التوتر المغربي ـ الإسباني وتداعياته على محاربة الإرهاب في الساحل

  • 6/30/2021
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

توالي الضربات الإرهابية في بلدان الساحل أصبح أمراً مقلقاً لدول غرب أفريقيا كما لأوروبا والولايات المتحدة. الهجمات الأخيرة شمال بوركينا فاسو ليلة الرابع والخامس من يونيو (حزيران) 2021، والتي خلَّفت 160 قتيلاً أبانت عن مواطن ضعف كبير في التنسيق المخابراتي المُرافِق لجهود التدخل العسكري، خصوصاً في المثلث الحدودي بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو. القوة المشتركة التي وضعتها دول الساحل الخمس (مالي، النيجر، تشاد، السنغال وموريتانيا) بإيعاز من فرنسا، والتي كان من أهدافها تطهير المثلث الحدودي من العناصر الإرهابية، بقيت من دون تمويل إلى حدود 2021 (فاطمة بنحدو: «لماذا فشلت التحالفات في دحر الإرهاب؟» وكالة «الأناضول»، بالفرنسية، 25 فبراير/ شباط 2021). ضعف التنسيق ومحدودية التدخل الأجنبي وعدم شعبيته (الرأي العام الفرنسي، وكذا في دول الساحل لا ينظر بعين الرضا لعملية «برخان» العسكرية الفرنسية)، وضعف جاهزية القوات المحلية من حيث العتاد والتحفيز والتدبير، أدى إلى خلق مبادرات جديدة مثل «طاكوبا» في أكتوبر (تشرين الأول) 2020، وهي عبارة عن فيلق تدخل سويدي وإيستوني (مدعم من طرف عناصر دنماركية، ونرويجية، وليتوانية، وآيرلندية وهولندية) يقوم بتدريب ومرافقة قوات خاصة محلية تُدَعِّم وتساند القوات الفرنسية والقوات المحلية. قرار الرئيس الفرنسي إنهاء التدخل المباشر عبر «برخان» وتعويضه بنموذج جديد مبني على التدريب والدعم اللوجيستي والمخابراتي، وتقوية شوكة قوات التدخل الخاصة المحلية بتنسيق مع الشركاء الأوروبيين والأميركيين وفي شمال أفريقيا، هو تحول جديد في مقاربة الدول الغربية لتعقيدات الإرهاب في دول الساحل والصحراء. ما يُعَقِّد من عمل شركاء دول الساحل الأوروبيين والأميركيين، على حد سواء، هو انتشار الجماعات المسلحة في مختلف بلدان الساحل، خصوصاً مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وكذا العنف المستمر لجماعة «بوكو حرام» في شمال نيجيريا والكاميرون، وحتى في بعض دول الساحل. يمكن حصر نفوذ الجماعات الإرهابية في جماعتين كبيرتين، هما «جماعة أنصار الإسلام والمسلمين» التابعة لتنظيم «القاعدة» في الغرب الإسلامي، والذي يتزعمها الطوارقي إياد آغ غالي، وهي مجموعة انصهرت داخلها أربع حركات متطرفة وتتوفر على خبرة ميدانية وقوة ضاربة مهمة، و«تنشط» خصوصاً في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وتعتبر، حسب الجنرال مارك كورنيوت، قائد القوات الفرنسية في الساحل، من أخطر ما تواجهه القوات المالية، وكذلك قوى التدخل الفرنسية «برخان» (فرانس 24: «الإرهاب في الساحل: هل باتت دول المنطقة عاجزة أمام الظاهرة؟»، 7 يونيو 2021). الجماعة الأخرى هي «الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى» التي انبثقت من الانشقاق الذي وقع في جماعة «المرابطون» في 2015، والذي أسس بموجبه أبو وليد الصحراوي الجماعة المذكورة. وفور تأسيسها أعلنت ولاءها لتنظيم «داعش». هذه الجماعة حاضرة بكثرة في مثلث الحدود بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، ولكنها عكس جماعة «أنصار الإسلام» لا تهتم بالسياسات الداخلية ولا تتفاوض؛ لأنها لها ولاءات خارج الساحل والصحراء («الصحافة الفرنسية»، المرجع نفسه). تُكِنُّ الجماعتان العداء لبعضهما بعضاً وتدخل في صراعات دموية يسقط مدنيون ومسلحون على حد سواء ضحايا لها (المرجع نفسه). في الوقت نفسه، يُعتبَر الشريط الحدودي للنيجر مع شمال نيجيريا، خصوصاً مدن: دير، مرادي، زيندر وديفا، مرتعاً لتغول الشباب اللاأمني وسلوكه اللاجتماعي وبطالته، وهي عوامل تدفع بالبعض منه إلى أحضان حركات متطرفة، خصوصاً «بوكو حرام»، والتي يجد البعض من شباب هذه المناطق ملاذاً داخلها لتحقيق ذواتهم بعد انسداد أفق المدرسة والتكوين والاندماج الاجتماعي أمامهم. في الوقت نفسه، تستغل الجماعات المتطرفة النزاعات حول الماء والمراعي بين الرعاة الرُحَّل والفلاحين المستقرين في الساحل، خصوصاً في مالي والنيجر، والتي غالباً ما تتقاطع داخلها اختلافات إثنية بين من لهم ميول ثقافية رعوية أو فلاحية، تستغل هذه الجماعات النزاعات لتذكي روح التفرقة الإثنية ولاستقطاب عناصر شابة يستهويها الدفاع عن الهوية القبلية الممزوجة بما يسمى «الدفاع عن الإسلام». لقد فشلت المقاربات المُعتمَدة حتى الآن لتنمية الساحل وتحصينه ضد الإرهاب والجماعات الإرهابية. أضف إلى هذا أن فساد النخب السياسية وتدني الروح القتالية لدى القوات العسكرية المحلية جراء النقص في العتاد وتأخر الرواتب وتدنيها وانسداد الأفق أمام كثير من الشباب وتوالي النزاعات المحلية حول الماء والمراعي والموارد، كل هذا يسهل من مأمورية الجماعات الإرهابية التي تتعاون مع مجموعات تهريب البشر والمجموعات المتخصصة في نقل الكوكايين الآتية إلى خليج غينيا من أميركا اللاتينية، حيث خلقت هذه المجموعات طرقاً برية محصنة عبر الجزائر وليبيا لتزويد السوق الأوروبية بالمخدرات البيضاء. الطرق التي يسلكها المهربون حالياً هي عبر الساحل مروراً إما عبر ليبيا أو الجزائر؛ الاستقرار السياسي في ليبيا وأي تحول سياسي في الجزائر قد يكون له تأثير على تدبير مراقبة الحدود، خصوصاً إن جرى بناء جيش وقوات أمن ليبية فعالة، وإن جرى أيضاً تحسين تدبير الجيش الجزائري للمناطق الحدودية، خصوصاً مع النيجر ومالي وموريتانيا. هذا ما سيدفع بمهربي الكوكايين والبشر، سلوك طرق أخرى، بمساعدة الجماعات الإرهابية. من الطرق الممكنة هناك موريتانيا في اتجاه جزر الكناري ومنها إلى الشواطئ المغربية أو عبر الصحراء ثم شمال المغرب ومنه إلى إسبانيا. التنسيق بين المغرب وإسبانيا وموريتانيا استراتيجي وحيوي. تلكؤ إسبانيا في الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء، وهي التي وقَّعت اتفاقيات مدريد لسنة 1975، والتي جرى بموجبها تسليم الصحراء إلى المغرب لا يخدم مصلحة التنسيق لمحاربة الجريمة العابرة للحدود ومهربي البشر والمخدرات والجماعات الإرهابية. على إسبانيا أن تختار بين مغازلة جبهة البوليساريو التي تُعَدُّ عامل لا استقرار في المنطقة، حيث أعلنت التراجع عن وقف إطلاق النار حين حرَّرَ المغرب معبر الكركرات من عناصر تابعة لها كانت تعرقل مرور البضائع من أوروبا إلى أسواق غرب أفريقيا، أو التعاون مع المغرب وموريتانيا لحماية المجال الحيوي للدول الثلاث ولأوروبا ودول الساحل وغرب أفريقيا من المخاطر المحدقة بها من كل حدب وصوب. خلال العشرين سنة الماضية تمكنت إسبانيا من إحباط العشرات من المخططات الإرهابية بفضل التعاون مع المخابرات والأجهزة الأمنية المغربية المشهود لها دولياً بحنكتها وتجربتها ونجاعتها. ومن هنا لا يمكن لإسبانيا أو أوروبا أن تخاطر بهذا التنسيق الحيوي الاستراتيجي من أجل حركة انفصالية تخدم أجندة لا علاقة لها بالاستقرار والسلم والأمن في شمال أفريقيا والساحل وأوروبا.

مشاركة :