة، 5 أحكام قضائية برفض سيطرة جماعة الإخوان الإرهابية على 150 مسجدًا و78 زاوية في العديد من القرى بمحافظة البحيرة معقل بعض قيادتها، وإنهاء إشرافهم عليها بغير رجعة وضمها إلى الإشراف المباشر من الدولة عن طريق مؤسساتها الدينية متمثلة في وزارة الأوقاف عبر تاريخها الطويل، وأصبحت هذه الأحكام نهائية وباتة بعدم الطعن عليها أمام المحكمة الإدارية العليا بعد استخراج خمسة شهادات بعدم حصول الطعن عليها. وقالت المحكمة برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة أنه في سبيل تفكيك الفكر الإخوانى والتيارات الدينية المتشددة للسيطرة على المساجد والزوايا الذي بلغ ذروته عام 2010 وأثمر عن سيطرتهم عليها للتأثير على البسطاء واستغلالهم الدين لاستقطاب الفقراء بعد ثورة 25 يناير 2011 حتى قيام ثورة الشعب في 30 يونيو 2013 للخلاص من الاستغلال الدينى في السياسة، أنهم استغلوا المساجد والزوايا في تحقيق أهدافهم السياسية وجاءت ثورة 30 يونيو أنقذت مصر من فاشية دينية تابعت: الدولة المصرية في قيادتها العليا إدراكا منها لرسالتها قامت بدعم التوجيه الدينى في البلاد على وجه محكم، وتأكيدا لمسئولياتها في التعليم والإرشاد وما يتطلبه ذلك من وضع مبادئ عامة لجميع المساجد والزوايا في المدن والقرى تستهدف نقاء المادة العلمية وسلامة الوجهة التى يعمل بها الخطباء والمدرسون، بما يحفظ للتوجيه الدينى أثره، ويبقى للمساجد الثقة في رسالتها. وأضافت المحكمة أنه قد تلاحظ لديها وهى تسطر أحكامها أن عددا كبيرًا من المساجد والزوايا كانت تسيطر عليه جماعة الإخوان وأتباعهم من التيارات المختلفة متخذة من التطرف والتشدد والعنف نهجًا ومن كراهية فكرة الدولة وسلطاتها سبيلًا، دون خضوعها لإشراف الدولة خلال تلك الحقب، وهذه المساجد يسيطر عليها الارتجال ويترك شأنها لاستغلال الدين في الظروف السياسية ولا يوجد بها من يحمل مسئولية التعليم والإرشاد من المتخصصين في علوم الدين ولما كان بقاء هذه الحال قد ينقص من قيمة التوجيه الدينى ويضعف الثقة برسالة المساجد، ويفسح الطريق لشتى البدع والخرافات التى تمس كيان الوطن واستقراره، خصوصًا وأن ما يقال فوق منابر المساجد إنما يقال باسم الله، لذلك فإن الأمر يقتضى وضع نظام صارم للإشراف على هذه المساجد والزوايا من جانب وزارة الأوقاف وهى إحدى المؤسسات الدينية في الدولة بحيث يكفل تحقيق الأغراض العليا من التعليم الدينى العام وتوجيه النشئ وحمايتهم من كل تفكير دخيل أو جهيل على الدين الوسطى المستنير. وأوضحت المحكمة أن الإشراف الكامل للدولة على إدارة جميع المساجد والزوايا لتؤدى رسالتها الدينية على الوجه الصحيح، في المدن والقرى هو ما يكفل تحقيق الأغراض العليا للتعليم الدينى العام وتوجيه النشئ وحمايتهم من كل تفكير قائم على العنف معتد أثيم، ويقضى على مظاهر التطرف والعنف التى تنال من الفطرة السليمة للإسلام الوسطى الحنيف ويحمى الناس من الشرور والاَثام، وبحسبان أن المسجد متى أقيم وأذن للناس بالصلاة فيه يخرج عن ملك البشر ويصبح في حكم ملك الله سبحانه وتعالى، ويقوم بالإشراف عليه حاكم البلاد. واختتمت المحكمة أنه لا عبرة لما قاله المدعون من أنهم الذين أقاموا هذه المساجد والزوايا من مالهم الشخصى وأنهم لم يتنازلوا عن الأراضي المقامة عليها تلك المساجد والزاويا للدولة، فذلك القول مردود بأن المساجد والزوايا أصبحت في حكم ملك الله تعالى ولا يمكن أن تعود إلى ملك بانيها، فضلًا عن أن الأمة قد أجمعت على أن بقعة الأرض إذا عينت للصلاة بالقول خرجت بذلك عن جملة الأملاك المختصة بصاحبها وصارت عامة لجميع، وبهذه المثابة فإنه في ضوء الفقه والفكر الإسلامى فإن المكان تثبت له شرعا المسجدية بالقول بتخصيصه مسجدًا أو بالفعل بأداء فرائض الصلاة فيه ويعد مسجدًا – والزاوية تأخذ ذات الحكم - من هذا الوقت في حكم ملك الله تعالى ولا ترد عليه تصرفات بانيه.
مشاركة :