يُعد النجم الإنجليزي الشاب جادون سانشو من أفضل المواهب الشابة في عالم كرة القدم اليوم، ويتفق كل من عرفوه منذ فترة طويلة على شيء واحد؛ وهو أنه متواضع للغاية. يقول ديفيد سيساي، زميل سابق لسانشو في أكاديمية واتفورد للناشئين الذي لعب مع نادي كراولي الإنجليزي الموسم الماضي: «إنه متواضع بشكل يثير الجنون». ويضيف: «شخصية جادون لم تتغير أبداً. وما زلنا نلعب بلاي ستشين أحياناً ونتحدث مثل الأصدقاء القدامى العاديين. لم يكن مغروراً على الإطلاق. والده يطالبه دائماً بأن يظل متواضعاً وأن يتذكر من أين أتى». لقد مرت تسع سنوات منذ أن التقى سيساي بسانشو عندما انتقل الأخير إلى فئة عمرية أعلى للعب مع فريق نادي واتفورد تحت 13 عاماً بعد أن بدأ في التألق بأكاديمية هريفيلد للناشئين، التي تعمل في إطار شراكة مع نادي واتفورد. وكان هذا الصبي، الذي سيصبح ثاني أغلى لاعب إنجليزي عندما يوقع لمانشستر يونايتد، يعيش على الجانب الآخر من العاصمة البريطانية لندن مع عائلته في كينينغتون، وكان يزور سيساي بشكل منتظم في منزله بمنطقة هارو معظم ليالي الأسبوع. يقول سيساي: «لقد اعتاد البقاء في منزلي قليلاً لأنه وجده أكثر متعة من الإقامة في النزل (منازل صغيرة للإيجار). ثم اعتدنا الذهاب إلى المدرسة في الصباح. وكانت والدتي تعد له الطعام وتنظف ملابسه - ودائماً ما كانت أمي وأختي تعبران عن فخرهما به». انضم سانشو إلى واتفورد في السابعة من عمره، بعد عامين فقط من إقناعه لمدير مدرسة كرامبتون الابتدائية في كينينغتون بأنه مقدر له أن يكون نجماً! وسرعان ما أُعجب لويس لانكستر، الذي درب سانشو في واتفورد، بعقلية هذا اللاعب الصغير. يقول لانكستر: «أدركت منذ اليوم الأول أنني أعمل مع لاعب لديه طموحات كبيرة وشجاعة هائلة. عندما سألته ماذا تريد أن تفعل؟ ورغم أنه كان لا يزال في الثالثة عشرة من عمره، فقد نظر في عيني بجرأة وقال لي: أريد أن ألعب بقميص المنتخب الإنجليزي وأن أجعل عائلتي فخورة بي، وأريد أن ألعب مع أحد أفضل الأندية في أوروبا». نشأ سانشو وهو يلعب في الملاعب القريبة من منزله، وهو الأمر الذي جعله يكتسب مهارات رائعة أقنعت مسؤولي مانشستر يونايتد في نهاية المطاف بالتعاقد معه. يقول لانكستر: «إن البيئة التي يلعب فيها الأطفال في الشوارع تكون أكثر قسوة من البيئة الموجودة في أكاديميات الناشئين». ويضيف: «جادون روى لي قصة عندما كانوا يلعبون في تلك الملاعب الصغيرة ذات يوم، وكان هناك كثير من اللاعبين، مفادها أنه إذا أخطأ أي لاعب في التمرير أو ارتكب أي خطأ داخل الملعب، فإنه يخرج على الفور ويشارك لاعب آخر بدلاً منه، وهو الأمر الذي كان يشكل ضغطاً كبيراً على اللاعبين الصغار في السن». تألق سانشو بشكل مثير للإعجاب مع فريقي واتفورد تحت 14 عاماً و15 عاماً تحت قيادة لانكستر، على الرغم من أنه كان أصغر بسنة على الأقل من معظم اللاعبين الذين يلعب معهم، وسجل هدفاً استثنائياً من منتصف الملعب في مرمى ريدينغ، كما أحرز هدفاً آخر لا ينسى بمجهود فردي رائع بعد أن راوغ معظم لاعبي نادي ساوثإند. يقول سيساي: «كانت لديه دائماً ثقة كبيرة للغاية في نفسه، وهو الأمر الذي جعله يتألق بشكل لافت. كان من السهل أن ترى أنه ينتظره مستقبل مشرق». وكان والد سانشو، شون، غالباً ما يصطحب لاعبي واتفورد لمشاهدة مباريات المنتخب الإنجليزي للشباب على ملعب «سانت جورج بارك»، وكان يقدم لهم تدريباً إضافياً أثناء بقائهم في جنوب لندن. يقول سيساي، الذي تم استدعاؤه لقائمة منتخب كينيا بعد تألقه مع نادي كراولي في دوري الدرجة الثالثة بإنجلترا: «كان والد سانشو يحاول دائماً أن يمنحنا الثقة، فإذا فعلنا شيئاً جيداً في التدريبات، كان يطالبنا بأن نعمل على تكرار هذا الشيء نفسه في المباريات. لقد كان يحفزنا دائماً. كان والد سانشو يأتي لمشاهدة جميع المباريات، وحتى عندما كنا نقوم بجولة في بلدان مختلفة كان يأتي لمشاهدة المباريات». يقول لانكستر، الذي عمل في السابق مساعد مدرب في نادي يوتا رويالز في الدوري الأميركي لكرة القدم للسيدات بعد أن درب منتخب تايوان أيضاً: «والده رجل رائع، وكان بمثابة معلم جيد للغاية لسانشو. شون شخص هادئ جداً وكان يساعد نجله في أن يتحلى بالتواضع دائماً. لقد كان يقف بجوار نجله دائماً، ودائماً ما كان يتخذ القرارات الصحيحة». رحل سانشو عن واتفورد وهو في الرابعة عشرة من عمره للانتقال إلى مانشستر سيتي، وفاجأ معظم الناس بعد أكثر من عامين بقليل عندما رفض في أغسطس (آب) 2017 عقداً قيمته 30 ألف جنيه إسترليني في الأسبوع وفرصة اللعب تحت قيادة المدير الفني الإسباني جوسيب غوارديولا والانضمام إلى بوروسيا دورتموند. تم استبعاد سانشو من جولة مانشستر سيتي في الولايات المتحدة استعداداً للموسم الجديد. يتذكر سيساي مناقشة هذا الأمر مع صديقه، قائلاً: «لقد واجهنا بعضنا وسألته عما يحدث، وما إذا كان سيرحل عن مانشستر سيتي، أم لا، فقال: نعم يبدو الأمر كذلك. أتذكر أنني قلت له إنه يتعين عليه الذهاب إلى المكان الذي يرغب في اللعب به. لقد ذكرنا عدداً قليلاً من الأندية التي لديها سجل جيد في جلب اللاعبين الشباب، بما في ذلك بوروسيا دورتموند، وفي غضون أسبوعين كان قد انتقل إلى النادي الألماني بالفعل». ومنذ ذلك الحين، سار 13 لاعباً إنجليزياً على نفس طريق سانشو وانتقلوا للعب في الدوري الألماني الممتاز - وهو الاتجاه الذي يعتقد لانكستر أن سانشو يستحق كثيراً من الثناء عليه. يقول لانكستر: «لقد قال سانشو: حسناً، هذا المسار ليس مناسباً لي، لذا سأسير في طريق مختلفة تناسبني». وفي دورتموند، عاش سانشو في شقة مع والده بالقرب من ملعب «سيغنال إيدونا بارك» معقل نادي بوروسيا دورتموند. وما يعكس أهمية سانشو لبوروسيا دورتموند أن النادي الألماني قد رتب كل الأمور لإعادة سانشو من المشاركة مع منتخب بلاده في كأس العالم تحت 17 عاماً للمشاركة مع الفريق بالدوري الألماني الممتاز. سجل سانشو ثلاثة أهداف مع المنتخب الإنجليزي خلال دور المجموعات، وكان يلعب بجانبه آنذاك زميله السابق في مانشستر سيتي فيل فودين، ولاعب تشيلسي كالوم هودسون أودوي. وغاب سانشو عن أدوار خروج المغلوب في البطولة التي توج المنتخب الإنجليزي بلقبها بعد الفوز على إسبانيا في المباراة النهائية بخمسة أهداف مقابل هدفين. لقد عوض سانشو خيبة الأمل التي شعر بها بسبب غيابه عن الأدوار الإقصائية للمونديال بالتألق مع نادي بوروسيا دورتموند وتسجيل 37 هدفاً وصناعة 45 هدفاً خلال المواسم الثلاثة التي لعبها في الدوري الألماني الممتاز، محطماً عدداً من الأرقام القياسية التي ظلت صامدة لفترة طويلة. يقول لانكستر: «الشيء الأكثر إثارة بالنسبة لي هو الطريقة التي يدافع بها، لأننا لم نعمل على ذلك مطلقاً. إنه يتحرك بشكل مثالي داخل الملعب ويستخلص الكرات من لاعبي الفريق المنافس، ويعمل بكل قوة من أجل مصلحة الفريق. لقد تعلم من الشارع أن يوظف نقاط قوته لمصلحة الفريق وأن يعمل على التخلص من نقاط ضعفه». ويضيف: «كان لدى جادون دائماً تلك الشخصية التي تجعله يلعب من أجل تحطيم الأرقام القياسية. فإذا أخبرته مثلاً أنه لم ينجح أي لاعب من قبل في تسجيل 20 هدفاً في موسم واحد بالدوري، فسيضع نصب عينيه تحطيم هذا الرقم. إن الطموح والموهبة اللذان يتمتع بهما جادون تجعله يضع نصف عينيه تحقيق هدف آخر، وقد نراه يوماً ما يفوز بجائزة الكرة الذهبية كأفضل لاعب في العالم». أما بالنسبة لسيساي، فليس لديه أدنى شك في أن سانشو لن يتغير أبداً رغم انتقاله إلى مانشستر يونايتد بهذا المقابل المادي الكبير، قائلاً: «لقد فعل بالضبط ما خطط له - كان يقول دائماً إنه يريد اللعب مع أحد أفضل الأندية في العالم. لقد علمت بمجرد أن أتيحت له الفرصة أن ثقته ستأخذه وتدفعه إلى ما هو أبعد من ذلك. والآن فإنه يفعل ما كان يفعله معنا عندما كنا نلعب معاً ونحن أقل من 15 عاماً، ولكن على مستوى أعلى بكثير».
مشاركة :