من يريد أن يكتسب شهرة في الغرب عليه أن يهين تراثه

  • 7/4/2021
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

من يريد أن يكتسب شهرة في الغرب عليه أن يهين تراثه هناك تعمد لنفي التراث العربي الفكري والنقدي بدعاوى الحداثة المزيفة واعتباره عقيما لا يقدم الأنموذج ولا يطرح النظرية. التراث العربي ليس علامة تخلف لمن يكتب الناقد؟ وهل يتوجب عليه أن يتبسط في طروحاته لتصل رسالته إلى المبدع/القارئ؟ وما حدود الكتابة الأدبية؟ وهل هناك منهاجية محددة يتوجب على الناقد أن يسلكها كي يخاطب العامة؛ مع العلم بأن النقد يخاطب الخاصة في الأساس، وربما يتوسل القارئ والمبدع – أحياناً – فيبسط كتابته،- كما أزعم – وهل مطلوب منه أن يتبسط، أم على القارئ أن يرتفع بالدرس القرائي لديه ليبحث عن مضامينية المصطلحات ليحدث الحراك المأمول؟ ثم ما مدى حدود النقد وطموحاته؟ وهل يمكن اعتبار التأويل منهاجية يمكن التعويل عليها لتفكيك شيفرات النص؟ ثم إذا أمتنا المؤلف – على حد قول رولان بارت – ثم الناقد، بل والنص فماذا سيتبقى للقارئ في ظل هذا التخبط، وقد أماتوا القارئ – وبالتالي فهذا “موت للإله”، كما يزعم كثيرون كذلك. إنها الصيحات الكبرى التي تخرج علينا كل يوم؛ فهل نحن بصدد نقد جديد لما بعد المركزيات الأوروبية، وما بعد الحداثة وغير ذلك دون النظر إلى تراثنا النقدي العربي الكبير؟ وهل ثمة نظرية نقدية عربية يمكن لنا أن نصوغها بعيداً عن “التغريب النقدي” مثل: وماذا بعد المسألة الأوروبية في النقد؟ وهل نتحدى المتن بالهامش – عبر المدرسة الكولونيالية – لنعيد البحث عن الهوية والتراث، لتبيان وجود منهج عربي نقدى جديد عبر “الدراسات الثقافية” في تاريخنا النقدي الكبير، وعبر صراعات العولمة وغيرها، وهل ثمة “فلسفة ثقافية نقدية” تعيد تأسيس هوية النقد العربي في ضوء الكم الهائل من النظريات الأوروبية والأميركية التي غدت تقليداً، و”موضة”، بل وعقدة – عقدة الخواجة – لدينا كعرب، لنتمثل الأنموذج الغربي باعتباره سفراً مقدساً لا يجب تخطيه، وبالتالي نسقط جهود النقاد العرب – على مر تاريخهم – من الخارطة النقدية العالمية؟ ثم ألم يئن الأوان لطرح منهاجية عربية، وصوغ مصطلحات عربية، بل ونظريات – وهى كثيرة – لإعادة الاعتبار إلى “الهوية النقدية العربية” بعد اتكاء منجزنا النقدي – الآن – على طروحات ونظريات وأفكار غربية؟ وهل يمكن العودة إلى القديم وتطويره بمنجز حداثوي لمواكبة التغيرات والتلاحقات المتعاقبة والسريعة في مجالات الفكر والفلسفة النقدية عبر المركزيات، ولعبة الأمم، والقوة، والنفوذ، والهيمنة، والعصرنة، والأمركة؟ أم نقف لنقلد؛ وفقط. دون أن نستوضح إلماحات تجيب عن سؤال: وماذا بعد كل هذه الما بعد حداثيات التجديدية، والتجريبية؛ ودون النظر إلى طبيعة المجتمعات العربية، وظروفها، وخصوصياتها الثقافية والفكرية، وفلسفتها، بل وعلومها؟ ثم هل نتحرر من عقدة الغرب لنعود إلى الأصالة نافضين عن تراثنا النقدي كل ما هو مخترع وحادث غربي، أو بالمعنى الأدق: هل ثم ضوء في نهاية نفق النقد الذى نمارسه – بجهالة.. وبمعلومية – ثم نقول مفاخرين: نحن تنويريون، ودعك من الظلاميين، والعرب المتخلفين – للأسف – وهى ركامات خلّفها الاستعمار على مر الأجيال، وأوقعنا فيها “دعاة التنوير بالباطل” عبر صيحاتهم “تيار الوعي”، ” ومسايرة كل ما هو غربي – واعتباره نصاً مقدساً – لا يجب تجاوزه، فغدونا نقول كل صباح: كما يقول رولان بارت، وعلى حد قول ريكور، وكما قال سوسير، وغيرهم، ولم نقل على “حد قول الجرجاني” أو السكاكي، أو القزويني، أو حازم القرطاجني، وغيرهم من علماء النقد واللغة والفلسفة، والبلاغة وغير ذلك في العلوم والفنون والآداب، وغيرها… ثم أليس هناك فلاسفة عرب لنتمثلهم، أم أن إمامنا – الآن – وشيخنا هو بارت وريكور في النقد، والسيدة سوزان برنارد وغيرهم؟ لسنا ضد الحداثة، بل للأسف نمارسها، على غير هدى، عبر بيئاتنا العربية، وقيمنا الإسلامية، وهويتنا، وهوانا الشرقي، فالنقد يطلع من الغرب، والعلم يطلع من الغرب، بل المأكل والمشرب والموضة وغير ذلك كلها ذات نكهة غربية غرائبية، لهدم الهوية والثوابت والقيم، وبعيداً عن فكرة المؤامرة، فهذه هويات ومركزيات لا تتناسب مع هوانا الشرقي، فالشمس – على امتداد العصور – تطلع من الشرق، وهذه هي الثوابت، وبعيداً عن “العقد والتعصب للعرب” – الذين تخلفوا حيناً – لكننا لن نظل نسمهم بالعجز، ونضعهم في باب الظلمات، وهم كذلك المستنيرون عندما انفردوا بالغرب سبقوهم، وإلا فمن في أوروبا ينكر إسهامات إدوارد سعيد، وايهاب حسن، بل وحاتم الجوهري وغيرهم من نقادنا المغاربة والشوام والمصريين، والعراقيين واللبنانيين، بل والخليجيين كذلك، وفى الإمارات والسعودية وغير ذلك. لنكن منصفين، ولنتكلم بكل صدق: هل منجزنا النقدي العربي – الآن – بل عبر مئة عام – هو عمر النقد الجديد،- نحن راضون عنه حقيقة؟ وهل تحذلقاتنا كنقاد، تجعلنا نوثق، أو نستشرف منهاجية عربية للنقد، ونحن نقلد الغرب المتأمرك، أو الشمال المتأورب، – الأوروبي – ونصدق مقولات كاذبة من مثل: ماذا قدم النقاد العرب – باستثناء القلة – سوى رؤى شخصية تكالب كثيرون منا على الانتقاص من قدرها؛ لأن هناك من النقاد – الذين ندعوهم بالكبار – تابوهات؛ ومقدسات، وأيقونات؛ جرفونا معهم للاستسلام والخنوع بدعاوى التنوير والتقليد لكل ما هو غربي، ولن نقول كذلك: لقد تآمروا على النقد، والهوية، وحاولوا عبر العلمانية، ودعاوى الإلحاد، والعهر الحداثي أن يمحوا الهوية بحجة “اللحاق بركب الحداثة والتمدين”، ولم يخرجوا متسلحين بالتراث، فوجدنا من يريد أن يكتسب شهرة في الغرب: ينتقد التراث، وينفيه بدعاوى الحداثة، واعتباره عقيماً، لا يقدم الأنموذج، ولا يطرح النظرية، ومن هنا كان لا بد من الانجراف “إلى الغرب المتأمرك _ الصهيو إمبريالي “؛ والكولونالي، وما بعد مدرسة براغ، واستتباعات الحداثة، وما بعد الحداثة ” كالخراف التي تنجرُّ وراء القطيع الأميركي الصهيوني الأوروبي، عبر النموذج الأمثل للعصرنة، والأمركة، وعالم ماك، وغيرها ليتم غزونا ثقافياً، وخنوعنا سياسياً، وتركيعنا اقتصادياً، عبر لعبة الأمم، وصراع الحضارات، والثقافات، دون النظر إلى التجاور والتمدين، والإرث الإنساني الكبير للحضارة والثقافة العربية، بل وإلى المناهج النقدية العربية، والفلسفية أيضاً! سيأتى يوم يعود النهر إلى مجراه، ويعود البحر إلى صفائه، ويعود للعرب مجدهم الحضاري والتاريخي، وليست هذه أحلام شعراء، بل مقادير واقع عالمي يتجه نحو الشرق؛ وعما قريب عبر “عالم ما بعد كورونا” سنرى تجديداً في خارطة العالم، وقيادته، وتسيير عقلية العالم الكبرى؛ رغم التسلح النووي، وصراع الهويات والحضارات والقوة، والأقطاب، فهناك قطب الأقطاب الأكبر؛ والهيولى العظيم الذى تنجذب له كل الأقطاب عبر الكون والعالم والحياة.. فهل من جديد؛ ربما؟! حاتم عبدالهادي السيد كاتب مصري

مشاركة :