تخرجت تلك الطالبة في أكبر جامعات المملكة مساحة، وبعد 5 أعوام من العطالة قبلت على الماجستير المدفوع بالجامعة نفسها، لأن المجاني لم يقبلها تخرجها بمعدل 5 من 5 في المستوى الأخير من البكالوريوس، ودرجة عالية في اختبار القدرات العامة للجامعيين، وعلى مدى عامين جمعت مبلغا من الضمان الاجتماعي الذي يصرف لها، وأكملت المستوى الأول من الماجستير بمعدل 4.9 من 5، وحينها تقدمت لرئيس الجامعة هناك بخطاب يشرح أنها بلا دخل أو وظيفة، وأنها غير قادرة على توفير هذا المبلغ مرة أخرى إلا بعد سنتين من ادخار مخصصاتها من الضمان، وهذا سيحرمها من الانتظام في المستوى الثاني. ذهبت المعاملة ما بين «أدراج» مكاتب الرئيس إلى «أدراج» عميدة الدراسات العليا وإلى مكتب وكيل الجامعة لشؤون البحث العلمي والدراسات العليا، و«يا عيني» على فخامة المسميات وعلى من يعمل بـ5 أعمال في آن واحد، لتصلها رسالة بأن عليها الدفع خلال يومين أو تحرم من الماجستير، والذي يعتبر بالنسبة لها تعليما أساسيا لتسد حاجتها بدلا عن معونات الضمان الاجتماعي. ولأنها الأولى على دفعتها، قررت زميلاتها وبعضهن موظفات برواتب عالية أن «يقطون» لها، وأكملت المستوى الثاني بمعدل أعلى من سابقه. واليوم وبعد عام من هذه القصة القصيرة، ما زالت الطالبة نفسها في المعاناة نفسها، وبعد أقل من شهر من الآن ستصلها رسالة أخرى مثل سابقتها تطالبها بدفع 9 آلاف ريال، أو تحرم من الماجستير، وإن حرمت فلن تسترجع المبالغ التي دفعتها، ولن يعود لها عمرها الذي ضاع بسبب البيروقراطية المفرطة في هذه الجامعة. لا أخفيكم أن الطالبة وصلت إلى وزارة التعليم لتوصل معاناتها، وكان رد مستشار الوزير بأن الجامعات أصبحت مستقلة بقراراتها ولها الحق فيما يخص إدارة مواردها الذاتية، ولن يتعرضوا للمساءلة إن تم إعفاؤها أو غيرها، واستشهد بجامعة بيشة التي ما زالت ناشئة ورئيسها أقل مرتبة من رئيس الجامعة، ومع ذلك أصدر قرارا بحصر فئات مستثناة من دفع الرسوم أو جزء منها، مثل مستفيدي الضمان الاجتماعي، وأصحاب براءات الاختراع، والحاصلين على أوسمة المتبرعين بالدم و.... و......، وقال لا نملك عليهم عصا نطالبهم أو نمنعهم من إعفائك أو غيرك. ما أريد قوله إنه مثلما المريض أولا لدى وزارة الصحة، فالطالب أولا يا وزارة التعليم، ولو لم يكن هناك طالب لما دعت الحاجة لإنشاء وزارتكم «بكبرها». فإن كانت هذه الخطوات المتخذة من قبل الوزارة والجامعات هي لتحسين الموارد الذاتية لها، فلا فائدة من الموارد ما لم يدر إنفاقها بجودة وكفاءة عاليين. فما بين أثاث عشرات المكاتب غير المستخدمة، وما بين طالب يحرم من مستقبله ولا يتم استثماره، خصوصا وأن الجامعات يقاس تقييمها محليا ودوليا بما وصل إليه طلابها من تفوق وبراءات اختراع وبحوث منشورة، وهذه جميعها قد تكون تلك الطالبة ومن مثلها مؤهلون لها، فنتمنى من وزير التعليم أن يخاطب الأمم المتحدة لتقنع حلف الناتو بضرورة تدخل دول البلقان لبيع قطعة من أثاث هذه المكاتب وتوفير 9 آلاف ريال لتتمكن هذه الطالبة من إنهاء دراستها العليا لتجد مرتبا يسد حاجتها وحاجة أسرتها الضمانية، وحتى ذلك الحين فما زلنا نبحث عن إجابة عما هو الأهم «الأثاث أم الطالب يا وزارة التعليم؟!».
مشاركة :