قالت مجلة "ذا ديبلومات" إن هناك حالة من عدم اليقين تتمثل فيما إذا كانت الصين ستتقدم أخيرا لتولي مسؤوليتها تجاه أفغانستان والوفاء بوعودها الأمنية المتكررة، لاسيما في ظل الصورة المؤكدة بأن الصين هي القوة الصاعدة في آسيا الوسطى حاليا. جاء ذلك في تقرير لمجلة "ذا ديبلومات" ، المتخصصة في شؤون منطقة آسيا-المحيط الهادئ، سلطت خلاله الضوء على التحديات التي تنتظر الصين في أفغانستان في أعقاب الانسحاب المزمع للقوات الأمريكية من هناك بحلول 11 سبتمبر المقبل، فضلا عن تغير السياسة في آسيا الوسطى منذ أن أخلت الولايات المتحدة قاعدة "مناس" الجوية في قيرغيزستان عام 2014. ولفتت المجلة إلى أن سحب القوات الأمريكية من أفغانستان يجري بالفعل ومن المقرر أن يكتمل بحلول 11 سبتمبر 2021، وفي الأيام الأولى للحرب على الإرهاب، كانت القواعد العسكرية الأمريكية في آسيا الوسطى مركزية للتعبئة في أفغانستان، لكن الضغط الإقليمي أدى إلى إغلاقها، فيما تنتشر روايات مفادها أن الولايات المتحدة سترغب في الاحتفاظ ببعض التواجد الكبير في المنطقة بعد الانسحاب، لكن الغموض مازال يكتنف هذا الأمر. ورجحت مجلة "ذا ديبلومات"، ومقرها واشنطن، احتمالية عدم قيام روسيا بلعب دور في هذا الأمر، وتحديدا ملء الفراغ العسكري الأمريكي، مشيرة إلى أنها تفضل الاستمرار في لعب دور داعم بحيث تخدم مصالحها الخاصة، ورغم ما يتردد بأن الولايات المتحدة ترغب في الاستمرار في المشاركة في أفغانستان، إلا أنه من الواضح أنها تركز على إحياء مفهوم طريق الحرير الذي يربط آسيا الوسطى بجنوب آسيا عبر أفغانستان، إلى جانب تعزيز قدرات مكافحة الإرهاب لقوات الأمن الأفغانية. وأشارت المجلة إلى أن السياسة في آسيا الوسطى تغيرت منذ أن أخلت الولايات المتحدة الأمريكية قاعدة "ماناس" الجوية في قيرغيزستان في عام 2014، وكان الخطاب السائد حينها، هو: كيف ستملأ موسكو الفراغ الأمني الناجم عن هذا الانسحاب؟. ومع ذلك، فإن رواية السنوات السبع الفاصلة، وفقا للمجلة، لم تكن عن الهيمنة الروسية، بل عن التوسع الصيني من السياسة إلى الأمن واللغة والاقتصاد، لتصبح الصين القوة الصاعدة في منطقة آسيا الوسطى. ولفتت مجلة "ذا ديبلومات" إلى أن الصين استضافت في 12 مايو الماضي، ثاني محادثات لوزراء خارجية الصين وآسيا الوسطى (C5+1) في شيان، حيث كان وزراء خارجية آسيا الوسطى الخمسة أول مجموعة من المسؤولين الأجانب الذين تمت دعوتهم إلى الصين منذ بدء تفشي وباء كوورنا المستجد /كوفيد-19/، مما يؤكد نمو العلاقات السياسية بين الصين ودول آسيا الوسطى بشكل كبير في العقد الماضي. وأفادت المجلة بأن أفغانستان كانت موضوعا واضحا للنقاش، فدول آسيا الوسطى تخشى من احتمال امتداد الصراع وتبحث عن ضمان أمني من داخل أفغانستان، فضلا عن القوى الكبرى الأخرى في المنطقة. وأشارت إلى أنه في حين تحث الصين على انسحاب القوات الأمريكية و"المضي قدمًا بطريقة منظمة ومسؤولة لتجنب عودة ظهور القوات الإرهابية"، فإن الصين (مثل روسيا) لا ترغب في رؤية عودة القواعد الأمريكية في آسيا الوسطى.. ومع ذلك، في الوقت نفسه، فشلت بكين في تقديم خطط أمنية ملموسة لدعم جيرانها على الأطراف الغربية في حالة تصاعد عدم الاستقرار في أفغانستان.. فالبيان المشترك بشأن أفغانستان الذي صدر في نهاية اجتماع (C5+1) الصيني "أغفل الكثير من التفاصيل"، حسب وصف المجلة. وأبرزت "ذا ديبلومات" الدور الذي قامت به الصين في أفغانستان خلال الأعوام القليلة الماضية، فقد فتحت الصين عددا من القنوات الدبلوماسية متعددة الأطراف حول أفغانستان، وشاركت في محادثات إقليمية، وعملت مع الولايات المتحدة وباكستان لإحضار طالبان إلى طاولة المفاوضات، ودفعت مرارا (وإن كان دون جدوى) لقيام منظمة شنغهاي للتعاون (SCO) بفعل المزيد بشأن أفغانستان.. وقدمت الصين بعض الدعم المحدود لقوات الحدود الأفغانية والطاجيكية والباكستانية، وبنت قاعدتها الخاصة في طاجيكستان، لكن هذه الجهود تركز بعقلية واحدة على المخاوف الحدودية الصينية. ووفقا للمجلة فالقصة متشابهة في الجانب الاقتصادي، فقد قامت الصين بتوسيع نطاق الإجراءات للحث على الحوافز الاقتصادية من أجل السلام في أفغانستان، وهو الأمر الذي طرحه صناع السياسة الصينيون باعتباره أنسب مساهمة يمكن أن تقدمها الصين.. وجرى تشكيل لجنة اقتصادية وتجارية ثنائية في عام 2015, وافتتحت رحلات شحن مباشرة بين أفغانستان والصين في أواخر عام 2018. كما تم - عقب بناء خط قطار مزار الشريف إلى حيراتان - افتتاح ممر قطار البضائع بين الصين وأفغانستان في صيف 2019، عبر أوزبكستان وكازاخستان. وأضافت أن التجارة الثنائية بين الصين وأفغانستان تضاعفت من 338 مليون دولار في عام 2013 إلى 629 مليون دولار في عام 2019، وفقا لبيانات من الجمارك الصينية.. وتحدثت بكين مرارا وتكرارا عن إدخال أفغانستان في رؤية السياسة الخارجية لمبادرة الحزام والطريق، لزيادة التواصل الأفغاني مع آسيا الوسطى والصين وباكستان. وأفادت مجلة "ذا ديبلومات" بأن على الرغم مما سبق إلا أن الصين قامت بالقليل تجاه أفغانستان، وتشمل أحدث وعود بكين المساهمات الأمنية المبلغ عنها للمساعدة في جهود مكافحة الإرهاب، لكن ليس من الواضح كيف ستبدو هذه المساهمات. أما اقتصاديا، بحسب المجلة، فقد نمت حصة الصين في أفغانستان، لكنها فشلت في تنفيذ مشروع الاستخراج الضخم في (Mes Aynak) التي وقعت شركاتها عقودا لها في عام 2007، كما تم تعليق مشروع شركة البترول الوطنية الصينية (CNPC) في شمال أفغانستان.. ولم ترق بكين إلى مستوى إمكاناتها الاقتصادية في البلاد حتى الآن. ووفقا للمجلة، فبالنظر إلى علاقاتها مع الفصائل في الحكومة الأفغانية، فإن محلليها على يقين بنفس القدر من احتمال عودة بعض عناصر طالبان إلى السلطة.. وفي حين يعكس هذا الارتباك جزئيا التعقيد المحير لساحة المعركة الأفغانية، لكنه يسلط الضوء أيضا على التنافر داخل التخطيط الحالي، كما يظهر البعد الذي يمكن أن تنهار فيه استراتيجية الصين في أفغانستان ما بعد أمريكا.. فمع وجود واشنطن، يمكن لبكين إلى حد كبير إلقاء اللوم والمسؤولية على الولايات المتحدة عن أي شيء يحدث.. لكن بمجرد رحيل الولايات المتحدة، قد يمكن وضع هذا العذر في الاعتبار لكنه سيفتقر إلى الاستخدام الملموس على الأرض. وأكدت "ذا ديبلومات" أنه بينما قد تكون الصين قادرة على ضمان معالجة مخاوفها الأمنية، فإن جيرانها في آسيا الوسطى يتوقعون منها استخدام ثقلها ونفوذها للعب دور أكثر أهمية في استقرار الوضع.. فلا أحد يتوقع أن تحل الصين محل الولايات المتحدة من الناحية العسكرية، لكن آسيا الوسطى قد تأمل أن تلعب بكين دورا أكثر تقدما وأهمية في أفغانستان - وهو دور يساعد بالفعل في استقرار وتهدئة الوضع - بدلا من التحوط والمراقبة أثناء الانهيار.
مشاركة :