وأنت تهم بالخروج من بيتك مضطرا مدججا بوسائل الحماية اللازمة ومتوجسا في آن من وحش لا يُرى بالعين المجردة اسمه كورونا يتربص بك، كثيرا ما ينتابك شعور بالإثم كما لو أنك أتيت كبيرة من الكبائر خرقت بها متعمدا القانون الصحي - الاجتماعي الذي فرضه الفريق الوطني الطبي لمواجهة وباء أذاق العالم الويلات، وتلاعب بآمال الناس في انفراج الأوضاع بمتحوراته وطفراته الجينية التي جعلته في كل نسخة جديدة يزداد ضراوة وفتكا وكأنه يهزأ ببني البشر ويتحداهم ويتبارى معهم في ساحة وغى قانونه فيها أنه لن يرحم الغافلين والمستهترين بقوته. لقد فرض علينا هذا الوباء غلقا شبه تام لمختلف مجالات النشاط التي قد تسمح باكتظاظ يتحين الفيروس اللعين حصولهما ليعبث بطمأنينتنا، واستثنت من هذا الغلق ما اصطلح على تسميته بأماكن الاغتناء بضروريات المعيشة اليومية التي أضحت بفعل كوفيد-19 لدى العقلاء منا تتم بوتيرة أسبوعية وربما بمعدل مرة في الأسبوعين خوفا من هذا العدو الوقح المسمى كورونا. وقد انتبه الفريق الوطني لخطورة هذه الجائحة ونبه إليها بتوجيهات سديدة كان لها الأثر الكبير في الحد من تغول الفيروس. في اعتقادي أن شعورنا بالخوف من عدوى الفيروس ليس مستغربا، وهو شعور إيجابي في العموم؛ لأنه يأتي من استشعار المرء بالمسؤولية الوطنية تجاه أهله وناسه ومجتمعه، فالالتزام بالإجراءات الاحترازية هو ما تطلبه منا الجهات الصحية في البلاد لحماية النفس من عدو فتّاك لا يستثني أحدا إلا من أحكم من حوله تنفيذ الاحترازات الطبية الضرورية التي ما فتئ الفريق الوطني الطبي يذكر بها، حتى استبطنّاها فصارت مكونا سلوكيا من حضورنا في الفضاء العام وتعاملنا مع من نتقاسم معهم العيش في هذا الوطن. لقد كان ذلك مكسبا يُحسب للفريق الوطني الطبي، ففضلا عن جهوده الطبية ومتابعته الدقيقة للوضع الوبائي وتحولاته واستعداداته لإنقاذ الأرواح، نجح الفريق الوطني الطبي في صناعة وعي جمعي أراه واحدا من المكاسب العظيمة التي جنيناها بفضل طريقة تعامل مملكتنا مع جائحة كوفيد-19 منذ ظهورها. صحيح أننا عانينا كثيرا على مدى أكثر من ثمانية عشر شهرا مضت، ولا يمكن بناء على استقرائنا الوقائع وتطورات الوضع الوبائي إلا أن نحمّل أنفسنا الخطأ أو التقصير في كل ما ألمّ بنا على المستوى الشخصي والجمعي حتى كدنا نصل إلى شفير الخطر. لقد كانت التعليمات من أهل الاختصاص واضحة وجلية ومجانية وفوق كل ذلك كانت سهلة ولا تكلف المرء كبير عناء في تطبيقها. وكانت المتابعة والجدية والصبر على حماقات بعضنا والتضحية من الفريق الوطني حاضرة دائما لاتخاذ ما يلزم للسيطرة على الجائحة، وقد ترتبت عن ذلك حتما كلفة اقتصادية واجتماعية ونفسية لا مفر منها وقد تحمل كل منا نصيبه من هذه الكلفة، ولذلك فليس علينا إلا أن نتعظ ونتحمل مسؤوليتنا المجتمعية أكثر فأكثر حتى لا نقع في فخ الاستسهال أو التوهم بأننا غلبنا الكوفيد، فقدرنا -كما يقول أهل الاختصاص- أن نتعايش مع هذا الفيروس حتى نحصل على مناعة جماعية من أذاه. الحقيقة التي لا يختلف فيها عاقلان أننا لا نريد العودة إلى المربع الأول، أو البقاء في ما قد وصلنا إليه. نحن نريد التخلص من الوباء كلية وإنهاء حالات الإغلاق المتكررة والعودة إلى الحياة الطبيعية. حياة نمضي دقائقها وساعاتها وأيامها بسعادة وفرح. ولن يكون ذلك متاحا، وهذا ما برح يلهج به أعضاء الفريق الوطني الطبي، إلا بالإسراع إلى أخذ اللقاح لمن لم يقرر بعد أخذه، والانتهاء من أخذ الجرعة الثانية والتنشيطية لمن يحتاج إليها، والأخذ بكافة الإجراءات الاحترازية التي تمنع انتشار العدوى. وإنها لو تعلمون لمسؤولية وطنية اجتماعية عظيمة يجب على كل مواطن ومقيم أن يأخذ بنواصيها. لنتذكر دائمًا ونحن نعبر بثقة المنعطف الصحي الخطير الذي أوجعنا جميعا وترك ندوبه وآثاره في كل بيت تقريبا، أن من أهم الأسباب وأقواها تأثيرا في زيادة حالات الإصابة والوفيات التي شهدها المجتمع البحريني قبل شهر ونيف، هو التجمعات الكبيرة في المنازل خلال شهر رمضان وعيد الفطر الفائت، ونحمد الله على نجاحنا في إيقاف اتساع دائرة الخطر تلك بوعي المجتمع وهمة السلطات الصحية ممثلة بفريقنا الوطني، وفي تمكننا من تعديل مسار سفينة مجتمعنا الآن بحسب البيانات الصحية اليومية لنقودها إلى طريق التصفير بإذن الله. فهل بعد ذلك يجوز ونحن مقبلون على عيد الأضحى المبارك، أو أي مناسبة اجتماعية أخرى قبل العيد أو بعده، أن نعود إلى ارتكاب الخطأ نفسه لنحصل على النتائج الكارثية نفسها التي كان لها أسوأ الأثر في نفسيات أفراد المجتمع؟ نرجو أن يمر عيد الأضحى المبارك علينا أكثر سعادة وفرحا وصحة من العيد الذي قبله، وأن نكون أكثر حرصا ووعيا جمعيا ينعكس صحة على أفراد المجتمع، وأن يستمر فرح العيد لما بعد العيد، وأن تكلل جهود الفريق الوطني وجميع الأفراد في الصفوف الأمامية بالنجاح في القضاء على كورونا. ولن يتحقق لنا كل ما ذُكر إلا بتعاون أفراد المجتمع مع ما يصدره الفريق الوطني من تعليمات خلال مؤتمراته الصحفية التي فيها يوجز حالة المجتمع الصحية.
مشاركة :