أكدت المهندسة عائشة العبدولي، الوكيل المساعد لقطاع التغير المناخي والبيئة والتنمية الخضراء في وزارة التغير المناخي والبيئة، أنّ الإصدار الرابع من تقرير «حالة الاقتصاد الأخضر في دولة الإمارات 2021»، الصادر عن الوزارة كشف عن كل من توفير الدولة خدمات عالية الجودة للرعاية الصحية، وتركيز الدولة الكبير على تحسين قدرة قطاع الرعاية الصحية على التعامل مع الأوبئة والمخاطر الأخرى، مثل التهديدات المتعلقة بتغير المناخ. وقالت العبدولي في تصريحات لـ «الاتحاد»، إنّ تلك النتائج التي أشار إليها التقرير لم تأتِ من فراغ، وإنما جاءت نتيجة حتمية لعمل الدولة وفقاً لرؤيتها 2021 الهادفة إلى توفير الرعاية الصحية وبأعلى المواصفات والمقاييس العالمية، كما تعتبر الرؤية أجندة وطنية ترتكز على إدراج مؤشرات أداء رئيسية فيما يتعلق بالأولويات الصحية، مثل أمراض القلب والأوعية الدموية والسكري والسمنة والسرطان وغيرها؛ لذلك فإن الدولة تدرك الأهمية الكبرى للحيلولة دون تأثير التغير المناخي على صحة الناس وتقويض ما أنجزته من أهداف على الصعيد الصحي. ولفتت إلى أنّ التقرير بنى نتائجه النهائية بعد إجراء دراسة معمقة خلال عام 2020، والتي استندت في المقام الأول على معلومات التقييم الوطني لمخاطر التغير المناخي على أربعة قطاعات رئيسية هي (الصحة، الطاقة، البنية التحتية والبيئة) وتم إنجازها خلال عام 2019، بينما صدرت تقييمات التقرير ونتائجه النهائية خلال العام الجاري (2021)، والتي أظهرت أنّ عملية التكيف تتقاطع مع تلك القطاعات كافة، وتبين أنّ لواحد من التدابير المنفذة في أحد القطاعات آثاراً بعيدة المدى على قطاع آخر، الأمر الذي انعكس على إيجاد التقرير لمنهج شامل لتحليل المخاطر بشكل سليم وقوي. وحول التفاصيل الخاصة بجزئية القطاع الصحي، أوضحت أنّ سبب تركيز التقرير على المخاطر المناخية على قطاع الصحة العامة كونه يعد -وفقاً لمنظمة الصحة العالمية- التهديد الأكبر للصحة العالمية في القرن الحادي والعشرين، من خلال تأثيره الكبير على جودة الهواء وإمدادات المياه والأمن الغذائي، إلى جانب العديد من العوامل الرئيسية الأخرى التي تؤثر على الصحة العامة، حيث تظهر الشواهد العلمية وجود ارتباط قوي بين التغير المناخي والعديد من الأمراض، مثل ضربات الشمس والإجهاد الحراري وأمراض القلب والأوعية الدموية والجهاز التنفسي والأمراض التي تحملها النواقل والحشرات، لافتة إلى أنه يمكن للعوامل المرتبطة بالمناخ التأثير على إنتاجية القوى العاملة، فطبقاً للتقرير الصادر في عام 2019 عن منظمة العمل الدولية، قد يتسبب الإجهاد الحراري في تقليص ساعات العمل الإجمالية بنسبة 2.2% مع تخفيض الناتج الإجمالي العالمي، بواقع 2.400 مليار دولار في عام 2030. ورش عمل تشاورية بالسؤال عن آلية تنفيذ الدراسة النهائية للتقرير بشأن القطاع الصحي، قالت العبدولي: «ارتكزت الآلية على إشراك الوزارة للهيئات الصحية على المستويين الاتحادي والمحلي في كل إمارة، والجهات الحكومية ذات الصلة ومقدمي الرعاية الصحية من القطاع الخاص والأوساط الأكاديمية والمجتمع المدني، عبر عقد ورشة عمل تشاورية بين الأطراف المعنية، حول تقييم المخاطر المناخية على قطاع الصحة العامة، حيث شكلت الورشة منصة تفاعلية للمشاركين لتبادل الأفكار والرؤى حول المخاطر الأكثر إلحاحاً، والتي يفرضها التغير المناخي على الصحة العامة في دولة الإمارات، ليتم بعد ذلك استخلاص النتائج المشار إليها أعلاه». 9 مخاطر مناخية أشارت المهندسة عائشة العبدولي إلى أنّ التقرير كشف كذلك عن تسبب تغير المناخ بـ 9 مخاطر على القطاع الصحي، 5 منها صنفت بـ «منخفضة الأثر» وتصدرت المرتبة الأولى ضمن تصنيفات آثار المخاطر على القطاع الصحي، وشملت الإصابة بالمرض نتيجة سوء التغذية، وتضرر البنية التحتية الصحية نتيجة الأحوال الجوية السيئة، وتوقف تقديم خدمات الرعاية الصحية بسبب الكوارث الطبيعية، والإصابة بالأمراض الناتجة عن تفاقم أمراض القلب والأوعية الدموية، والإصابة بالأمراض الناتجة عن تفاقم أمراض الجهاز التنفسي، و2 تم تصنيفهما بـ «المنخفضة للغاية» وجاءا بالمرتبة الثانية، ويشملان الإصابة بالأمراض بسبب ارتفاع معدل الأمراض التي تحملها النواقل، والإصابة بالأمراض بسبب تلوث الغذاء، و2 جاءا بالمرتبة الثالثة، أحدهما صنّف بـ «عالي الأثر» وهو انخفاض إنتاجية القوى العاملة بسبب الإجهاد الحراري، والآخر صُنّف بـ «متوسط الأثر»، وهو الإصابة بالمرض نتيجة ضربات الشمس. وذكرت أنّ التقرير كشف عن مخاطر صحية ملحة أخرى تتعلق بارتفاع درجة الحرارة، كالإصابة بالأمراض نتيجة ضربات الشمس، والأمراض الأكثر شيوعاً تحت مظلة الصحة البيئية والسلامة المهنية، كما برز ضمن المخاطر التي تم تحديدها، التهديد الأكبر في الخطر المتعلق بانخفاض إنتاجية العمالة، لاسيما عمال البناء والتشييد، بسبب الإجهاد الحراري، لما له من تأثيرات اجتماعية واقتصادية كبيرة، مشيرة إلى أهمية اتخاذ خطوات مهمة للجم هذه المخاطر وأهمها دمج أبعاد التغيرات المناخية بالمخاطر، والمراقبة المنتظمة لها بما يمنع أي تفاقم محتمل، والتحليل المعمق لتطبيق تدابير مناسبة وموجهة بصورة محكمة للحد منها. خطوات استباقية أكدت العبدولي أنّه وفقاً للتقرير، فإن الدولة لم تتجاهل آثار التغير المناخي على الصحة العامة فيها، نظراً لإدراكها الواعي لمسألة لجم تلك الآثار بطريقة مبكرة والسيطرة عليها، ومنع مواصلة تأثيراتها السلبية على صحة الناس وإنتاجيتهم وسلامتهم، وخير دليل على ذلك، اتخاذها خطوات استباقية عدة، مثل الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة لحماية العمالة من المخاطر المرتبطة بارتفاع درجات الحرارة، وتعزيز مراقبة الأمراض المتعلقة بالحرارة المرتفعة، وبناء القدرات في مجال إدارة الإجهاد الحراري، والتركيز على إجراء أبحاث خاصة بالتغير المناخي والصحة العامة، وتبادل المعرفة والتدريب على تيسير دمج التكيف الصحي في السياسات التنموية على المدى البعيد. مبادرات التكيف أشارت المهندسة عائشة العبدولي إلى أنّ الدولة، وفقاً للتقرير أيضاً، أطلقت خلال السنوات الماضية العديد من مبادرات التكيف المتعلقة بالمخاطر الصحية ذات الصلة بارتفاع درجات الحرارة، منها سياسة الاستراحة في منتصف اليوم والتي أقرها القرار الوزاري رقم 401 لعام 2015، حيث تشترط هذه السياسة التوقف عن العمل خلال الفترة ما بين الساعة (12:30 - 15:00)، ويدعم هذه السياسة قانون العمل الإماراتي رقم 8 لعام 1980، والذي ينص على تحمل أرباب العمل المسؤولية القانونية عن حماية صحة عمالتهم من الأماكن المكشوفة خلال فترة الصيف، كما يفرض القانون غرامات وعقوبات في حال زيادة ساعات العمل أو عدم وجود بيئة عمل إنسانية مناسبة في الأحوال الجوية القاسية، بالإضافة إلى مبادرة سترات التبريد للعمالة الخارجية، حيث تستطيع هذه التكنولوجيا خفض درجة حرارة الجسم من 42 إلى 37 درجة مئوية خلال نصف ساعة فقط أثناء الارتفاع الشديد لدرجات الحرارة، لافتة إلى إنقاذ هذه التكنولوجيا أرواح العديد من العمال من الإصابة بضربات الشمس في مواقع الإنشاءات في ذروة فصل الصيف، وهناك خطط لتزويد سيارات الإسعاف بهذه السترة المبتكرة مستقبلاً.
مشاركة :