بعيدا عن صحة ما نشرته مجلة «ميد» الاقتصادية من عدمه عن وجود بحث لتخفيض الإنفاق على مشروع مترو الرياض من خلال إما تمديد مدة المشروع أو تأجيل تنفيذ بعض عناصره، فإن التناول المحلي لهذا الموضوع يظهر بوضوح بأن معظمنا مازال بعيدا عن التأثيرات المتوقعة على إيرادات الدولة بسبب نزول أسعار النفط وارتفاع النفقات التي تطلبتها الأحداث الراهنة، وذلك استنادا على تصريحات سابقة بأن المملكة لن تتأثر بنزول أسعار النفط وكذلك على ما نشر من توقعات بأن الإيرادات المقدرة بالميزانية احتسبت على أن سعر النفط (65) دولارا وأن حجم الاحتياطيات كبير وبدون الأخذ بالاعتبار أهمية بقائها وصعوبة تسييلها وبالتالي ظهر الاعتقاد بأن العجز لن يكون كبيراً كما يعتقد البعض، وهو ما يستلزم أن تكون هناك شفافية عالية مع حقيقة تلك الآثار التي ستنعكس بالتأكيد على بيان وزارة المالية نهاية العام بالمنصرف الفعلي والإيرادات المتحققة ومقدار العجز وارتفاع الدين العام لكي لاتكون الأرقام مفاجئة حتى وان اتخذت إجراءات لتقليل حجم العجز ظاهريا وترحيلة للعام القادم، ولكن مايهمنا هو أن نُبعد مشاريع البنية الأساسية للتنمية الضخمة عن الآثار السلبية سواء بفكره تمديد مدد التنفيذ وما يترتب على ذلك من طول سنوات المعاناة المرورية بإغلاق الشوارع والحفريات التي نعانيها حاليا بمدننا أو بإلغاء أو التأجيل لمتطلبات أساسية بمشاريعنا أو تخفيض مواصفاتها وجميعها ستتسبب في تشويه المشاريع بعد الانتهاء منها وستحتاج لمبالغ أعلى لاستكمالها أو بإعادة تنفيذها بمواصفات واستيعاب أكبر وفق الاحتياج الفعلي المطلوب قبل التعاقد عليها بالإضافة إلى إعطاء الشركات الأجنبية انطباعاً بعدم استقرار عقودنا. ولكون المشاريع التنموية سواء التي سبق أن استقطعت تكاليفها من فائض الميزانيات سابقا ورصدت بمؤسسة النقد تحسبا لمثل الظروف الحالية أو التي اعتمدت بالميزانية ولم تنفذ، يجب أن تحظى بالأولوية على مستوى الدولة وليس الجهة الحكومية لوجود مشاريع لبعض الجهات غير مقنعة بالاحتياج وليست لها الأولوية مقارنة بمشاريع رئيسية بالمملكة قد تؤجل بسبب أن الجهة المعنية بها لديها الكثير من المشاريع الهامة، فتنفيذ مباني إدارية لبعض الجهات ومسالخ واستبدال أرصفة وإنارة.. الخ يمكن أن تؤجل جميعها بدلا من تأجيل مشاريع أساسية مازلنا ننتظر تنفيذها منذ سنوات، ولذلك يجب أن يعاد النظر بالأولويات ليتم تخصيص الصرف للمشاريع الأساسية حتى وإن واجهت الدولة مشكلة في تمويلها ومن خلال أهمية عدم المساس بها، ولكون معظمها يمثل إنفاقا استثماريا كمشاريع المياه والكهرباء والنقل العام والمستشفيات التخصصية والتطوير والاستكشاف لحقول النفط، وهو ما يمكن أن تنشأ لها الدولة شركات مساهمة تطرح للمواطنين نسبة (49%) منها لضمان تمويلها وسرعة إنجازها وكمجال استثماري للسيولة العالية المتكدسة بالبنوك لإفادة المواطنين منها بدلا من طرح سندات أو صكوك بفائدة للبنوك وتبقى دينا على الدولة بالإضافة إلى ما توفره تلك الشركات من فرص وظيفية للمواطنين، فطرح تلك المشاريع للقطاع الخاص سيساهم في تخفيض التكلفة وجودة ما يستلم من أعمال التنفيذ لكونه ملكا للشركة ووفق ما تم في صناعة البتروكيماويات مثل شركة سابك وغيرها، ويمكن هنا أن تدعم الدولة تلك الشركات بضمان نسبة ربح للمساهمين في أول سنوات التشغيل أو الاستئجار ومثلما حدث بالطفرة الأولى ببعض الشركات المساهمة والتي نرى حاليا توقف الدولة عن تحمل ذلك لكونها تحولت من الخسائر للأرباح، فمعالجة مشكلة شح السيولة بالاضطرار لتأجيل مشاريع هامة أو أجزاء رئيسة منها يمكن أن يكون باستثمار السيولة العالية بالبنوك لصالح ملاكها بتأسيس شركات بدلا من تجميدها واستئثار البنوك بها.
مشاركة :