معركة اللحوم مازالت متواصلة بين المواطن المستهلك من جهة، وبين التجار وفي مقدمتهم شركة المواشي التي باتت تتحكم في السوق، من جهة أخرى، وشهد الجميع حرب ربط الحزام وشد البطون التي تتواصل على مواقع الانترنت ويشجعها الجميع للوقوف والتصدي لاستغلال التجار قرار رفع الدعم عن أحد أنواع اللحم وهو اللحم الاسترالي. وبين طرفي النزاع وهما المواطن والمواشي نسمع أصواتا كثيرة لنواب وشخصيات ومحللين استراتيجيين، بينما انزوت الحكومة في ركن بعيد تراقب المباراة دون حتى أن تشجع أحد الفريقين، ورغم أنها من أعلن عن بدء المباراة وأطلقت العنان للتجار، إلا أنها التزمت الصمت وكأنها تنتظر نتيجة الجولة الأولى من الدوري، ولم تقدم أي حلول سوى الإعلان عن إضافة الدنانير الخمسة في حسابات المواطنين البنكية. تلك القضية التي تناولها الكثيرون في مقالات وتقارير منذ أن بدأت، لم تصل إلى حل ينهي الصراع الدائر وكأنها القضية الفلسطينية التي لم تجد لها حلاً منذ ستينات القرن الماضي، ولا يُستَشَف مما يحدث سوى أن المسؤولين قرروا أن يبقى الوضع على ما هو عليه، وسيعتاد المواطن على الأمر، وسينتهي هذا الضجيج بعد فترة وستجف دموع الثكالى على الأيام الخوالي، بل ان بعض التقارير تجاوزت المرحلة وألقت باللوم على المواطن وأنه تعود على الدلع ولابد أن يتم فطامه من أكل اللحم لكي يعتمد على نفسه ويعتاد على أكلات اخرى كالخضروات مثلاً. وتساءلت وآلاف المواطنين معي.. إذا كانت الدولة تدعم اللحم الاسترالي فلماذا ارتفعت بقية أنواع اللحوم، وأصيب كذلك الدجاج بنفس العدوى، وتجاوزتها اللحوم لتصل العدوى إلى البيض وبعض المواد الغذائية الأخرى، حتى العمالة اﻻجنبية بدأت تطالب بعلاوة لحم، وكأن السوق المحلية أصابها جنون اللحوم ولا يستطيع أحد أن يكبح جماحها. وتساءلت وعشرات الآلاف من المواطنين عن سبب صمت الحكومة والمسؤولين لما يحدث في البلد، وهل ما يحدث من ضمن الخطة الاستراتيجية لرفع الدعم أم أننا نغير بوصلة السفينة حسب الظروف والمخاطر، لكن صمت المسؤولين يوحي بأنهم لا يعيشون معنا أو يأكلون مثلنا، وحاول بعض المواطنين إيجاد طوق للنجاة من الغرق في وسط ارتفاع موجات الأسعار، فتعلقوا برقم هاتف حماية المستهلك، لكن يبدو أنه رقم (مستَهلَك) ولا يجد حلٌ لطوفان الارتفاعات الجنونية بجميع المتاجر، لأن الجميع خالفوا الأسعار، فهل سيقوم بتحرير مخالفات لكل التجار والمحلات والقصابين. استغرب الصمت الحكومي على ما حدث بعد رفع الدعم، واستغرب موقف السادة النواب الذين تلقوا صفعة غير دستورية جعلتهم يدورون في حلقات مفرغة، وأدخلتهم في غفوة أفاقوا منها على ضجيج تنفيذ القرار الذي وافقوا عليه دون علم بعواقبه اﻻقتصادية، بل ان أغرب ما سمعته أن لجنة برلمانية قد أوصت بمنع احتكار شركة المواشي للسوق، ولا أعرف ما هي آليات هذا المنع، وماذا سيفعلون وكذلك المسلخ الوحيد في المملكة ومنذ سنوات. ألم يكن من الأجدر بالحكومة الموقرة أن تبدأ بتقليص الهدر المالي في مواقع أخرى دون المساس بقوت المواطن، وتبدأ بعملية جراحية من داخلها بتخفيض عدد كبير من المسؤولين ووقف عشرات السفرات والمخصصات الحكومية وغير الحكومية والتخلص من عدد كبير من المستشارين والخبراء وملحقاتهم، وتوسيع دائرة التقليم لتطال هيئات ومؤسسات وشركات لم تعرف طريق الربحية أبداً، وإعادة النظر في بعض المسارات أو القرارات التي اتخذت في السابق وأثبت الزمن بأنها لم تكن موفقة او صائبة، فالتصحيح الإداري ليس عيباً وﻻ جرماً. عزيزي المواطن لقد أصبحت وحيداً، فاحذر كل الحذر أن تخسر معركتك، لأنك إن خسرتها وتخاذلت فلن تجد من يمد لك يد العون مرة اخرى، فقد تبين أن الخطة هو رفع يدها عن حماية مصالح المواطن، وإخلاء مسؤوليتها من الهزات الارتدادية لقراراتها الخاطئة، وما رفع الدعم عن اللحوم إلا خطوة في طريق إخلاء المسؤولية الشاملة، وإذا ما شعروا أنك رضيت وقبلت بالأمر الواقع، فسيبدأ فرض بقية الأمور الأخرى لتصبح واقعك المأساوي.
مشاركة :