لا يزال أطفال اليمن يدفعون ثمن الفوضى التي تجتاح البلد، حيث يفتك بهم الجوع وتتالت قصص وفاتهم من سوء التغذية ونقص المساعدات الإنسانية وعدم وصولها إن توفرت إلى من يستحقها، لتضاعف الأزمة الاقتصادية من عجز العائلات اليمنية على تأمين أبسط ضروريات الحياة لأبنائها. صنعاء - في محافظة الحديدة، غربي اليمن تم نقل الطفل أحمد عمر (8 أشهر) إلى مركز الحشابرة الصحي الواقع في مديرية الزيدية التي تبعد 67 كيلومترا عن مدينة الحديدة، وهو في حالة صحية صعبة ومن خلال المعاينة والقياسات الجسمانية تبيّن أنه يعاني من سوء تغذية حاد. تقول والدة أحمد وهي من سكان الزيدية، إنها كانت مصدومة عندما شعرت بأن طفلها ينهار أمام عينيها وهي عاجزة عن تقديم المساعدة له. لا يتعدى طول أحمد 68.5 سنتيمتر ووزنه 5.1 كيلوغرام فيما بلغ قياس محيط منتصف الذراع عن طريق الشريط الطبي أو ما يسمى “المواك” 9.5 سنتيمتر والذي يعتبر مؤشرا لقياس درجة سوء التغذية وهو ما يعني سوء تغذية حاد ووخيم. المنظمات الإنسانية تحتاج الحصول على موارد عاجلة وتوصيلها دون عوائق كي تتمكن من إنقاذ حياة الناس تتابع أم أحمد “شعرت أن طفلي يتجه بسرعة نحو الموت وفزعت عندما أخبرني العاملون في المركز بأنه مصاب بسوء التغذية شعرت بالذنب والخوف وتمنيت لو أنه ما أصاب أحمد أصابني أنا بدلا عنه”. عائلة أحمد المكونة من سبعة أفراد تعيش على أعمال حرة متقطعة لا تتجاوز الــ30 دولارا شهريا وهو معدل دخل منخفض جدا في ظل ارتفاع الأسعار وأزمة الوقود التي تشهدها المنطقة. تشير الأرقام الجديدة، والواردة في التقرير الأممي الأخير بشأن سوء التغذية الحاد للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي الصادر هذا العام إلى وجود ارتفاع في معدلات سوء التغذية الحاد والحاد الوخيم بمقدار 16 في المئة و22 في المئة على التوالي بين الأطفال تحت سن الخامسة عن العام 2020. هذه الأرقام هي من بين أعلى معدلات سوء التغذية الحاد الوخيم المسجلة في اليمن منذ تصاعد النزاع عام 2015. وقد ذكر التقرير الذي نشرته منظمة الغذاء العالمي، أنه من المتوقع أن يعاني ما يقرب من 2.3 مليون طفل دون الخامسة في اليمن من سوء التغذية الحاد عام 2021 منهم 400 ألف طفل يعاني من سوء التغذية الحاد الوخيم مع إمكانية تعرضهم للوفاة في حال عدم حصولهم على العلاج بصورة عاجلة. ويقول حسن قادر المسؤول الصحي والمشرف على المركز إن حالات سوء التغذية لا تتوقف تقريبا، لافتا إلى أن ظروف المواطنين المادية شبه معدمة وأن الجميع في المديريات النائية في أدنى مستويات الفقر والجوع. رفضت والدة أحمد الانتقال إلى مديرية الضحي التي تبعد 13 كيلومترا عن المدينة، وبها أقرب مركز رقود لحالات سوء التغذية وبررت ذلك بخوفها على بقية أفراد عائلتها وقالت إنها تشعر بالإحباط وتريد الانتقال مع كافة أفراد أسرتها. يلد جائعا يلد جائعا وفي مديرية الزيدية تم تقديم التغذية المجانية لأحمد وعادت والدته إلى المنزل وقالت إنها ستعود يوميا إلى المركز لتستعيد صحة أحمد من جديد. وبحسب تصريح ديفيد بيزلي المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي، فإن هذه الأرقام “تمثل استغاثة”. وأضاف “تمثل هذه الأرقام استغاثة أخرى من اليمن طلبا للمساعدة حيث أن كل طفل يعاني من سوء التغذية يعني أيضا وجود أسرة تكافح من أجل البقاء على قيد الحياة. إن الأزمة في اليمن هي عبارة عن مزيج فتّاك من النزاع والانهيار الاقتصادي والنقص الحاد في التمويل اللازم لتقديم المساعدة المنقذة للحياة والتي هناك حاجة ماسة إليها. لكنّ هناك حلا للجوع، وهو توفير الطعام وتوقف العنف. إذا تحركنا الآن، فلا يزال هناك وقت لإنهاء معاناة أطفال اليمن”. آمنة محسن علي، أم يمنية تعيش في العاصمة صنعاء، تتكون أسرتها من أربعة أبناء لا يتجاوز سن أكبرهم الـ15. تقول محسن علي، “كل يوم يمر علينا ونحن بخير هو بمثابة إنجاز كبير”. تكافح محسن علي من أجل الحصول على ما يشبع بطن أبنائها الأربعة ويحميهم من الموت جوعا، فقد عانى اثنان من أطفالها الصغار من سوء التغذية الحاد “ونجيا بأعجوبة”، على حد تصريحها، بعد بقائهم لأسابيع في قسم سوء التغذية بمستشفى السبعين الذي تمتلىء أسرته بأطفال لا يكسو عظمهم سوى جلد رقيق. أسر تكافح من أجل البقاء على قيد الحياة أسر تكافح من أجل البقاء على قيد الحياة تضيف محسن علي “زوجي طريح الفراش وأنا أعيش على المساعدات ولولاها لما وجدنا لقمة نسد بها جوعنا. الأسعار في ارتفاع دائم والحرب مستمرة ولا توجد وظائف. أصبحت الحياة مجرد معركة كبيرة نحاول أن ننجو فيها من الموت والأمراض”. في بعض الأوقات تعمل محسن علي في البيوت للحصول على مبلغ مالي زهيد يسمح لها بشراء الحليب لطفلها الصغير الذي لم يتجاوز عمر السنتين. تختم محسن علي حديثها بالقول، “ها أنا اليوم أربط على بطني وأحرم نفسي اللقمة كي أشبع أبنائي الأربعة خوفا من أن أفقد أحدهم بسبب سوء التغذية”. كل يوم يزداد الوضع في اليمن سوءا ويتطلب بذل المزيد من المجهودات الإنسانية وهو ما شددت عليه هنرييتا فور المديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة يونسيف. وقالت في تقرير نشرته المنظمة “إن تزايد عدد الأطفال الذين يعانون من الجوع في اليمن يجب أن يدفعنا جميعا للتحرك. سيموت المزيد من الأطفال.. مع كل يوم ينقضي دون القيام بالعمل اللازم. تحتاج المنظمات الإنسانية للحصول على موارد عاجلة يمكن توقعها مع إمكانية الوصول دون عوائق للمجتمعات المحلية في الميدان كي تتمكن من إنقاذ حياة الناس”. لا يزال مصير الكثير من أطفال اليمن غامض كمصير بلادهم، فكماشة الحرب ترفض أن ترتخي وتكتب النجاة والأمان لليمنيين.
مشاركة :