مرشود: شحاتة قدّم نظرية متكاملة في فلسفة الأخلاق

  • 6/30/2021
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

أقامت جمعية الفلسفة تحت رعاية هيئة الأدب والنشر والترجمة محاضرة الأصالة الفلسفية في فكر حمزة شحاتة قدمها الأستاذ عبدالرحمن مرشود بنادي جدة الأدبي، والتي تأتي ضمن برنامج قراءات فلسفية في الفكر السعودي. في محاضرة ضمن برنامج قراءات فلسفية في الفكر السعودي افتتحت الأمسية الفلسفية بكلمة للدكتورة رانية العرضاوي التي استهلت إدارتها للأمسية بالترحيب بضيفها عبدالرحمن مرشود، بعدها قدمت نبذة عن الشاعر حمزة شحاتة، قبل أن تترك الحديث لعبدالرحمن مرشود الذي بدأ ورقته بالإشارة إلى مفارقة افترض فيها اعتبار محاضرة حمزة شحاتة "الرجولة عماد الخلق الفاضل" حدثاً فريداً لو ألقيت خلال أيامنا الجارية. شحاتة يجمع بين التحليل والتجريد والأسلوب البلاغي الرفيع وأضاف مرشود أن تلك المحاضرة كانت درساً حقيقياً في التحليل والتجريد، وزادت على ذلك بأن كتبت بأسلوب بلاغيّ رفيع، وحملت في مضامينها نظرية متكاملة في فلسفة الأخلاق، اعتمد في تأسيسها على مبحثين أحدهما متعلّق بالنشأة الأنثربولوجية للفضائل الأخلاقية، أمّا الآخر فحاول بواسطته إيضاح رأيه في معيارية تلك الفضائل وجدواها. وقد كان في كلا المبحثين مفكراً أصيلاً استفاد من سابقيه دون أن يؤدي ذلك إلى استلابه تحت ضغط أفكار لم يصنعها ذهنه الوقّاد. ويشير مرشود إلى أن شحاته يرى أنّ ما نسميه الفضائل الأخلاقية قد انبثق من تطور الجماعات البشرية وصراعها من أجل العيش، فنشأتها بهذا المعنى نشأة ماديّة أرضية خاضعة لقوانين التطور الطبيعي، فمعرفة الخير والشرّ لم تكن في البداية غير فرع لإدراك الإنسان لفكرة النفع والأذى، وليست فكرة النفع والأذى سوى تطور لإدراكه الفيزيائي لمعنى اللذة والألم. كما أنه رأى أن معرفة البشر بهذه الفضائل نمت عبر أربعة أطوار كان أولها هو الطور البدائي الذي لم يفهم حينها سوى فضائل الجسد وأهليته للصراع من أجل البقاء الذي يقتضي مطلبين هما القوت والوقاية وكان قائده الخفيّ في ذلك الطور هو الغرائز التي عرف من خلالها الهجوم والصمود كما دلّته أيضاً على التهيّب والفرار وليس من ذلك ما يعدّ ميزة أو عيباً إلا بقدر ما يساهم في نجاته وإطالة أمد حياته. ولكنه في هذا الطور عرف التكتّل الذي ألجأه إليه ضعفه أمام قوى الطبيعة، ومن خلال التكتّل تعرّف على أوائل أشكال التعاطف مثل حب الأسرة وحبّ المأوى والوطن، وقد أضاف إلى ذلك فهمه لأهمية القوة الجسدية ومن آثار ذلك الفهم أن بزغ تقديره لمظاهر الرجولة والبطولة والزعامة (القوة والحظ). أما الطور الثاني الذي بات أكثر تعقداً وأقل خطراً كما وصفه شحاتة فهو طور ظهور المحاسن الاختيارية أي بدايات تخلص الإنسان من حتميات الطبيعة المطبقة وهي خطوة لم يخطها الإنسان إلا بعد اهتمامه بأحداث جماعته الماضية وتوقعاتها المستقبلية فازدياد وعيه بالزمان أكسبه التعاطف مع ضعف الكهولة ضعف الطفولة، وقد تزامن ذلك مع بزوغ مظاهر جديدة للقوة غير مظاهرها الجسدية، أو ما أسماه (القوة المعنوية) فصار لكلّ جماعة فرائضها التي تعتني بمصالحها كمنظومة كلية وأعراف تقاس بها ملاءمة الفرد لجماعته فكل ما أدى إلى تجانسه معها صار من المحاسن وكل ما أدى إلى تنافره معها عدّ من المساوئ، والفرد مع ذلك حرّ في أن يتجانس مع مجموعته أو يتنافر معها بحسب ما تقتضيه مصلحته وقوّته (صراع القوة المتعدية والقوة اللازمة). وبحسب شحاتة فإنّ ذلك مهّد لظهور الطور الثالث في هذه الرحلة وهو ما أسماه (طور التلقّي والمزاولة) وهو "الطور الي يتحول فيه الشعور بالسجايا والأفكار والشرائع إلى معتقدات لا شعورية أو خصائص نفسية وفكرية ثابتة، وذلك بواسطة تطور مقدرات الحكاية والتمثيل ومخيال الجماعة في تلقين الناشئة أعرافها الاجتماعية، وهو الطور الذي يمكن القول بأنّ الفضائل قد تبلورت فيه معالمها وجنحت إلى التناسل. يتطرق بعد ذلك شحاته إلى طور ظهور المدنية والغلبة حيث يصبح للفضائل تشريعاتها الصارمة وحيث تمتلك أدوات الإقصاء والتحييد لما يقابلها وهي ما يسمى (الرذائل). وتساءل مرشود لماذا يسلك شحاتة هذا المنهج في التصور والتتبع؟ هل للبحث الأنثربولوجي أولوية عنده على غيره؟ ليجيب عن تلك التساؤلات لا أظن ذلك، فقد كان الرجل يميل إلى الفرض والتجريد على طريقة الفلاسفة لا على طريقة علماء الاجتماع وكان ما يهمه حقاً هو الاحتجاج لصالح الأصل الأرضي العرفيّ لما يسميه الناس (فضائل أخلاقية) ولهذا من المتوقع أن يعتورها أمران من شأنهما أن يعتورا كل ما هو مادي عرفي يتعاطاه الناس وهما النفعية والنسبية. ولكن كيف يرى أستاذنا تلك النفعية وتلك النسبية؟ هو لا يراها في مجرد تفاضل خلق إزاء خلق أو نفع سلوك وضرر آخر مما قد يختلف الناس على ندبه واستحسانه، بل يقرر حكماً عامّاً يستخلصه من مقدمته وهو أن الفرق بين الفضائل والرذائل هو فرق في مقدار التهذيب لا أكثر، فكلا الأمرين دافعه أناني غير أن الفضائل منبثقة عن أنانية مهذبة والرذائل منطلقة من أنانية عارية! وفي نهاية محاضرته يقول عبدالرحمن مرشود عن شحاتة: إننا نجد شحاتة يقول بأسبقية السلوك على المعرفة في اكتساب السجايا والتخلق بها، ولكنه يرى قدرة المعرفة على تبديل الطبائع لو اقترنت بالمران. وهو يرى أن النفس البشرية قد تتطور مع حركة التاريخ إلى الترقية والتهذيب ولكن دون أن تتخلص من عجينتها الأنانية الأصلية وعواطفها القائمة على التكتل والتدافع انطلاقاً من تلك الأنانية. مضيفاً: حمزة شحاتة في كل ما سبق لا يقدم مقولات انطباعية، بل يضع آراء يسوق لها مقدماتها الحجاجية الرصينة في نص متجانس يستحق أن يقرأ كثيراً وأن يراجع أكثر وألا نكتفي بالحديث عنه عرضاً كما أظننا نفعل في أغلب الأحوال. جانب من الحضور.

مشاركة :