حذرت كريستالينا جورجيفا، مديرة صندوق النقد الدولي أمس من "تباين خطير" بين الدول المتقدمة والنامية في سعيها للتعافي من جائحة كوفيد-19. وبحسب "رويترز"، قالت إن نموا قويا في دول غنية مثل الولايات المتحدة هو "أنباء سارة"، لكن النمو في الدول النامية يعرقله بطء وتيرة التطعيم. وأضافت خلال منتدى باريس للسلام، الذي تحدث فيه أيضا رئيسا منظمة التجارة العالمية والبنك الدولي، "هذا خطر على النمو كما أنه خطر على الاستقرار والأمن العالميين". كما عبرت نجوزي أوكونجو إيويلا، مدير عام منظمة التجارة العالمية عن مخاوفها، وحذرت من "مسار متباين للتعافي" في ظل بطء وتيرة التطعيم في مناطق مثل أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وإفريقيا، التي تشهد نموا بطيئا للغاية. ودعت جورجيفا دول مجموعة العشرين لبذل مزيد من الجهود خلال اجتماع سيعقد في مدينة البندقية بإيطاليا في التاسع والعاشر من تموز (يوليو) الجاري لبحث تقاسم الجرعات، وقالت إن تعهد دول مجموعة السبع بالتبرع بمليار جرعة "ليس كافيا .. نحن بحاجة إلى التصرف بمزيد من القوة". كانت الدول الصناعية الغنية والمتقدمة الأشد تضررا من جائحة فيروس كورونا المستجد في موجتها الأولى، التي انطلقت خلال آذار (مارس) 2020، في إيطاليا الأشد معاناة من الخسائر البشرية للجائحة حينها، ثم في دول أوروبا الأخرى أو الولايات المتحدة، التي تعد أكثر دول العالم معاناة، سواء من حيث الوفيات أو الإصابات، وبريطانيا التي أصبحت أطول دول أوروبا معاناة من الجائحة. والآن وبعد مرور نحو 15 شهرا على بدء الجائحة عالميا، بدأت الدول الغنية مناقشة موضوعات ما بعد الجائحة، مثل تخفيف القيود على الحركة والأنشطة الاقتصادية، وبرامج التطعيم وعودة الحياة إلى طبيعتها. في المقابل، فإن أغلب دول قارة إفريقيا سقطت حاليا في قبضة الموجة الثالثة من الجائحة، وتستعد للموجة الرابعة، وربما الخامسة. ومع انتشار السلالة المتحورة الأشد خطورة دلتا، في القارة الأقل تطعيما ضد فيروس كورونا في العالم، تتزايد أعداد الإصابات، لتتجاوز الطاقة الاستيعابية للمستشفيات، وترتفع أعداد الوفيات، وهذا قد يعيد الدول الغنية إلى نقطة الصفر. وفي حين لا يوجد أمل كبير في تطعيم أعداد كبيرة من سكان إفريقيا خلال الشهور المقبلة، بسبب استمرار الدول الغنية في الاستحواذ على أغلب إنتاج اللقاحات المضادة للفيروس، يتوقع خبراء الوبائيات انطلاق موجة جديدة من الوفيات الناجمة عن فيروس كورونا قبل نهاية العام الحالي. وفي تحقيق نشرته وكالة "بلومبيرج" للأنباء قال أنطوني سجوازين، رئيس مكتب الوكالة في جنوب إفريقيا، إن انتشار السلالة الجديدة المتحورة في إفريقيا، ينطوي على خطورة كبيرة بظهور سلالات جديدة مقاومة للقاحات المتاحة حاليا، وهو ما يهدد ليس فقط إفريقيا، ولكن كل دول العالم. ويقول توليو دي أوليفيرا، مدير معهد كوسبي لأبحاث التسلسل الجيني في جنوب إفريقيا إن "الموجة الثالثة (من جائحة كورونا) ستكون كارثة لأننا في جنوب إفريقيا وقارة إفريقيا ككل لا نحصل على اللقاحات، التي نحتاج إليها بشدة .. إذا لم نحصل على اللقاحات، خلال الشهور القليلة المقبلة، فسنواجه خطر موجة مدمرة أخرى من العدوى ليس فقط في عدد الإصابات وإنما أيضا في عدد الوفيات". وبحسب تقديرات مركز إفريقيا لمكافحة الأمراض ومنع العدوى، فإن 1.1 في المائة فقط من سكان إفريقيا البالغ عددهم نحو 1.2 مليار نسمة، هم الذين حصلوا على التطعيم، مقابل تطعيم 50 في المائة من سكان الولايات المتحدة وتطعيم كل المستهدفين من سكان بريطانيا. ومن بين ثلاثة مليارات جرعة من لقاحات كورونا تم توزيعها على مستوى العالم، كان نصيب قارة إفريقيا 50 مليون جرعة فقط. وقد أصبحت تأثيرات هذا التباين واضحة. ففي قارة إفريقيا تتضاعف أعداد الإصابات كل ثلاثة أسابيع، وأصبحت على حافة تجاوز أسوأ أسبوع في الجائحة بالنسبة لها. ففي يوم الجمعة الماضية، وصل عدد الإصابات الجديدة في جنوب إفريقيا إلى مستوى قياسي. واضطرت مدن عديدة من جوهانسبرج في جنوب إفريقيا إلى كمبالا في أوغندا لفرض إجراءات إغلاق، وأصبح عدد المرضى أكبر من عدد وحدات الرعاية المركزة بشدة. وفي الدول الأفقر في إفريقيا، يموت المرضى بسبب نقص الأكسجين وعمال الرعاية الصحية، حيث يوجد ممرض واحد لكل 40 مريضا. ويقول صانعو التوابيت وباعة الزهور في العاصمة الزامبية لوساكا، إنهم يكافحون لمواكبة الطلب المتزايد على خدماتهم بسبب تزايد أعداد الجنازات. وتقول الناشطة الاجتماعية الزامبية لورا ميتي إن أحد زملائها توفي بسبب كورونا، بعد أن قضى بعض الوقت في المستشفى، حيث لقي عديد من المرضى حتفهم بسبب انقطاع التيار الكهربائي عن وحدات توفير الأكسجين، مضيفة أن النقص في أعداد العاملين في الأطقم الطبية كان له أيضا تأثيره في زيادة أعداد الوفيات. وقالت ميتي إن أفراد التمريض يعانون الضغط الهائل للعمل والإحباط، "لا يوجد عدد كاف منهم". وبحسب مركز إفريقيا لمكافحة الأمراض سجلت إفريقيا نحو 5.4 مليون إصابة مؤكدة ونحو 141 ألف وفاة بسبب كورونا، منذ بدء الجائحة. ولكن التقديرات تشير إلى أن الأعداد الفعلية غير المسجلة أكبر بكثير، حيث يصل عدد الوفيات في جنوب إفريقيا فقط إلى 176 ألف وفاة. ويقول ماتشيديسو مويتي، مدير إدارة إفريقيا في منظمة الصحة العالمية، إن "سرعة وحجم الموجة الثالثة لجائحة كورونا في إفريقيا، أمر لم نشهده من قبل". والآن، فإن الدول الغنية ما زالت تسيطر على إمدادات اللقاحات في العالم، حيث تشتري كميات أكثر من حاجتها، وفي حين تستهدف مبادرة كوفاكس العالمية لتوفير اللقاحات لكل دول العالم، لتوزيع نحو 1.8 مليار جرعة إلى 90 دولة فقيرة في العالم بحلول أوائل 2022، فإنها لم ترسل سوى 91 مليون جرعة حتى الآن. ففي الهند، التي كانت تأتي منها أغلب إمدادات مبادرة كوفاكس، أوقفت تصدير الجرعات للتعامل مع تفشي الجائحة لديها. وأخيرا يقول ريتشارد ميهيجو، مدير برنامج التطعيم وتطوير اللقاحات في مكتب إفريقيا في منظمة الصحة العالمية إن "إفريقيا لا تنتظر اللقاحات من العالم كصدقة .. إنها تمثل فرصة أمام المجتمع الدولي لمنع ظهور سلالات جديدة من الفيروس أسرع انتقالا، تعيد كل الجهود حتى الجهود، التي بذلتها الدول الغنية لاحتواء الجائحة إلى نقطة الصفر".
مشاركة :