استبدال الكتب الورقية بالأجهزة الذكية يتكرر الحديث عنه منذ 2017 حتى قبيل أيام وعن التطوير الاستراتيجي والتحول الرقمي بالتعليم، والاستبدال بحد ذاته يحتاج لدراسة وليتها كانت الاستعانة.أكثر ما يستغرب تغني الصحف وبعض المثقفين بذلك وصوت الأغلبية لا يعني صحة الرأي دوما هناك زوايا مغفولة تستحق النظر. القرارات المدروسة للمشاريع التي تبنى على عوائد المنفعة والتكلفة والموازنة بين الأضرار والفوائد تجعلنا نفكر مليا في العديد من القرارات الحياتية. وكثير من خططنا يغيب عنها التخطيط الشمولي.سوف أسلط الضوء على عدة تساؤلات تتعلق باستبدال الكتب بالأجهزة الذكية للإشارة لجوانب تعليمية واقتصادية وصحية وبيئية.من سيتحمل التكلفة؟ هل وزارة التعليم ستتحمل أعباء المدارس الحكومية والأهلية؟ كم تكلفة توفير الأجهزة الذكية لستة ملايين طالب؟ ما هو العمر الافتراضي للجهاز حتى يصبح نفاية الكترونية؟ ثم توفير أجهزة جديدة.هل حقا التحول للأجهزة الالكترونية يحقق أثرا بيئيا جيدا؟هل درس بشكل معمق مدى الفروق والفاقد التعليمي والمقارنة بين المستوى التحصيلي للورق مقابل الوسائط الرقمية؟تظهر نتائج العديد من الأبحاث أن القراءة ونتائج التحصيل والاختبارات الورقية أعلى مستوى في الفهم والإدراك، لكن هناك مساعي عالمية نحو تحقيق مستويات فهم مكافئة في القراءة الرقمية مقارنة بالورقية.في 2020 قررت تأجيل خطتي بشراء جهاز كمبيوتر لارتفاع الأسعار بسبب كورونا وارتفاع الطلب على الأجهزة بأنواعها، ظنا مني بتراجع الأسعار لاحقا لأني لست مضطرة، كورونا ساهمت في تغيير أنماط الاستهلاك بالعالم ورفع الطلب على أجهزة الكمبيوتر فحققت أعلى مبيعات منذ 6 سنوات، التعليم عن بعد والمكوث في المنزل زاد من شراء الأجهزة، الطلب الضخم أثر على مصنعي الرقائق الالكترونية فلا يستطيعون ملاحقة الطلبات، بالإضافة للحرب الباردة بين الصين والولايات المتحدة التي طالت حتى الرقائق! فالصين اشترت حصصا مهولة نكاية بصديقتها أمريكا! هناك مجاعة رقائق الكترونية في الأسواق العالمية تسببت في ارتفاع أسعار الأجهزة وسترتفع أكثر مستقبلا، وهناك العديد من أسباب نقصها في هذا العام، فتايوان التي تمتلك شركة تنتج أكثر من نصف حصة السوق 50%، شهدت موجة جفاف أثر على إنتاجها بشكل سلبي.معلومة بيئية، المياه مهمة لصناعة الرقائق، 10 جالونات من المياه لكل رقاقة، بالإضافة للكميات الكبيرة من الطاقة والمواد الكيميائية.نحن المستهلكين المتضررين بدفع الفاتورة النهائية للتكلفة، فهل الوقت مناسب اقتصاديا لخطة الاستبدال؟ مصاريف الأجهزة أم الطباعة.رقاقات السيلكون أصبحت الأمن اقتصاديا، لك أن تتخيل تأثر عوائد صناعةالسيارات بنقص إمداد الرقائق.هذا نقطة من بحر الجانب الاقتصادي، كم ستصبح قيمة فواتير الكهرباء للمدارس والأسر الفقيرة مع ارتفاع قيمة الكهرباء؟سأنتقل لتساؤل آخر هل أخذت الجوانب الصحية لأبنائنا كمعيار للتقييم، نعاني من آثار الاستخدام المفرط للأجهزة بين اللعب والترفيه والمذاكرة أيضا! هل اطلع المسؤولون على أبحاث تأثيرات الأجهزة الذكية على الدماغ والنمو الاجتماعي وقضايا التلوث الكهرومغناطيسي الذي تجد صراعا بحثيا لا مجال لذكره هنا.وأكتفي بالحرقة والاحمرار والزغللة وجفاف العين، ليت عيادات العيون تحصر لنا أكثر الأعراض شيوعا لمرضاها، قوة البصر نعمة، التركيز العالي يعني قلة الرمش وجفاف سطح القرنية وإعياءها، التركيز بأي شكل سواء للحياكة للمشاهدة للعب للقراءة يجهد النظر، القراءة الالكترونية لساعات أكثر إجهادا للعين من الكتاب الورقي.للأسف قليل من الأطباء من يتولى التوعية، بل دعايات تصحيح النظر تملأ الأفق ولن تسمع أحدا يقول ما هي أضرارها ومتى لا ينصح بها، البحث عن المعرفة ضالة من تؤرقه الحاجة وضعف نظري علمني.أما آلام الرقبة والصداع فلها نصيب من التفاصيل اليومية، أذكر في ذلك ابنتي ذات الـ13 عاما عانت بأوقات الدراسة عن بعد من الصداع المتكرر ووجدت العلة والحل بنفسها بتقليل الحد الأدنى من الجلوس على الأجهزة.وقلت الرسائل التوعوية للطلاب سواء من التعليم أو الصحة أو هيئة الاتصالات عن نصائح استخدام الأجهزة الذكية وإضاءتها والجلوس الصحي لسلامة الرقبة، ومصدر الإضاءة في الغرفة إلى جانب الشاشة.أو عن استخدام الهواتف الذكية للقراءة قبيل النوم وأثره في النواقل العصبية وتأخير النوم. وفي دراسة منشورة أن القراءة على جهاز قبل النوم أظهرت انخفاضا في مستويات الميلاتونين وهو هرمون يسبب النعاس.أيهما أكثر ضررا وتأثيرا بالبيئة الورقي أم الرقمي؟ فالواقع أمر والأحلام أمر آخر، لكليهما تأثير بيئي وبصمة كربونية فالورق يزيل الأشجار وصناعته تستهلك المياه، وتقليص استخدام الأوراق أحد أشكال الحفاظ على البيئة لكن الورق قابل للتحلل بشكل أسرع. كما أنه يوفر الكهرباء والاتصال بالإنترنت. والأجهزة الالكترونية لها تأثيرات بيئية خطيرة، فاستخراج المواد والمعادن والفلزات يضر البيئة. وبعد انتهاء صلاحية الأجهزة تنتج نفايات سامة وغير سامة حتى مع إعادة التدوير لمواد قيمة، تتطلب المواد السامة معاملة خاصة للتخلص منها كالرصاص والزئبق وغيره، ولمرارة الواقع الكثير منها ينتهي بمكبات القمامة للحرق أو تسرب السموم إلى التربة والمياه، وأطفال عاملة تقتات على استخراج المواد بطرق بدائية بعنصرية بيئية.اقرأ واقرأ ثم حلل وقرر، لا تأخذ الأمور بسطحية، ضع بمنظورك الآثار طويلة المدى التي لا تزال غير مرئية.AlaLabani_1@
مشاركة :