في صالون العقاد كانت لنا أيام

  • 7/3/2021
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

كتاب "في صالون العقاد كانت لنا أيام" للكاتب أنيس منصور، ليس كتاب سيرة ولا كتاب تحليل، بل هو وصف متواصل للصالون العقادي الذي كان يجتمع فيه أسبوعياً عدد كبير من المفكرين والمبدعين المصريين والعرب وبعض الأجانب الفضوليين بين الحين والآخر، وكان أنيس أحد هؤلاء، للدرجة التي جعلته يقول: عندما انتقلت من المنصورة إلى القاهرة التحقت بجامعتين في آن واحد، جامعة القاهرة، وجامعة العقاد، ومن خلال الصالون يصوّر لنا أنيس صوراً رائعة للعقاد والمحيطين بالعقاد في جلساته. صوراً تذهب بالقارئ إلى تلك الأيام التي كانت الثقافة بشتى تجلياتها، تنعكس في لقاءات وحوارات ومواقف، بكل ما فيها من تبادل لطيف أو متهكم، ومن حكايات غرام عابرة أو دائمة، ومن تحليلات للوقائع الاجتماعية أو السياسية. كما يقدم فيه مشكلات جيله وعذاباته وقلقه وخوفه وآرائه في مواجهة جيل العمالقة من أمثال طه حسين، والعقاد، وتوفيق الحكيم، وسلامة موسى وغيرهم الكثير من أعلام الفكر والثقافة في مصر في ذلك الوقت. يروي الكاتب أن صالون العقاد كان ينعقد في منزله صباح كل جمعة وينتهي في الساعة الثانية ظهراً، ومن رواده عبدالرحمن صدقي وصلاح طاهر وزكي نجيب محمود وطاهر الجبلاوي وعلي أدهم. وفي ذلك نجد أن كل العقول والأذواق والضمائر والمعارك بين المبادئ والقيم، قد احتشدت في صالون العقاد. يقول أنيس: وكان الأستاذ إذا أحس أن المناقشات ذهبت بعيداً في التاريخ أو في الحرب أو في الفلسفة، فإنه يهبط بالجواب إلى مستوى مشكلاتنا الصغيرة، ولذلك كانت عنده هذه الأبوة وهذه الأستاذية التي تجعلنا نشعر أنه عظيم دائماً، ومن أكثر القضايا الاجتماعية جدلية لمرتادي صالون العقاد موضوع الزواج والذرية، ومعروف أن العقاد لم يتزوج قط، وكانت له علاقات نسائية لا تتجاوز حدود الأدب والفكر والزيارات الأدبية، وربما استهوته الأديبة الكبيرة مي زيادة، وبينهما مراسلات كثيرة، ولكنه لم يتزوج رغم كل ذلك، وكان للعقاد فلسفته الخاصة في هذا الموضوع حيث يقول: "إن المرأة لا تحب الديموقراطية إنها تحب الديكتاتورية، ولا تحب الرجل الذي يعطيها حريتها ويلقي العبء على عقلها لكي تفكر وتختار، إنها تفضل الذي يختار لها ويرغمها على ذلك". كما أجاب العقاد عندما سألت طالبة عن الزواج: "الزواج غلطة، الزواج الذي يأتي بالأولاد غلطة أخرى، وتربية الطفل وحضانته هي تكفير عن هذه الغلطة، فالزواج هو السجن، وتربية الأطفال هي الأشغال الشاقة". وكان العقاد يكره الفلسفة الوجودية ويمقتها، في الوقت الذي يتبناها أنيس منصور ويكافح من أجلها، فالعقاد يرى أن الفلسفة الوجودية مريضة أو من أعراض المرض، لأنها تبالغ في مفهوم الحرية والقلق والموت عند الإنسان، وتعطي الإنسان ما لا يستحق من الوزن، وتسلب الكون ما يستحق من الوزن، وكان الشباب من معتنقي هذه الفلسفة يخفون مشاعرهم نحوها ولا يريدون أن يتأثروا برأي العقاد، وينمون ما يشعرون به سراً، وهم بين نار محبة أستاذهم وبين نار قناعاتهم التي تتأجج، وفي هذا الشأن يقول أنيس: "كان العقاد يصدمني أيضاً، فقد كان يدين بفلسفة غير التي أدين بها، فأنا صاحب قلب وهو صاحب عقل، أنا أنبهر وهو يضيء، أنا أتغنى وهو يخطب، ولا أعرف كيف صدمني العقاد في أعز ما أملك، (حبي الوجداني للفلاسفة)، هو صاحب عقل كبير وكنت صاحب قلب صغير، كنت أمسك في يدي شمعة أما هو فيمسك النجوم والشموس". كتاب يفيض بالعلم والفلسفة والفكاهة والغرائب، من أول صفحة إلى آخر صفحة، التي تنتهي بموت العقاد. خالد المخضب

مشاركة :