لم تردع الغارات الجوية التي تنفذها طائرات التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب في سوريا، والطائرات الروسية على حد سواء، «داعش» أو تمنعه من التمدد في ريف محافظة حلب الشمالي بشمال البلاد، حيث وسّع التنظيم، لأول مرة منذ أشهر، نطاق سيطرته واختار «مناطق رخوة» تسيطر عليها المعارضة، مما دفعها للانسحاب «التكتيكي» منها، كما يقول معارضون سوريون. التنظيم المتشدد خاض معاركه أمس على جبهتين متوازيتين في شمال مدينة حلب وشرقها، في منطقة لا تتعدى المسافة فيها الـ15 كيلومترًا، ولقد أسفرت مواجهاته مع قوات النظام السوري والقوات الإيرانية الحليفة لها قرب مطار كويرس العسكري إلى الشرق من حلب، عن مقتل الجنرال الإيراني حسين همداني، الذي بات أرفع مسؤول في «الحرس الثوري الإيراني» رتبة يُقتل في سوريا، وذلك منذ حشد طهران قوات إيرانية مقاتلة ادعت أنها عبارة فقط عن «خبراء»، يقدمون الدعم اللوجيستي والاستشارة العسكرية، للقوات النظامية وحلفائها. «مقتل همداني يحمل ثلاثة مؤشرات عن دور إيران في الحرب السورية»، كما قال المستشار القانوني للجيش السوري الحر أسامة أبو زيد لـ«الشرق الأوسط»، موضحًا «أولها أن مقتل ضابط يحمل هذه الرتبة يكشف الكثير من الحقائق التي كان البعض يتجاهلها عن دور إيران في سوريا، كون وجود شخصية بهذا المستوى، يستدعي بالتأكيد وجود ضباط برتب أدنى في الميدان يعملون تحت إشرافه، وهو مؤشر على أن العملية العسكرية في سوريا تديرها طهران». وتابع أبو زيد: «أما المؤشر الثاني، فيتمثل في منافسة روسية - إيرانية على النفوذ في سوريا، ودخول طهران في حالة سباق مع موسكو، كون إيران لم تسلّم الأمر للروسي، وكل منهما له قطاعه ومنطقته. بينما يتمثّل المؤشر الثالث في رسم شكوك حول دوره في المعركة، التي لا تقتصر على (داعش) كما تدّعي طهران، بالنظر إلى أن السيطرة على مدينة حلب، الخاضع جزء منها لسيطرة قوات المعارضة، يعدّ أولوية لنظام (الرئيس السوري) بشار الأسد». وأشار أبو زيد إلى أن «مطار كويرس لا يشكل أولوية بالنسبة للنظام، كون هناك مطارات أهم بينها «تي فور» في ريف حمص الشرقي ومطار دير الزور، وعليه يُسأل فعلاً لماذا لم يكن نطاق عمليات همداني في هذين المطارين اللذين يتعرضان لهجمات من (داعش)». وفي الشأن نفسه، التقت تأكيدات المعارضة السورية، مع وسائل الإعلام الإيرانية، حول مقتل العميد همداني، إذ أعلنت وكالة «فارس» الإيرانية، مقتل «القائد في حرس الثورة الإسلامية ليلة الخميس في ضواحي مدينة حلب شمال سوريا»، قائلة إنه «أحد القادة الأوائل لقوات حرس الثورة الإسلامية إبان الحرب المفروضة ومن مؤسسي قوات حرس الثورة في (مدينة) همدان»، ومشيرة إلى أنه «تولى لفترة قيادة الفرقة 27 محمد رسول الله (ص)». وأشارت الوكالة إلى أنه «عاد لتولي قيادة الفرقة بعد أن تحولت إلى فيلق محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)». كذلك أفادت إدارة العلاقات العامة لـ«الحرس الثوري الإيراني» أن حسين همداني «(استشهد) على يد عناصر تنظيم داعش الإرهابي في ضواحي مدينة حلب شمال سوريا»، وأنه «لعب دورا مصيريا في الذود عن مرقد السيدة زينب وتقديم الدعم لجبهة المقاومة الإسلامية في حربها ضد الإرهابيين في سوريا». ويعد العميد حسين همداني، أحد كبار القادة في الحرس الثوري الإيراني، وكان يشغل قبل مقتله منصب نائب القائد العام للحرس، وهو «أحد القادة الأوائل لقوات حرس الثورة الإسلامية إبان الحرب المفروضة ومن مؤسسي قوات حرس الثورة في همدان». وبحسب وكالة «إرنا» الرسمية الإيرانية، فإنه يعد من أكبر المستشارين العسكريين الإيرانيين في سوريا، ونال شارتي «فتح» من المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي «لتوجيهه وقيادته الناجحة للفرق التي تحت إمرته خلال فترة الحرب المفروضة»، علمًا أن اسم همداني كان مدرجًا على قائمة الحظر الأوروبي. من جهة ثانية، ذكر «المرصد السوري لحقوق الإنسان» في هذا السياق أن «الجنرال الإيراني حسين همداني الذي قتل مع مجموعة من مرافقيه لدى استهدافهم من قبل تنظيم داعش بالقرب من مطار كويرس العسكري بريف حلب الشرقي، كان المشرف على عملية فك الحصار عن مطار كويرس العسكري الذي يحاصره التنظيم». يذكر أن قوات النظام السوري والقوات الحليفة لها، كانت قد بدأت في أواخر الشهر الماضي عملية عسكرية لاستعادة السيطرة على مطار كويرس والمناطق المحيطة به، حيث يحاصر تنظيم داعش نحو 800 عسكري نظامي منذ أشهر. ولقد قصفت طائرات حربية أمس، مناطق بمحيط المحطة الحرارية جنوب شرقي مدينة حلب، مما أدى لاندلاع نيران في جزء من المحطة، فيما قصف الطيران الحربي مناطق في محيط المطار. وبموازاة معركة مطار كويرس، بسط تنظيم «داعش» أمس سيطرته على بلدة فافين وقرى تل قراح وتل سوسين ومعراته وكفر قارص والمنطقة الحرة وسجن الأحداث ومدرسة المشاة بريف حلب الشمالي، بعد معارك عنيفة مع الكتائب المقاتلة والكتائب الإسلامية. ويعد هذا الهجوم والسيطرة هذه على المناطق السابقة، من أكبر حالات التقدم الميداني التي تمكن التنظيم من تحقيقها في محافظة حلب منذ أشهر. وتزامن هذا التقدم مع تنفيذ طائرات حربية لم يُعلم إذا ما كانت تابعة للتحالف الدولي أم أنها طائرات روسية، صباح أمس، عدة غارات على مناطق في مدينة الباب بريف حلب الشمالي الشرقي التي يسيطر عليها تنظيم داعش، بحسب ما أفاد «المرصد». هذا التقدم ألغى بعض نقاط التماس بين المعارضة والنظام و«داعش»، واستحدث نقاطًا أخرى، بحيث وسع التنظيم المتشدد نقاطه المحيطة بمناطق سيطرة قوات النظام، عبر قضم مناطق تابعة للمعارضة. وجاء هذا التقدم في شمال حلب، بمنطقة «رخوة»، في ظل مرابطة قوات المعارضة في نقاط حاول التنظيم المتقدم منها إلى بلدتي مارع وأعزاز في الريف الشمالي القريب للحدود التركية. وقال عضو المجلس الأعلى لقيادة الثورة السورية ياسر النجار لـ«الشرق الأوسط» إن قوات المعارضة «نفذت انسحابا تكتيكيًا في تل شعير كي لا تقع بين قوات داعش والنظام قرب المنطقة الصناعية الخاضعة لسيطرة النظام، وهو ما دفعنا لاتخاذ قرار بإخلاء المنطقة، والحفاظ على الكادر البشري»، مشيرًا إلى أن المنطقة التي تقدم فيها «داعش» هي مناطق عسكرية شبه خالية من المدنيين، مما سهّل عليه التمدد. وأشار النجار إلى أن «داعش»، يحاول توسعة رقعة سيطرته في الشرق إلى شمال حلب، لمنع استهدافها من قبل طائرات التحالف، كونها توفر له مساحة خالية للانتشار، تصعب فيها ملاحقته، كونه لا يقيم فيها مقرات ولا مخازن أسلحة. ولفت إلى أن «التمدد في هذه المنطقة اختاره (التنظيم) بعدما استحال عليه الوصول إلى مارع، نظرًا لاستبسالنا في الدفاع عنها، فتمدّد جنوبها، مختارًا طريقة أخرى لتشتيت قدرة طائرات التحالف على إنهائه». ولا يخفي النجار أنه يتوقع هجمات أخرى «قد تكون بمحاذاة الشريط الحدودي مع تركيا باتجاه أعزاز، أو العمق نحو ريف شمال حلب، نظرًا لاستحالة وصوله إلى مدينة حلب، ميدانيًا، في ظل سيطرتنا وسيطرة قوات النظام على مواقع تفصل بين المدينة وشرق حلب».
مشاركة :