قضية اليوم معروفة جيدا للأطباء والممرضات والقائمين على وزارة الصحة.. قضية حدثت في أكثر من مستشفى حكومي كان آخرها إغلاق مستشفى الحرس الوطني في الرياض.. فعدوى المستشفيات مشكلة عالمية وتأتي في الولايات المتحدة كرابع أعظم قاتل للمرضى داخلها (ولك أن تتصور النسبة في الدول الأقل تقدما)؛ فمنذ عام 1995 ومتوسط الاصابة يتجاوز مليوني مريض يصابون (بعد دخولهم المستشفى) بعدوى وأمراض لم يعانوا منها من قبل.. ومن هؤلاء يموت في المتوسط 103,000 مريض كل عام (وهو رقم يفوق وفيات الإيدز وسرطان الثدي وحوادث السيارات مجتمعة).. أما في ألمانيا فاتضح أن واحدا من بين عشرين مريضا يخرج مصابا بعدوى أو مرض يختلف عما دخل به، وفي اسكتلندا (كما قرأت مؤخرا على موقع ال BBC ) يصاب واحد من بين عشرة مرضى في المستشفيات، وفي كندا أعلنت منظمة طبية (تدعى اختصارا HAI) فشل معظم المستشفيات الكندية في تخفيض نسبة الإصابات الجديدة عما كانت عليه قبل عشر سنوات! والمشكلة في أي مستشفى تكمن في طبيعة المستشفيات ذاتها كونها تستضيف مرضى دائمين في موقع محصور ومغلق نسبيا.. أضف لهذا أنها تلعب دور "غرفة مقاصة" تعمل فيها الأدوات والأجهزة الطبية كوسيلة لنقل العدوى بين مختلف المرضى.. والأسوأ من تناقل "الأدوات الطبية" هو (أيدي) الأطباء والممرضين أنفسهم التي اتضح أنها تنقل العدوى أكثر من أي شيء آخر! .. ومكافحة "عدوى المستشفيات" لا تحتاج إلى إجراء معقد أو مكلف بل إلى جدية الطاقم الطبي في التقيد بأنظمة النظافة والتعقيم والاستغناء قدر الإمكان عن الأدوات والأنابيب المستعملة.. بل اتضح أن التزام الأطباء والممرضين بتعقيم أيديهم قبل كل إجراء وبين كل مريض وآخر يخفض معدل انتقال العدوى بنسبة 65% (وأكثر من 80% في أقسام الحضانة والرعاية المكثفة).. غير أن إهمال (هذه البدهيات)، وعدم الالتزام (بتلك المسلّمات) يتسببا كل عام بمتوسط وفاة قدرها 100 ألف مريض في أميركا، و30 ألفا في بريطانيا، و28 ألفا في ألمانيا ولا تسأل عن عدد الوفيات الصامتة أو غير المعلنة لدينا! .. ورغم أن مكافحة عدوى المستشفيات ليست صعبة أو مستحيلة بل وتعد من بدهيات ومسلّمات العمل الطبي تظل معرضة للقصور كونها تعتمد على أمانة وضمير العاملين في هذا المجال. ورغم ثقتنا الكبيرة بأمانة أطبائنا وممرضاتنا لا يجب أن تعتمد وزارة الصحة على هامش الضمير وحسن النية (أو تصف ماحدث على أنه غفوة في إجراءات السلامة) بل يجب أن تتبنى الإجراءات السابقة كإجراءات رسمية وتبلغها للمستشفيات كبروتوكولات إلزامية تحاسب عليها الجميع.. وغني عن القول؛ الجدية في منع إصابة المرضى بالعدوى، لا تقل أهمية عن شفائهم من الأمراض ذاتها..
مشاركة :