في النصف الأول من عام 2020، تراجعت أسعار النفط العالمية إلى 30 دولاراً للبرميل، وذلك بسبب الانكماش الاقتصادي العالمي وسط انتشار جائحة كوفيد-19. وفي شهر مايو من نفس العام، تحولت أسعار العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط (WTI) إلى أسعار سلبية، وهو حدث غير مسبوق تاريخياً. ولا شك أن قطاع النفط والغاز مرّ بفترة صعبة للغاية ويعاني حالياً من تغيرات لم يشهد لها مثيلاً منذ أكثر من قرن. قطاع النفط والغاز حالياً على مفترق طرق، فهناك حاجة ماسة إلى إجراء مزيد من خطوات التحول الرقمي، لكن لا يزال التطور الرقمي في هذا القطاع أقل من القطاعات الأخرى مثل النقل والاتصالات والبنوك والصناعات التحويلية. ويقول الخبراء إنه حتى الآن لا يستثمر قطاع النفط والغاز إلا بكميات قليلة فقط من البيانات المتوافرة في عملية صنع القرار، مع العلم بأنه يمكن للاستراتيجيات الرقمية أن تعزز تطور هذا القطاع بشكل كبير، إذ يمكن أن تساعد، على وجه التحديد، في تطوير مجالات مثل الصيانة الاستباقية، ومراكز إدارة العمليات عن بُعد، ووضع اختيار الطاقة الديناميكي، وتجارة التجزئة متعددة القنوات، ومجالات الخدمة المتصلة. كما يمكن أن تؤدي رقمنة حقول النفط إلى خفض التكاليف وزيادة الإنتاج وتقليل استهلاك موارد المياه وتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. يمكن لتقنيات التعلُّم الآلي أن تؤدي عمليّات المحاكاة في عددٍ من المجالات والنُظُم، وذلك باستخدام نماذج البيانات التي تساعد على التنبؤ بالمستقبل، لتقوم هذه التقنيات بعد ذلك باكتشاف الأنماط المهمة في المجالات التي تتم دراستها، وذلك بناءً على مجموعة متنوّعة من المُدخلات. ويمكن للشركات العاملة في مجال النفط والغاز أن تستخدم الذكاء الاصطناعي بهذه الطريقة لاختبار التأثيرات المُحتملة لأعمال التطوير الجديدة، أو لقياس الخطر أو التأثير البيئي لأيّ مشروع جديد حتى قبل أن يتم التخطيط له. ويقوم علم البيانات باستخدام الذكاء الاصطناعي لاستخلاص المعلومات والنتائج المهمّة من البيانات الموجودة، وذلك باستخدام الشبكات العصبيّة، حيثُ يتم ربط مختلف القطع أو الأجزاء ذات العلاقة من ضمن هذه المعلومات، لتشكّل صورةً متكاملة عن مجال البحث. ويمكن للشركات العاملة في مجال النفط والغاز البحري أن تستخدم الذكاء الاصطناعي في علم البيانات من أجل تسهيل عرض وتحليل البيانات المُستعملة في اكتشاف النفط والغاز، وهو ما يسمح للشركات باكتشاف فُرص جديدة، أو الاستفادة بشكل أكبر من البُنى التحتيّة الحاليّة. وفي يناير من عام 2019، استثمرت شركة BP في إحدى الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا بهيوستن، وهي شركةBelmont Technology، وذلك من أجل تعزيز إمكانيّات الشركة من ناحية الذكاء الاصطناعي، إذ تم تطوير منصّة سحابيّة لعلوم الأرض باسم «ساندي». وتقوم منصّة ساندي بمساعدة شركة BP في تحليل جميع العناصر لأيّ مشروع من مشاريعها، حيثُ تقوم المنصّة بتحليل المعلومات الجيولوجيّة، والجيوفيزيائيّة، والتاريخيّة، بالإضافة إلى المعلومات التفصيلية لخزّانات النفط أو الغاز في تلك المشاريع، وهو ما يسمح بإنشاء «رسوم بيانيّة معرفيّة» خاصّة. ويقوم برنامج الذكاء الاصطناعي بربط البيانات مع بعضها البعض بشكل تلقائي، ليقوم بالتعرُّف في ذات الوقت على الروابط الجديدة التي يُمكن إيجادها، كما يقوم بالبحث في إمكانيّة تغيير عمليّات سير العمل إلى الأفضل. ومن خلال هذه التقنيّات، فإن برنامج الذكاء الاصطناعي يُسهم في خلق صورة إيجابيّة عن أصول شركة BP الجوفيّة. وتستطيع شركة البترول بعد ذلك أن تعود إلى المعلومات الموجودة في الرسوم البيانيّة المعرفيّة بمساعدة نظام الذكاء الاصطناعي، وباستخدام الشبكات العصبيّة، من أجل إجراء عمليّات المُحاكاة وتحليل النتائج. وتقوم هيئة النفط والغاز البريطانية (OGA) باستخدام الذكاء الاصطناعي بطُرُق شبيهة، حيثُ تمّ إطلاق أوّل مستودع وطني للبيانات (NDR) يختصّ بالنفط والغاز، وذلك في مارس من عام 2019. ويحتوي هذا المُستودع على 130 تيرابايت -وهو ما يُعادل حجم حوالي 8 سنوات من الأفلام العالية الدقّة- ويحتوي هذا المستودع على البيانات الجيوفيزيائيّة، ومعلومات البُنى التحتيّة، والحقول، والآبار. وتغطّي هذه البيانات أكثر من 12.500 بئر، و5000 مسح سيزمي و3000 خط أنابيب. البيانات الضخمة في مجال النفط والغاز.. وعدد من التطوُّرات التكنولوجيّة الأخرى يقوم المستودع الوطني للبيانات باستخدام الذكاء الاصطناعي لتفسير البيانات التي تأمل هيئة النفط والغاز أن تؤدي إلى كشوفات جديدة للنفط والغاز، أو أن ستسمح بكمية أكبر من الإنتاج من البُنى التحتيّة الحالية. بالإضافة إلى ذلك، تعتقد الهيئة الوطنيّة للنفط والغاز أن هذه المنصّة المبنيّة على الذكاء الاصطناعي ستكون عاملاً رئيسيّاً في تحوُّل مجال الطاقة نحو المُستقبل، وخاصّةً في ظل وجود بيانات الخزانات والبنى التحتيّة التي من شأنها أن تساعد في دعم المشاريع المستقبليّة لاحتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه. كما يُمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لزيادة مستوى الأمان في عمليّات النفط والغاز. ففي مارس 2019، تعاونت شركة Aker Solutions مع شركة التكنولوجيا SparkCognition لتحسين تطبيقات الذكاء الاصطناعي من خلال مُبادرتها التي أُطلِقت بعنوان ‘Cognitive Operation’. وستُستخدم أنظمة SparkCognition للذكاء الاصطناعي في منصّة تحليليّة لحلول النفط والغاز، تحت اسم SparkPredict، وستقوم هذه المنصّة بمُراقبة عمليّات التثبيت فوق سطح البحر وتحته، لأكثر من 30 بنية بحرية. وتبنّت شركة Shell برنامجاً مُشابهاً للذكاء الاصطناعي في سبتمبر 2018، عندما دخلت في شراكة مع شركة Microsoft لدمج منصة برمجيات Azure C3 Internet of Things في عملياتها البحريّة. وتستخدم المنصة عمليّات الذكاء الاصطناعي لتعزيز الكفاءات في جميع أقسام البنية التحتية البحرية لشركة Shell، بدءاً من الحفر والاستخراج ووصولاً إلى تمكين الموظفين وسلامتهم. مستقبل الذكاء الاصطناعي لقد بدأ بالفعل استخدام الذكاء الاصطناعي في عدد من القطاعات ضمن مجال النفط والغاز، كجزء من الجهود العالميّة لتطوير جهود الاكتشاف والإنتاج رقميّاً. وعلى الرغم من كلّ هذه المعلومات التي استعرضناها، فماذا سيكون مستقبل تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في مجال النفط والغاز؟ شركات ناشطة في تقنيات وحلول قطاع النفط والغاز شركة هواوي من الشركات التكنولوجية الناشطة في مجال دعم مسارات التحول الرقمي لقطاع النفط والغاز. وتطورت هذه الشركة من مجرد مورّد لأجهزة التحويل وأجهزة التوجيه والشبكات إلى شريك استراتيجي يوفر حلول التحول الرقمي المتكاملة لقطاع النفط والغاز. ومن أبرز ما تقوم به حالياً التنسيق مع الشركاء والعملاء لنشر تطبيقات تقنية الجيل الخامس والذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة في قطاع النفط والغاز. وتواصل العمل معهم على استكشاف تقنيات وتطبيقات جديدة تمثل حلولاً للتحديات الحالية والمستقبلية. تركز هواوي حالياً على دعم أعمال قطاع النفط والغاز بمزايا شبكات الجيل الخامس وإمكانيات دمجها بتقنيات حديثة أخرى كالذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية لتفتح آفاقاً جديدة على مستوى التعامل مع البيانات وتوفير النطاق الترددي العالي والاتصال العريض والمساعدة في جمع ونقل وتحليل البيانات، وتقليل عبء مد الكابلات يدوياً وتحسين كفاءة العمليات التشغيلية. كما تُستخدم شبكات الجيل الخامس من هواوي حالياً في حقول ومحطات النفط لدعم الفحص بالروبوتات، والفحص باستخدام الطائرات بدون طيار، وتطبيقات الواقع المعزز (AR) والواقع الافتراضي (VR). وقدمت هواوي العديد من الحلول لتحقيق مستوى أعلى من السلامة والكفاءة في صناعة النفط والغاز، وساهمت في إطلاق حلول تقنية تعنى بعمليات التنقيب والإنتاج والعمليات النهائية للجمع بين الإنتاج الرقمي والتحكم في السلامة وتحسين القدرات الإنتاجية. وتشمل حلول تقنية المعلومات والاتصالات المبتكرة تطبيقات إنترنت الأشياء في قطاع النفط والغاز وخطوط الأنابيب الرقمية والحوسبة العالية الأداء وإدارة العمليات والتوزيع الذكي. وتم تطبيق حلول النفط والغاز من هواوي في 45 دولة ومنطقة حول العالم، وتخدم 70% من أكبر 20 شركة عالمية للنفط والغاز.
مشاركة :